بعد انتخاب رئيس مصري جديد: العلاقات المصرية الخليجية إلى أين؟
 تاريخ النشر : السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
يرى كثير من المراقبين أن قضايا الشأن الداخلي، ولاسيما قضايا الأمن والاقتصاد ستتصدر قائمة اهتمامات الرئيس المصري الجديد الدكتور «محمد مرسي» بمجرد توليه مهام منصبه في الثلاثين من يونيه الجاري، ومثل هذه الأولوية التي فرضتها ظروف الثورة المصرية لها ما يبررها في ضوء حالة الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد، والتردي الاقتصادي الناتج عن تراجع السياحة وهروب الاستثمارات وتوقف المصانع وتآكل الاحتياطي النقدي (الذي وصل إلى ١٦ مليار دولار فقط)، وهو الأمر الذي سيتطلب بذل جهد كبير من الرئيس الجديد وحكومته من أجل استعادة الأمن، وإعادة استشفاء وتأهيل الاقتصاد المصري حتى يقف على قدميه من جديد.
بيد أن القول بأولوية قضايا الِشأن الداخلي يدفع إلى طرح عدة تساؤلات بشأن موقع ملف قضايا الشأن الخارجي من اهتمامات الرئيس المصري.. وهل سيتراجع أم سيحاول الدكتور «مرسي» إيجاد توازن في الاهتمام بين الشأنين الداخلي والخارجي؟ وإذا سلمنا بعدم إغفال الشأن الخارجي، فأين موقع الدائرة الخليجية بين دوائر العلاقات الخارجية للنظام المصري الجديد؟
في واقع الأمر، فإنه مهما كانت قضايا الشأن الداخلي تحظى بأولوية وبدرجة عالية من الإلحاح من جانب أي نظام أو حكومة، فإن الشأن الخارجي لا يمكن إغفاله، لأنه في كثير من الأحيان يلعب دورًا مكملاً في إنجاز ملف الشأن الداخلي، ويقوم بالتخديم عليه من عدة جوانب:
الأول- إن تحقيق الأمن الداخلي يتطلب في جانب مهم منه أن تكون حدود البلاد مؤمنة في مواجهة أي اختراقات سواء من جانب الإرهابيين أوعصابات تهريب الأسلحة والمخدرات، وهو ما يتطلب أن تكون هناك علاقات جيدة مع دول الجوار بحيث تسمح بوجود تعاون وتنسيق في المجال الأمني.
الثاني: إن مصر بطبيعتها ليست معزولة عن محيطها الإقليمي، فهي في تفاعل مستمر معه لارتباطه المباشر بأمنها القومي، فثمة ملفات وقضايا إقليمية هي معنية بها بالدرجة الأولى كالقضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل، وملف مياه النيل والأزمات في السودان وسوريا واليمن.. وجميعها تؤثر بطريقة أو بأخرى على أمنها القومي.
الثالث: أن إعادة العافية للاقتصاد المصري تتطلب وجود شبكة قوية من العلاقات مع مختلف دوائر العلاقات الخارجية، وذلك من أجل جذب السياحة والاستثمارات التي يمكن أن تساهم في إنعاش وإعطاء دفعة قوية للاقتصاد، فضلاً عن المساهمة في تمويل مشروع النهضة الذي يتبناه الإخوان المسلمون وجعل منه الدكتور «محمد مرسي» شعارًا لحملته الانتخابية.
ولأن جذب الاستثمارات وتوفير التمويل للمشروعات التنموية الكبرى سيحظى بالاهتمام الأكبر في المرحلة المقبلة في إطار عملية البناء الاقتصادي، لذا فإن دول مجلس التعاون الخليجي من المتوقع أن تحظى باهتمام خاص من جانب حكومة الرئيس المصري الجديد نظرًا لما تتمتع به من وفرة مالية يمكن أن توجه إلى مصر في صورة استثمارات وقروض أو في صورة تمويل لمشروع النهضة المذكور، هذا علاوة على ما توفره العمالة المصرية بدول الخليج - والتي تصل إلى ٤ ملايين عامل - من موارد، حيث ساهمت في ضخ حوالي ٤,١٥ مليارات دولار في عام .٢٠١١
تلك الأهمية الحيوية لدول الخليج العربية بالنسبة لمصر - والتي لا ترتبط فقط بالنظام الجديد، وإنما هي ممتدة لعقود خلت ؟ تعد من المسلمات، ولا يمكن لأي رئيس مصري أن يغفلها، ولاسيما أن هذه الدول على وشك الدخول في طور الوحدة والاتحاد، الأمر الذي سيضاعف من ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري، وسيجعلها أحد الفاعلين الرئيسيين في المنطقة.
غير أن الحكم على شكل العلاقات المصرية - الخليجية خلال الفترة القادمة في ظل وجود رئيس ذي مرجعية إسلامية وينتمي لجماعة الإخوان المسلمين يستلزم أولا التعرف على أبعاد علاقة جماعة الإخوان بدول الخليج وموقف الأخيرة من الجماعة ومن صعودها بعد الثورة المصرية والأهم موقف الرئيس المصري الجديد من العلاقات مع هذه الدول.
دون الدخول في تفاصيل العلاقة بين الإخوان المسلمين ودول الخليج العربية، فإن إحدى الحقائق التي يجب الاعتراف بها هي أن موقف دول مجلس التعاون من الجماعة - هو من وجهة نظر كثيرين ؟ موقف يشوبه القلق، رغم أن بعض هذه الدول مثل السعودية والإمارات في مرحلة من المراحل كانت ملاذًا للإخوان وقياداتهم.
وربما يرجع ذلك القلق إلى فكر الإخوان الشعوبي وموقفهم المخالف في بعض القضايا الخليجية (مثل قضية الغزو العراقي للكويت)، فضلاً عما يعتقده الخليجيون بشأن وجود علاقات قوية تجمع بين الإخوان وإيران.. ومن منطلق ذلك كان من الطبيعي أن يزداد هذا القلق بعد الثورة المصرية التي ترتب عليها صعود نجم الإخوان وتصدرهم المشهد السياسي المصري بعد نجاحهم الساحق في الانتخابات التشريعية.
ولقد بدا ذلك القلق المشوب بحالة من التوتر في أوضح صوره في الأزمة التي خلفها السجال الذي حدث بين الفريق «ضاحي خلفان تميم» قائد شرطة دبي وبين الشيخ «يوسف القرضاوي» رئيس المجلس العالمي للعلماء المسلمين والقطب الإخواني السابق، بسبب ما أشيع عن صدور قرار بترحيل متظاهرين سوريين من الإمارات، وهو السجال الذي ترتب عليه صدور تصريحات من قيادات إخوانية مصرية بحق الإمارات.. بيد أن الأزمة تم احتواؤها سريعًا ولم يكن لها تأثير على العلاقات بين القاهرة وأبوظبي.
وربما تكون مصادر القلق الخليجي قد زادت مع وصول مرشح الإخوان الدكتور «محمد مرسي» إلى منصب الرئاسة؛ حيث أصبحت الجماعة في موقع قوة وبالتالي باتت دول الخليج أمام اتجاهين لمعالجة القضية.. الأول ينحو إلى عدم استعداء الإخوان حتى لا يجروا مصر إلى الانضمام إلى المحور الإيراني - السوري، وهؤلاء يؤكدون أن الإخوان بعد أن يكونوا في السلطة سيضطرون إلى تغيير سياستهم ونهجهم، أما الاتجاه الثاني فيحذر دول الخليج من التقارب مع الإخوان بسبب مواقف سابقة يرونها غير ملائمة رغم احتضان ودعم دول الخليج لهم كما سبقت الإشارة.
وإذا نحينا الموقف الخليجي (القلق) من الإخوان المسلمين عمومًا ومن صعودهم السياسي في مصر بعد الثورة، فلا شك في أن الحكم على العلاقات المصرية - الخليجية في ظل وجود الإخوان في الحكم سيبقى دومًا مرهونًا بالسياسة التي سينتهجها الرئيس المصري الجديد ومدى تواؤمها مع المصالح الخليجية.
وحتى الآن يعكس برنامج الدكتور «محمد مرسي» وتصريحاته سواء أثناء فترة الحملة الانتخابية أو حتى بعد انتخابه رئيسًا مؤشرات إيجابية واضحة على اهتمامه بعلاقات مصر مع شقيقاتها الخليجيات، ففيما يعكس الارتباط العضوي بين الأمن القومي المصري والأمن القومي الخليجي أكد الدكتور «مرسي» في أحد تصريحاته «أن أمن مصر القومي موجود في عمق الخليج العربي».
أيضًا تشكل حماية الأمن القومي العربي وأمن الخليج العربي إحدى ركائز تحقيق الريادة الخارجية في مشروع النهضة الذي يتبناه الرئيس المصري الجديد، فرؤية الدكتور «مرسي» للسياسة الخارجية ترتكز على الموازنة بين دوائر الارتباط المختلفة وإحياء دور مصر الإقليمي على مختلف الأصعدة، بما يحقق عمقًا استراتيجيٌّا أكبر ويتيح لها مجالاً أوسع للعلاقات بمختلف مستوياتها، ويضمن لها الوجود بصورة فاعلة على الساحة الدولية.
وقد حظيت مسألة تدعيم وتقوية العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وإحياء التعاون السياسي والاقتصادي معها بأهمية خاصة حرص على أن يؤكدها في برنامجه الانتخابي.
تلك الرؤية للعلاقات بين مصر ودول الخليج العربية سواء التي يعكسها مشروع النهضة أو يعكسها برنامج الرئيس «محمد مرسي» وتصريحاته تؤكد أن هذه الدول تحظى باهتمام كبير منه، وأنه حريص على تعزيز وتطوير العلاقات معها، بما يخدم القضايا ذات الاهتمام المشترك، ويساهم في دعم جهود البناء وتحقيق مشروع النهضة بأبعادها الشاملة، وبالتالي فإن القلق الخليجي من صعود الإخوان إلى سدة الحكم يصبح بحسب البعض قلقًا غير مبرر ومؤقت وسيزول بمرور الوقت.
ولإزالة مصادر القلق يمكن القول إن هناك ثلاث ضمانات من شأنها أن تعطي دول الخليج العربية نوعًا من الاطمئنان بشأن مستقبل العلاقات مع مصر.. الضمانة الأولى - هي الضمانة الشعبية، فالرئيس المصري الجديد سيكون ملتزمًا بالتجاوب مع توجهات شعبه، والشعب المصري حريص من منطلق إدراكه لأهمية دول الخليج التي يعمل بها - كما ذُكر آنفًا - ٤ ملايين من أبنائه على أن تكون علاقات مصر بهذه الدول مستقرة وهادئة، وبالتالي لن يقبل بأي سياسة أو مواقف يمكن أن توتر أو تضر بهذه العلاقات التي تصب في مصلحة مصر بالدرجة الأولى، ولعل سحابة الصيف الأخيرة التي مرت بها مؤخرًا العلاقات المصرية - السعودية وما صاحبها من رد فعل شعبي لخير دليل على اهتمام الشعب المصري بالعلاقات مع دول الخليج العربية.
الضمانة الثانية - هي المؤسسة العسكرية التي تلعب دورًا مهمًا في الحياة السياسية المصرية بعد الثورة، وهذه المؤسسة ترى أنه لا مصلحة لمصر في الابتعاد عن دول الخليج، ويمكن أن تقوم بدور في إعادة توجيه بوصلة السياسة الخارجية المصرية، ولاسيما ما يتعلق بتحسين العلاقات مع إيران ودون أن يكون ذلك على حساب علاقات مصر بدول مجلس التعاون الخليجي.
الضمانة الثالثة - هي الإخوان المسلمون أنفسهم، فالجماعة تدرك أن هناك قلقًا وشكوكًا تثور حول فكرها ونهجها ومواقفها داخليًا وخارجيًا، وبالتالي ستبذل ما في وسعها من أجل تغيير الصورة النمطية التي رسمتها الأنظمة المصرية المتتابعة وإعلامها عن الجماعة والتي تركز على مثالبها وما تمثله من خطر مزعوم حيثما توجد ؟ وذلك من خلال سياسة برجماتية وأكثر إيجابية تساعدها على تقديم نموذج للنهضة بمشاركة فاعلة من دول الخليج.
وإذا كان ما سبق يشير إلى أن مصر تحت حكم الإخوان لن يتراجع اهتمامها بعلاقاتها الخليجية، وإنما ستوليها الاهتمام الذي يتناسب مع حيوية وأهمية ما يربط الجانبين من تاريخ ومصالح مشتركة ممتد على مدى سنوات طويلة كان كل طرف منهما سندًا وداعمًا للطرف الآخر في مواجهة العديد من الأزمات والملمات، فإن ذلك الحرص المصري على العلاقات مع دول الخليج لا يقل عنه حرص الأخيرة على استمرار العلاقات مع مصر ما بعد الثورة بنفس القوة والزخم الذي ظل السمة الغالبة لها على مدار تاريخها.. ويكفي هنا ما أبدته دول مجلس التعاون من نوايا طيبة تجاه مصر خلال العام ونصف العام الماضي ؟ منذ قيام الثورة ؟ حين اعتبرت الثورة المصرية شأنًا داخليٌّا مصريٌّا، ونفت نفيٌّا قاطعًا أي تدخل لمنع محاكمة الرئيس السابق «حسني مبارك»، كما قامت بمبادرات جيدة لدعم الاقتصاد المصري ومساندته في مرحلة عدم التوازن التي يمر بها؛ فالمملكة العربية السعودية أعلنت عن برنامج لدعم مصر يبلغ ٤ مليارات دولار، كما أعلنت قطر عن ضخ ١٠ مليارات دولار كاستثمارات في مصر بعد الثورة.. أيضًا أعلنت الإمارات عن حزمة مساعدات اقتصادية لمصر بقيمة إجمالية ٣ مليارات دولار.
وكبادرة طيبة على وجود رغبة خليجية في علاقات مثمرة وايجابية مع مصر خلال المرحلة القادمة لم يتردد القادة الخليجيون في توجيه التهنئة للرئيس «محمد مرسي» متمنين أن ينجح في إعادة مصر لمكانتها ودورها الإقليمي من منطلق إيمانهم أن قوة مصر من قوة دول الخليج.
ولا شك في أن تلك النوايا الطيبة حتى تؤتي ثمارها تحتاج إلى خطوات متبادلة من الجانبين للتأكيد على أن عُرى العلاقات المصرية - الخليجية قوية ولا تنفصم مع الاحتراز لمحاولات بعض الأطراف الإقليمية وتحديدًا إيران للوقيعة بين الجانبين متوهمة أن مصر في ظل العهد الجديد التي أبدت الاستعداد لتحسين العلاقات مع إيران يمكن أن تبني علاقاتها مع إيران على حساب علاقاتها مع دول الخليج.. تلك العلاقات ذات الخصوصية التي لا تتبدل أو تتغير ولا تجدي معها محاولات المساس بها مهما كانت طبيعة النظام الحاكم في مصر.
.