أخبار البحرين
الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود:
الخطورة أن يخشى القاضي على منصبه أو يضعف أمام تدخل أصحاب النفوذ
تاريخ النشر : السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢
أكد الشيخ الدكتور عبداللطيف المحمود رئيس تجمع الوحدة الوطنية خلال خطبته ليوم الجمعة أمس أن من أشد مخاطر القضاء أن يكون القاضي ضعيف الشخصية، أو أن يخشى التضحية بمنصبه أو وظيفته.. فيضعف أمام تدخل أصحاب النفوذ والسلطان، أو من هو أعلى منه منصبا، فيستجيب لأهوائهم، مخففا الأحكام، أو يشدد فيها، أو يبرئ المتهمين، أو يدينهم بحسب الطلب.
وقال: وهؤلاء يا ويلهم يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وأضاف: من مخاطر القضاء أن بعض القضاة يتولد عندهم الغرور والكبرياء والرياء بسبب المنصب والمكانة الاجتماعية.. فيتصرفون تصرفات تخرجهم عن العدل والقسط.
وقال: إن القضاة ليسوا بالجالسين على منصة القضاء بالمحاكم فحسب بل انهم أيضا النائب العام ووكلاء النيابة، والمحامون، وأفراد الشرطة الذين يحررون محاضر المخالفات في الشوارع أو في مراكز الشرطة والمفتشون في البلديات وغيرها، والمدرسون والمديرون في المدارس والجامعات، وكل من ولّي أمرا من حقوق الناس.
(التفاصيل)
تحدث فضيلة الشيخ الدكتور عبداللطيف محمود آل محمود رئيس تجمع الوحدة الوطنية خلال خطبته ليوم الجمعة بجامع عائشة أم المؤمنين بالحد أمس عن «القضاء والقضاة», مبتدئا بالحديث عن أن «القضاء منصب لابد منه» فقال فضيلته:
القضاء كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فريضة محكمة وسنة متبعة, أي إنه لا بد من وجوده في أي مجتمع من المجتمعات, فلا يخلو أي مجتمع من المجتمعات صغيرا كان هذا المجتمع أم كبيرا من اختلافات تقع بين الناس وتنازعات على الحقوق فيما بينهم لا يستطيعون أن يصلوا إلى نهاية لها إلا بحكم يصدر على المتخاصمين من غيرهم.
أنواع القضاء
والقضاء بين الناس يكون على نوعين, إما بالتحكيم وإما بالتقاضي.
التحكيم
أما التحكيم فهو اتفاق الطرفين المتخاصمين لعرض موضوع خلافهم على حكم أو أكثر يرتضونه, وقد أرشد الله إليه في قضايا الخلاف بين الزوجين المتخاصمين بقوله سبحانه: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا», ويمكن تطبيقه في كثير من القضايا الخلافية وهو أقصر السبل لإنهاء الخصومات.
التقاضي
والتقاضي يعني رفع موضوع الخلاف إلى القاضي الذي يتفق الناس عليه أو تعينه الدولة.
وقد جعل الله تعالى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين قضاة فيما يعرض عليهم, وحكى الله سبحانه عن بعض القضاة من الرسل, ومنهم داود وسليمان ونبينا محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ومن ذلك قول الله تعالى عن داود عليه السلام: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ» ويقول سبحانه عن داود وسليمان عليهما السلام: «وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ. فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا»، ويقول الله تعالى لخاتم أنبيائه (ص): «وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ».
ضرورة الحكم بالعدل
وقد أشار الله تعالى إلى ضرورة الحكم بالعدل بين الناس في قوله سبحانه وتعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا».
القضاء من أهم الأعمال الدنيوية والدينية
ولذلك كان القضاء بين الناس من أهم الأعمال الدينية والدنيوية, ويشير عبدالله بن مسعود رضي الله عنه إلى أهمية القضاء فيقول: (لأن أجلس فأقضي بين الناس بحق واجب أحبُ إليّ من عبادة سبعين سنة), ويقول مسروق بن الأجدع أحد التابعين: (إن القضاء يوما بالحق أحبُ إليّ من أن أرابط سنة, لما في إظهار الحق من المنفعة للناس, ودفع الظلم عن المظلوم, وإيصال الحق إلى المستحق, ومنع الظالم عن الظلم).
منزلة القضاة في الدنيا وفي الآخرة
منزلة القضاة ليست في المكانة التي يتبوؤنها في الدنيا بحكم مناصبهم, وإنما بما يكون مردودها عليهم في الآخرة.
منزلة قضاة الحق والعدل
فمن فضائل القضاة الذين يحكمون بالقسط والعدل بين الناس:
ثبوت محبة الله لهم كما قال سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ».
حكم لهم رسول الله (ص) بأنهم من أهل الجنة حيث قال (ص): (وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَذَلِكَ فِى الْجَنَّةِ).
يظلهم الله في ظله يوم القيامة كما أخبر بذلك رسول الله (ص) في قوله: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) ومنهم الإمام العادل ويشمل الحكام والقضاة.
هم على منابر من نور يوم القيامة, حيث يقول الرسول (ص): (المقسطون على منابر من نور, هم الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وماوَلُوا).
منزلة قضاة الظلم والحيف
ومن سوء مصير القضاة الذين يحيدون عن الحق في أحكامهم
أنهم يكونون حطبا لجهنم, فقد قال الله تعالى: «وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا».
أنهم من أهل النار حيث يقول رسولنا الأكرم (ص) عنهم: (الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِى الْجَنَّةِ, رَجُلٌ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ فَعَلِمَ ذَاكَ (أي علم الحق وقضى بغيره) فَذَاكَ فِى النَّارِ, وَقَاضٍ لاَ يَعْلَمُ (أي لا يعرف الحقوق ولا كيف يقضي بها) فَأَهْلَكَ حُقُوقَ النَّاسِ (أي أضاعها) فَهُوَ فِي النَّارِ).
طريق النجاة للقضاة
وعلى القاضي أن يضع في اعتباره ليحصل على أجر القضاء ولا يحرم منه في الآخرة ويكون من أهل الجنة ولا يكون من أهل النار أمورا:
الحكم بالعدل والقسط بين الناس كما قال الله تعالى لنبيه محمد (ص): «وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ».
عدم اتباع هوى النفس وهذا ما قاله الله تعالى لداود عليه السلام: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ», وهذا النوع من القضاة يبيع آخرته بدنياه وهواه.
ألا يتأثر حكم القاضي بالصلات النسبية أو المصاهرة أو الصداقة أو المعرفة الشخصية أو المكانة الاجتماعية أو المكانة المالية, وفي هذا يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا», وهذا النوع من القضاة يبيع آخرته بدنيا وهوى غيره.
عدم اتباع هوى الناس حاكما أو محكوما مدعيا أو مدعى عليه, حيث يقول الله تعالى: «ولا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ», ويقول سبحانه: «وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ» وهذا أيضا من القضاة الذين يظلمون أنفسهم إذ يبيع آخرته بدنيا وهوى غيره أيضا.
مخاطر القضاء
مخاطر القضاء كثيرة ولابد للقاضي أن يتحملها ومنها :
اتهام القضاة من المحكوم عليهم من المتخاصمين الذين لا يحكم لهم بما يظنون أنه الحق لأي سبب من الأسباب بأنه ظلمه, وقد يكون السبب في عدم وصول صاحب الحق لحقه عدم تقديم الأدلة التي تدل على حقه, والقاضي لا يحكم بعلمه, بل يقضي بنحو ما يسمع من أدلة الخصمين, وقد يكون أحدهما قادرا على إظهار حجته والآخر غير قادر على إظهارها فيحكم القاضي بما يقدمه الطرفان المتخاصمان من أدلة والقاضي لا يجوز له أن يوجه أي من الخصمين إلى كيفية إظهار حقه. وفي هذا المقام يرشد الرسول (ص) المحكوم له أن لا يعتمد على الحكم الصادر عن القاضي في استحلال ما ليس له, فحكم القاضي لا يحل حراما ولا يحرم حلالا ولا يكون حجة يوم القيامة عند الله تعالى, فيقول الرسول (ص): (إِنَّما أَنا بَشَرٌ وإِنَّكُم لَتَخْتَصِمُونَ إليّ وَلَعَلّ بَعْضكم أَنْ يَكُون ألحَن (اللحن الميل عن جهة الاستقامة يقال لحن فلان في كلامه إذا مال عن صحيح المنطق وأراد أن بعضكم يكون أعرف بالحجة وأفطن لها من غيره) بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لهُ عَلَى نَحْو ما أسْمعُ منْهُ فَمَنْ قَضيتُ لَهُ بِشَئٍ مِنْ حَقِّ أخِيه فَلاَ يَأْخُذَنَّهُ فإِنَّما أَقْطَعُ لَهُ قِطعَةً مِنَ النَّارِ, وفي مثل هذه الحالات يتهم القضاة بأنهم قد حكموا بغير الحق أو بالباطل, أعان الله القضاة العدول على ما يكال لهم من اتهامات.
ومن مخاطر القضاء أن بعض القضاة يتولد عندهم الغرور والكبرياء والرياء بسبب المنصب والمكانة الاجتماعية فيتصرفون تصرفات تخرجهم عن العدل والقسط.
ومن أشد مخاطر القضاء أن يكون القاضي ضعيف الشخصية أو أن يخشى التضحية بمنصبه الذي يتحصل عليه من وظيفته فيضعف أمام تدخل أصحاب النفوذ والسلطان أو من هو أعلى منه رتبة فيستجيب لأهوائهم فيخفف الأحكام أو يشدد فيها أو يبرئ المتهمين أو يدينهم بحسب الطلب فيا ويله ثم يا ويله يوم يقوم الناس لرب العالمين.
الذين تنطبق عليهم أحكام القضاة كثيرون
الذين تنطبق عليهم هذه الأحكام ليسوا هم الذين يجلسون على منصة القضاء في المحاكم المدنية والجنائية والتجارية فقط وإنما هم كثيرون في المجتمع يشملهم ما جاء في حديث الرسول (ص): (المقسطون على منابر من نور, هم الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وماوَلُوا) ومنهم:
النائب العام ووكلاء النيابة وهؤلاء يعتبرون من القضاة لأنهم يحققون في القضايا ويشكلونها ويقدمونها إلى القضاة, وهذا نوع من القضاء المستحدث فيستطيعون أن يحفظوا القضايا أو يدفعوا بها للقضاء.
المحامون وهم الذين يسمون بالقضاء الواقف.
أفراد الشرطة الذين يحررون الشكاوى في الشوارع أو في مراكز الشرطة أو يمتنعون عن ذلك لقرابة أو صداقة أو هوى.
المفتشون في البلديات والمؤسسات والهيئات وديوان المظالم وديوان الخدمة المدنية وغيرها.
المدرسون والمعلمون والمديرون في المدارس والجامعات والمسئولون الإداريون.
كل من ولي أمرا من حقوق الناس ولم يعمل بالحق والعدل في الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة.