الجريدة اليومية الأولى في البحرين


المال و الاقتصاد

لا مفر من الاعتماد على النمو
خروج أوروبا من أزمتها مرهون باستيعاب الدروس الآسيوية

تاريخ النشر : السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢



النفور من التدابير التقشفية والتأكيد على خطورة الاعتماد عليها كوسيلة لإنقاذ اليونان والدول الطرفية فى منطقة اليورو، أصبح قاسماً مشتركاً تتفق عليه الشعوب الأوروبية، وفريق من المحللين الذين تصدوا منذ اندلاع الجدل بشأن سبل إنقاذ اليونان لإبراز خطورة الاكتفاء بتقليص الإنفاق دون الاهتمام بتحسين معدلات النمو الاقتصادي.
ويليم بفيك، من وكالة بلومبرج الإخبارية، يرى إن أوروبا يمكنها أن تشق طريقها نحو التعافي إذا سعت للاستفادة من الدروس المستفادة التي يمكن استخلاصها من أزمة مالية مشابهة، تعرضت لها المنطقة الآسيوية في عام 1997، وتحين حالياً الذكرى الخامسة عشرة لوقوعها. وكان من شأن السياسات الرشيدة التي سعت الدول الآسيوية لتطبيقها في تلك الفترة كوسيلة لمواجهة الأزمة، إحداث طفرة في معدلات نموها الاقتصادي للحد الذي يجعلها حالياً مرشحة دون سواها، لتصبح المصدر الأساسي الذي تعتمد عليه أوروبا في الخروج من المأزق الراهن. وقد بدأت الأزمة المالية الآسيوية في تايلاند، عندما تراجعت قيمة عملتها، وانتقلت العدوى لعدد كبير من الدول الآسيوية حتى بلغت إندونيسيا وكوريا الجنوبية وماليزيا، وبدأ العالم يستشعر خطورة الوضع عندما مؤشر داو جونز الصناعي يخسر أكثر من 500 نقطة في جلسة تداول واحدة.
وقد سعت أوروبا لمواجهة الأزمة باستخدام تدابير تجاوزتها آسيا خلال أزمة التسعينيات، مشيراً إلى أن الـدرس المستفاد من الأزمة الآسيوية، هو إبرازها خطورة تطبيق تدابير تقشفية عندما يكون الاقتصاد في أمـس الحاجـة لتعزيز النمو، وكذلك تأكيدها وجوبية تجاهل السياسات الاقتصادية التقليدية في الظروف غير العاديـة.
وأضاف بفيك أن أوروبا تندفع لارتكاب أخطاء فادحة في التعامل مع أزمتها الراهنة، لأنه تمنح الاعتبارات السياسية أولوية قصوى للحد الذي يدفعها لإغفال العوامل الاقتصادية المؤثرة، كما تتناسى حقيقة أن النظام المالي العالمي يتغير بسرعة يعجز السياسيون عن ملاحقتها وأننا نعيش فى عالم يصعب فيه الاعتماد على دول معينة كوسيلة لتحسين النمو.
وقد تقدمت واشنطن بنصائح إلى الدول الآسيوية لمساعدتها على الخروج من الأزمة، وأقل ما توصف به هذه النصائح هو ان تتناقض جذرياً مع السياسات التي أتبعتها واشنطن نفسها لمواجهة أزمتها المالية في عام 2008، حيث طالبت وزارة الخزانة الأمريكية وصندوق النقد الدولي بقيام آسيا برفع الفائدة لدعم العملات الآسيوية وتخفيض الإنفاق الحكومي والمديونية. إلا أن الآسيويين ضربوا بنصائح واشنطن عرض الحائط، حيث فضل المسئولون في ماليزيا واندونيسيـا وكوريـا الجنوبية التخلص من السياسات التقشفية واستبدالها بسياسات أكثر تنوعاً قادرة على تحسين معدلات النمو، وقـد ثبت نجاح هذه السياسات حيث استأنف المستثمرون ضخ الاستثمارات في المنطقة، وبدأت تجني ثمار هذه السياسات حيث نجحت فى تعزيز قدرتها الاقتصادية وتفوقت على أوروبا وأمريكا في الاداء الاقتصادى.
ويتعذر حالياً العثور على اقتصاد عالمي قادر على تحفيز النمو فى الدول الأخرى، وعلى أن يكون سوقاً لمنتجات هذه الدول، حيث يصعب التعويل حالياً على أوروبا التي أصبحت حاجتها للتحفيز تتجاوز حاجة الدول الآسيوية خلال أواخر التسعينيات أما الولايات المتحدة فلم تعد واحة للتقدم مثلما كانت الحال سابقاً، حيث تسود حالة من الركود التضخمي.
كما تعاني تكتلات اقتصادية عالمية أخرى مشاكل مماثلة، حيث تتصاعد فى اليابان مخاطر الانكماش كما تتجه الصين نحو التباطؤ وقد كشف أحدث البيانات عن انكماش التصنيع في الصين في مايو للشهر السابع على التوالي.
وسعت أوروبا للاستفادة من احتياطات العملة الهائلة التي تمتلكها الصين والبالغة نحو 3,3 تريليونات دولار، ورأت الصين أن من مصلحتها إنقاذ منطقة اليورو والرأسمالية بضربة واحدة عن طريق تقديم يد العون لمنطقة اليورو، خصوصاً بعد ان تطاير إليها شرر الأضرار التي لحقت باقتصادها جراء الأزمة.
وتعد كوريا الجنوبية خير نموذج يمكن أن تحتذيه الدول الأوروبية المتعثرة للخروج من أزمتها الحالية، فقد استطاعت بفضل التدابير التحفيزية التي طبقتها أثناء الأزمة الآسيوية التخلص من المديونية كما أفلحت في تحسين تنافسية اقتصادها.
وتجنى الآن الإصلاحات الاقتصادية التي طبقتها خلال الفترة التي تلت عام 1997، ولعل أفضل دليل على هذا استحواذ شركة سامسونج على حصة كبرى من السوق العالمية في قطاع الأجهزة الإلكترونية على حساب شركات عالمية أخرى مثل شركتي سوني وهيونداي كما أحتلت مكانة مماثلة شركة هيونداي في سوق السيارات على حساب شركات عالمية أخرى مثل شركة تويوتا موتورز.
وتفتخر تايلاند كذلك بتحقيق نسبة نمو اقتصادي 6% مع تراجع معدلات البطالة لديها لمستوى متدن يقدر بنحو 0,7% رغم مرورها بالكثير من التقلبات.