مقالات
الديمقراطية.. ثقافة قبل ان تكون نظاماً للحكم
تاريخ النشر : السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢
(ديمقراطية بلا ديمقراطيين) هو عنوان لكتاب أصدره منذ أكثر من ربع قرن وزير الثقافة اللبناني الأسبق وأستاذ العلوم السياسية فى باريس، غسان سلامة، ومن العنوان ندرك أن الكتاب يتحدث عن معضلة تعانيها غالبية المجتمعات العربية في الوقت الراهن، وهي معضلة بناء نظام ديمقراطي في مجتمع يفتقد وجود ديمقراطيين حقيقيين وثقافة ديمقراطية مستنيرة وأخلاقيات ديمقراطية مستقرة ومتماسكة، وكلها مُعطيات من شأنها أن تعرقل أي عملية تحول ديمقراطي، بل من شأنها تعطيل وإفشال المؤسسات الديمقراطية التي تعتبر أساساً تنفيذياً لقيام أي نظام ديمقراطي.
لقد أصبحت الديمقراطية كلمة مألوفة على نحو عالمي ومستخدمة حتى من أعتى الجلادين والمستبدين. ولكنها كفكرة ونظام اجتماعي وسياسي مازالت مبهمة للغاية؛ بل أسيء فهمها واستخدامها واستثمارها وخاصة من قبل أناس هم في الحقيقة من أشد المتعارضين معها فهماً وثقافة وامتثالاً وتصوراً. وفي هذا يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة (جورج تاون) الامريكية دانيال برومبرغ في تقرير للكونغرس الامريكي: «ان عولمة الديمقراطية وتعويم مفهومها شجع المجموعات الإثنية والدينية والطائفية على لبس عباءة الديمقراطية واستخدامها كسلاح معترف به عالمياً لإثارة القلاقل وفرض الأجندات الاستبدادية على المجتمعات والدول، بينما هي في الحقيقة تتبني برامج عمل طائفية تتعارض مع أبسط مبادىء الحريات والحقوق واحترام الآخر». وهذا بالتحديد ما يحدث هنا في البحرين وفي عديد من الدول العربية وغير العربية. وهي إحدى المشهديات السلبية العديدة المرافقة لدعوى الديمقراطية بلا ديمقراطيين؛ والشفافية بلا شفافين؛ والحرية بلا مؤمنين حقيقيين بها وبمعطياتها وأحوالها.
والواقع أنه يتوجب علينا الاقرار بأن هناك هوة كبيرة تفصلنا عن العالم المتقدم في مجال الديمقراطية، تتجسد أول ما تتجسد في غياب الثقافة الديمقراطية عن مجتمعاتنا؛ بل عن نسبة كبيرة جداً من نخبنا الثقافية والفكرية وجمعياتنا وأحزابنا السياسية وفي مجالات الحياة المختلفة. ولا يمكن تضييق هذه الهوة إلا بتكريس الديمقراطية كثقافة وأسلوب حياة أولاً، وهو دور الإعلام والتربية والتعليم والجامعات والكتاب والمثقفين قبل أن يكون دور الدولة ومؤسساتها. وهنا يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني الرزينة والمستنيرة والتي لم يتم اختطافها بعد من قبل أصحاب الأجندات الخاصة الذين سبقت الإشارة إليهم في مقولة البروفسور دانيال برومبرغ. ولا يتوقف دور هذه المؤسسات المجتمعية الرزينة والمستنيرة على ترسيخ ثقافة الديمقراطية والحقوق فحسب، بل يتحتم عليها القيام بالأدوار الرقابية التي يفرضها المجتمع الايجابي على ممارسات وسلوكيات الجمعيات السياسية والأحزاب ومختلف القوى السياسية والاجتماعية الاخرى.. ومراقبة مدى التوافق بين شعاراتها وسلوكياتها، وبين ما تطلبه أو تحاول فرضه على الآخرين وما تقوم به هي من ممارسات وسلوكيات تتنافى مع ذلك وتتعارض معه.
ويرتبط التغيير الديمقراطي أيضا بنمو الطبقة الوسطى وانتشار التعليم العالي والانفتاح على التجارب والثقافات الديمقراطية الأممية. وفتح الابواب امام التغيرات الاجتماعية الايجابية المترافقة مع دخول أجيال جديدة وفئات ذات اهتمامات مختلفة تتطلب استيعاباً مستنيراً وانفتاحاً وتسامحاً ملائماً في بنية المجتمع الواحد.. كما يرتبط التغيير الديمقراطي بتكريس حقوق الأقليات وعدم الاكتفاء بالنوايا الحسنة للأغلبية، إذ لا يمكن إهمال أو تجاهل هذه الحقوق بسبب تصويت الأغلبية أو نتائج الصناديق.
كذلك فإن الديمقراطية شأن يتجاوز القوانين والمبادئ والاجراءات والمؤسسات الدستورية التي تحدد وتعين عمل الحكومة. فالحكومة في النظام الديمقراطي مجرد عنصر واحد يتداخل ضمن هيكل اجتماعي تعددي من المؤسسات والأحزاب والمنظمات والنقابات والثقافات، لا يتم فيه احتكار الحقيقة أو التمثيل الشعبي أو الشرعية أو الحق.. ويجري كل ذلك بتوافق وتمازج شعبي رأس أولوياته التسامح وعدم استخدام القوة أو التغول على الآخر.. وكما يقول الرئيس الامريكي الأسبق جيفرسون: «لا تكون الأمة حرة إلا إذا تكونت من أحرار».
في الشأن الوطني:
الموقف النيابي متأخر.. ولكن..
يقال: «إن تحضرا متأخراً خيرٌ من أن لا تحضر أبداً».. والسادة والسيدات النواب الذين عقدوا مؤتمراً صحفياً قبل يوم لإعلان موقف وطني وشعبي صريح من ممارسات السفير الامريكي والمبعوث مايكل بوسنر.. نقول هؤلاء النواب فعلوا حسناً بمؤتمرهم هذا وبموقفهم الوطني الصريح والشجاع. ولو أننا كنا نتمنى لو كان ذلك مبكراً، وفي الوقت الذي كانت القيادة والوطن يتعرضون لسيل جارف من الضغوط الأمريكية خاصة..! وما تنميناه أيضاً أن لو كان التحضير للمؤتمر اكثر اكتمالاً وخاصة لجهة حضور وكالات الانباء العالمية ومراسلي الفضائيات العربية... مع ذلك لهم منا تحية واجبة وها نحن نؤديها مع جزيل الاحترام.