أفق
تحولاتُ العاملين بأجر في الخليج (2 - 3)
تاريخ النشر : السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
تطورات المواد الخام إذ تعتمد على تطورات الصناعة العالمية فإنها كذلك تعتمد على فائض القيمة الناتج من الصناعة ومدى قدرته على إعادة الإنتاج العادية والموسعة.
فإذا كانت المرحلةُ الأولى من الصناعة النفطية البحرينية قد اتسمتْ بالركود بين 1933- 1960، فإن التطورات بعدها كانت سريعة.
ارتفاع أسعار المواد الخام بصورة كبيرة قد جعل التجديدات الموسعة للإنتاج النفطي الخليجي عامة ضخمة فيما حدثت تحولاتٌ موسعةٌ لهياكل الانتاج عامة في هذه الدول.
لكن بُنى الانتاج هي مشدودةٌ لحبلها السري الذي تغذتْ به، فلا تستطيع الخروج عن عالم المواد الخام الذي تسبح فيه، فتتنوع الموادُ الخام وتغذي مصانع أخرى.
إن عالمَ المواد الخام من بيعِها وتكريرها حتى تصنيعها بعض الشيء هو بقاءٌ على قشرةِ الطبيعة المعطاء، وهذا البناء التحتي يشكلُ بناء فوقيا تابعا له، فالتعليمُ تعليمٌ نظري ومهني بعض الشيء وتصنيعي محدود، والنظرة الفكرية نظرةُ معالجاتٍ سطحيةٍ لظواهر العالم، والعالم السياسي عالم تقليدي شمولي.
تم التحول من مواد نفطية قليلة محورية إلى مواد عديدة وجلب مواد خام جديدة على البيئة والانتاج السابق:
(في الآونة الأخيرة، أصبحت دولُ مجلس التعاون الخليجي منتجا رئيسيا للسلع الصناعية الثقيلة مثل الألمونيوم والبلاستيك والاسمنت، وبدأتْ تأسيسِ مكان مناسب لها في السوق كمورد لهذه المنتجات، ولاسيما بالنسبة إلى الاقتصادات النامية في شرق وجنوب آسيا).
بناءُ البحرين الاقتصادي الاجتماعي وكذلك دول الخليج اعتمد على موروث بدوي زراعي في دولٍ صحراوية، مما جعل القوى السكانية ضعيفة، في حين كان تفجرُ الثروات النفطية يتطلبُ قوى سكانية كبيرة.
هذا التناقض لم يتم تجاوزه بتطورٍ متدرجٍ مخطط بل عبر سياساتٍ عفوية لكل دولة، والاقتصادات النفطية لم تواكبها عمالةٌ كثيفة واسعة لأنها لا تحتاج إلى ذلك، وهي مع ذلك مصدر أغلبية فائض القيمة، مما جعل التطور يتوجه نحو اقتصاد الخدمات المتنوعة الواسع النطاق، الذي احتاج إلى عمال كثيرين تم جلب أغلبهم من الخارج، وحسب العفويات السوقية الاقتصادية والبحث عن القوى العاملة الأرخص، وعبر اقتصادات تبادل المنافع.
انتقل محور التشغيل إلى اقتصاد الخدمات، ولم يعد عمال النفط يشكلون محورا اقتصاديا سكانيا في وسط عربي خالص، فصار العمالُ الأجانب هم المحور الاقتصادي الأغلب، ومع تباين لغاتهم وقومياتهم وظروف تشغيلهم وسكنهم وتنوع مواقعهم، لم يعد العمال قوى اجتماعية سياسية مؤثرة في التحولات السياسية والفكرية، وغدت الصراعات السياسية تبحث لها عن قوى اجتماعية أخرى ولم يعد المجتمعُ الصناعي العمالي هو محركُ التغيير كما كان في المرحلة البسيطة الأولى.
كذلك فإن الطابعَ البدوي الزراعي لمجتمعاتِ الخليج العربية أُصيبَ بالارتباك الاجتماعي السياسي، فالقوى السكانية العاملة لم تجدْ لها مواقع كبيرة في ميادين العمل المحورية الصناعية، فالقفزة الاقتصادية التي تمت في بضع سنوات والتي لم تواكبها عملياتُ تخطيط دقيقة وسياسات تحديث في التعليم جرى الترتيب لها من خلال استيراد العمال، وهذا لاحقتهُ تطوراتٌ اقتصادية وسكنية واجتماعية حسب ظروف كل بلد ومداخيله وقوانينه، خاصة أن المرحلة البنائية الواسعة اعتمدت على الإنشاءات ومشروعات البنية الاساسية، وهذا ما أعطى الأجهزة الحكومية والمقاولين التحكم في الموارد وتوزيعها وكل السلسلة الأخرى من السكن والخدمات والتمويل وغيرها، فتنامى التقسيم الاجتماعي السابق نفسه، ولكن بشكل أكبر كثيرا وغدت الرساميل ذات أرقام مختلفة تماما.
وكما توجهت السلعُ الاقتصادية المُصنعة الجديدة لدول جنوب وشرق آسيا فكذلك ان أغلبيةَ العمال جاءتْ من هذه المناطق، ولكنها بمعزلٍ سياسي واقتصادي عنها، فكل جانبٍ له مساره الخاص، لكن العلاقات الاقتصادية الاجتماعية توسعت كثيرا بين الخليج والاقطار الآسيوية بشكل أكبر من العلاقات مع الاخوة العرب.
كثافة القوى العمالية الآسيوية وتعدد مهاراتها وتدني أجورها كانت أسبابا متعددة لهذا الاستقدام الواسع.
في حين غدت القوى العاملةُ العربية المحلية في وضع صعب من المزاحمة السريعة الكثيفة، واعتمد ذلك على طبيعة أجهزة الدول وكيف تدمج القوى السكانية من المواطنين في البنيةِ الاجتماعية الجديدة وما هي المهارات العملية لديهم وتاريخ العمال الإنتاجي وأعدادهم وحضورهم في الحياة الاجتماعية والسياسية.