الثقافي
إليك.. أيتها الأم.. إليك.. يا وطن الوطن
تاريخ النشر : السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢
أمي.. أيتها الوطن
وددت لو أطوق جبينك بهالة من النجوم
أو اصنع من زهور الروح عقدا يطوق جيدك ويستلقي على صدرك الذي يغدق الحب والدفء والحياة.
لو كان لي أن اجترح المستحيل، لجعلت الشمس مظلة تقيك حر الصيف وبرد الشتاء، وجعلت من الغيوم والسحاب الممطر أجنحة ترفرف على أعطافك بردا وسلاما أين تحلين وأين ترحلين، وجعلت من الجبال والأودية والبطاح جنانا خضراء، باتساع المدى بساطا تحت أقدامك.
أمي... ان كانت يداي قد قصرتا عن تكريمك بما تستحقين، فلتسعدني لغة الروح، وذهب الكلام، وينابيع الشعر، لانحت من الكلمات الكريمات أقمارا، ومن الحروف الذهبية نجوما وأهلة وأقمارا أعلقها في سماواتك الواسعة الرحبة ان غابت النجوم والأهلة والأقمار.
أماه، هل رأيت وأنت تطلين على بيتك الصغير كيف ترقص زهرات الشمس فرحا، وكيف تتلفت حين تمرين، وكيف تستدير حيث تستديرين، وكيف تفتح شجرة الياسمين قمصانها لاحتضانك في ابتهاج وغناء وفرح طفولي؟
أمي... يا ألف البدء... ويا ميم ماء الخلق والتكوين..
بين الفك وميمك.. أيتها الأم.. ينطوي عالم الانسان الكوني، عالم الانسان الأكبر.
على ضفافك، يلتقي الشرق والغرب وتتوحد الاوطان والجهات واللغات والشعوب.
أتعلمين يا أمي... أن الشاعر التشيلي العظيم »بابلو نيرودا« قد فقد أمه طفلا، ومع ذلك ورث جلال الشعر وينابيعه عن أمه التي كانت تكتب الشعر وتعلقه على جدران غرف البيت؟ ووفاء وعرفاناً من هذا الشاعر الانسان نيرودا، أبدع أجمل قصائده في تمجيد أمه التي كفلته والتي كانت أمه بعد أمه.
بونابرت اسكندر القرن الثامن عشر وإمبراطور فرنسا الأوحد في مقولته الذائعة الصيت عن الام، لم يكن يعني غير نفسه وذاته العظمى عندما هزّ وخلخل ودمر نظام العالم من حوله. تماما كما فعل شاعر العربية المتنبي محتدا ومعتدا بذاته في قوله هو الاخر
»ولو لم تكوني بنت أكرم ماجد... لكان أبوك الضخم كونك لي أما«
هل نسأل الشيخ المتنبي... ماذا عن الامهات اللاتي لم يلدن ابناء كالمتنبي؟
أما الشاعر الشريف الرضي فقد كان أكثر وفاء وأكثر روعة في تصويره لفاجعته في أمه.
»كان ارتكاضي في حشاك مسببا ركض الغليل عليك في احشائي«.
أتعلمين يا أمي ماذا تعني »ماما« في لثغة منغمة عذبة تنبجس عن شفتي طفل صغير؟
محمود درويش الشاعر الفلسطيني الكبير، كان أكثر الشعراء حنينا وشوقا إلى قهوة أمه ورغيفها المشبع برائحة الامومة والطفولة والزعتر.
أما الشاعر بدر شاكر السياب فقد أحب الارض التي تمشي عليها أمه وأحب نهر بويب الصغير الذي كانت تستحم فيه وتغسل فيه ملابسها،
وتمنى أن يبني مدن العالم من تلك الحصى الصغيرة في مجرى مياه هذا النهر، وكانت الأم في اطروحة السياب الابداعية عنصرا بنيويا خالقا في هيكلة قصائده الوطنية ومعادلا وجدانيا ووطنيا وابداعيا، يقول في انشودته الخالدة، «انشودة المطر»
«في كل قطرة من المطر
حمراء أو صفراء من أجنة الزهر
فهي ابتسام في انتظار مبسم جديد
أو حلمة توردت على فم الوليد»
أيتها الام
قالوا... انك طينة آدم الاولى... وانك جبلت من دمه ولحمه وعظامه... وقيل... انك أول امرأة توجت ملكة على ممالك الجنة.
أمي... اعدك بألا أدخل الجنة إلا عبر بوابة قدميك.
أليست الجنة تحت أقدام الامهات؟