الجريدة اليومية الأولى في البحرين


الثقافي


«مختبر النقد الأدبي».. أمل جديد لعودة الروح إلى الحياة الثقافية

تاريخ النشر : السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢



القاهرة: وكالة
الصحافة العربية
الإبداع والنقد قدمان لا يمكن للحركة الأدبية أن تنطلق من دون إحداهما، مقولة كثيرا ما تتردد في الندوات والمؤتمرات الثقافية، لكن الواقع في مصر يؤكد ومنذ عقود طويلة أن حياتنا الإبداعية »عرجاء« فاقدة ركيزة النقد.
الجمعية المصرية للنقد الأدبي حاولت التصدي لهذه المشكلة المزمنة وحينما أطلقت الجمعية مؤخرا فعاليات »مختبر النقد الأدبي« الذي يسعى إلى تطوير الأداء النقدي في مصر، وتنشيط العلاقة بين النقد الأكاديمي والمبدعين، وتم الاتفاق على عقد حلقات نقاشية شهرية من شأنها الارتقاء بالمستوى النقدي، بعد أن عانت الساحة الثقافية ولسنوات الافتقار إلى النقد الحي للإبداعات.
هذه الخطوة رحب بها العديد من النقاد والمبدعين، معتبرين هذا المختبر نقلة حقيقية في تاريخ النقد الأدبي في مصر، بينما رأى آخرون أن هذا المختبر هو نتاج لـ»الإطار الشللي« نفسه الذي يهيمن على الحياة الثقافية.
ويؤكد الناقد د. شريف الجبار أن هذا المختبر يعد بداية موفقة لجمعية النقد الأدبي، لمساندته الشباب الباحثين في مجال النقد الأدبي فهو يتيح لهم الاحتكاك بشكل مباشر برؤى جديدة في التنظير والتطبيق خارج أسوار الجامعة المصرية التي حولت الكثيرين منهم إلى مجرد محاضرين من دون تطوير أدواتهم النقدية بما يتلاءم مع تطور المجتمعين المصري والعربي، وبالتالي فإن هذا المختبر يسمح باحتكاك الباحثين بالأساتذة المتميزين والاطلاع على الدراسات الأكاديمية ويعطي الفرصة كاملة إلى الناقد الشاب لكي يواجه الجمهور خارج أسوار الجامعة.
وقال الجيار إنه يحسب لهذا المختبر أنه لا يرتكن فقط للإفادة من النقد الأكاديمي بل يهتم بآراء المبدعين في النقد الأدبي، وبالتالي يحدث نوعا من التقارب بين الدراسات الأكاديمية وآراء المبدعين وهذا ما لا يجده الباحث أو الناقد الشاب داخل أسوار الجامعة، وبهذا يمثل هذا المختبر صورة مصغرة لما نشاهده في الغرب من احتكاك دائم بين شباب المبدعين وشباب النقاد وأساتذة النقد المخضرمين.
يؤكد الناقد فؤاد قنديل أن النقد لا يمكن أن ينجح في أمة ويزدهر، إلا إذا كانت هناك حال من التألق الفكري والفلسفي ونحن منذ سنوات محرومون من مثل هذا التألق، مؤكدا أن مصر لا تفتقر إلى النقاد بقدر ما تفتقر إلى النقد، بمعنى أنه لا توجد مساحات للنقد، فقد كانت الصحف قبل سنوات تفسح مجالا لعرض وجهات النظر النقدية في الأعمال لكن هذا لم يعد متيسرا الآن كما أن المجلات قد قل عددها.
أما عن وسائل الإعلام المرئية فلا علاقة لها بالنقد بأي درجة من الدرجات، كما أن هناك شبه غياب تام لمسابقات وجوائز النقد وهي المسابقات اللازمة للقيام بمهمتين أساسيتين الأولى: الكشف عن مواهب نقدية جديدة، والثانية تشجيع الموجود منها، وللأسف الشديد تلك هي الحالة في مصر، ومن ثم لا نستطيع أن نقول إن في مصر نقداً.
ويؤكد قنديل أن المساحات المتاحة للنقد لا تتناسب مع الناقد الأكاديمي، لذا فإن النقد في الصحف تحول إلى النقد الانطباعي والصحفي، ومن هنا يأتي القول إن الحياة الثقافية المصرية تسير على قدم واحدة وهي الإبداع فقط، ولابد من العودة للسير على قدمي الإبداع والنقد مرة أخرى.
وأشار قنديل إلى أن مختبر النقد هو من أهم الأفكار الثقافية التي طرحت في الفترة الأخيرة، ومن المتوقع أن يثري الحياة الأدبية والثقافية في مصر، وذلك يتطلب من المختبر إصدار مجلة نقدية خالصة، سواء كانت ورقية أو البدء بإلكترونية ثم تتحول بعد توافر الإمكانيات إلى مجلة ورقية، إلى جانب إجراء مسابقات للكشف عن المواهب الجديدة، ومطالبة وزارة الثقافة أو المجلس الأعلى للثقافة باستحداث جائزة مستقلة للنقد ضمن جائزة الدولة »التقديرية« أو تكون مستقلة كجائزتي يوسف إدريس ونجيب محفوظ، وأن تكون هناك جائزة باسم طه حسين أو العقاد أو محمد مندور شيخ النقاد وتمنح لأبرز الكتب التي صدرت في النقد خلال العام، كما يجب على المختبر مخاطبة وسائل الإعلام المختلفة لتحديد مساحة للنقد الأدبي بشكل مستقل كل أسبوع، بما لا يقل عن ربع صفحة في كل جريدة قومية، وأن تتم الاستعانة في ذلك بالمجلس الأعلى للصحافة أو البرلمان ومن دون مثل هذه الخطة لن يجدي هذا المختبر في شيء.
بينما يرى الناقد د. حسام عقل أن جمعية النقد الأدبي تعاني الأمراض نفسها التي تعانيها الثقافة في مصر، فكل الذين يناقشون نصوصا أو يقيمون أنشطة هم في الغالب أصدقاء وتلاميذ قريبون من د. صلاح فضل ومن هنا يدور النقد في فلك »الشللية«، وهو محصور في القاهرة والإسكندرية فلا يقترب أحد من أدباء الأقاليم والقرى والكفور والنجوع التي تشهد طفرة إبداعية ولا استثني إلا مساحة واحدة هي مختبر السرديات في الإسكندرية حيث نجحت مجموعة من النقاد الشباب غير المنحاز أن يبدأوا حركة جديدة لكن منبرا واحدا غير كاف فلابد من التخلص تماما من الأفكار القديمة لحظيرة وزارة الثقافة المتمثلة في رؤوس قديمة تابعة للنظام البائد.
وأكد عقل أن النقد الأدبي بالروح الاحترافية الواجبة عمل غائب عن المشهد الثقافي منذ فترة طويلة تكاد تقترب من عقدين من الزمن وعلى الرغم من أن جيل الشباب يحاول جاهدا أن يبذر بذرة نقد أدبي جاد، فإن »عطن« المؤسسات الثقافية وهيكلها الجامد، وإغراقها في التربيطات وفي التسويق لتجارب الأصدقاء وفي استسهال لغة نقدية شديدة الخفة والضحالة، كل تلك الأمور مجتمعة تحول بيننا وبين مشهد نقدي يذكرنا بشكري عياد ومحمد مندور، وما يصدق على المؤسسة يصدق أيضا على المنابر الصحفية المهمة كأخبار الأدب التي انحسرت في بضعة أسماء هم في الغالب أصدقاء، كما أنها تفتقر إلى المهنية سواء في الأداء الصحفي أو النقدي، ومصابة بعجز فادح عن متابعة الأجيال الجديدة.