هوامش
سوريا على أبواب الحرب الأهلية
تاريخ النشر : السبت ٣٠ يونيو ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
كل الوقائع اليومية على الأرض تشير إلى أن سوريا تنزلق نحو حرب أهلية، حيث إن الصدامات المسلحة بين الجيش السوري والجماعات المسلحة من مختلف الأفرع السياسية والعقدية تتسع وتأخذ منحى تصاعديا من حيث النوع حيث يدخل في هذه الصدامات مختلف أنواع الأسلحة، ومن حيث الكيف أيضا إذ باتت هذه الصدامات تتحول إلى أحداث يومية في مختلف المناطق السورية بما في ذلك العاصمة دمشق إلى جانب المدن السورية الكبرى كحمص وحلب واللاذقية، كل هذه المؤشرات إذا ما تواصلت في التصاعد والتعاظم فإن المحصلة النهائية لها ستكون تدميرا شاسعا لمستقبل الوطن السوري برمته، فإذا ما وقعت الحرب الأهلية في بلد يتسم بالتعددية الدينية والمذهبية العرقية فإنها ستأكل أخضره ويابسه، ولن يخرج فريق منتصر بل الجميع سيخرج مطأطئ الرأس مهزوما.
ما يحدث في سوريا الآن أكبر من أن نحصره في صراع سياسي تحول إلى صراع مسلح بين جزء من أبناء الشعب السوري يطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية ونظام سياسي هيمن على الحياة السياسية على مدى أكثر من عدة عقود لم يعترف خلالها، إلا شكليا بالقوى السياسية الأخرى الممثلة لقطاعات واسعة من أبناء الشعب السوري، ففي جميع دول العالم هناك خلافات سياسية بين أنظمة الحكم والقوى السياسية الممثلة لشرائح مختلفة من الشعب، ويجب أن تدار هذه الخلافات بعقلية المصلحة الوطنية العامة بعيدا عن عقلية الاستحواذ والتسلط التي تقود إلى صدامات من شأنها أن تحرق الوطن وتهدم سقفه فوق رؤوس الجميع.
الذي يحدث في سوريا الآن هو من حيث الظاهر صراع بين نظام الحكم وجزء من قوى المعارضة، لكنه من حيث الجوهر هو صراع مصالح إقليمي دولي متداخل الأطراف، وهو في نهايته لن يقود مهما كانت نتائجه، سواء تمكن النظام من دحر خصومه أو نجحت القوى المعارضة في الإطاحة به، إلى بناء سوريا ديمقراطية متعددة سياسيا وعرقيا ودينيا ومذهبيا، بل على العكس من ذلك فإن هذا الصراع سيقذف بالوطن السوري إلى أتون الدمار الشامل على خطى شقيقته ليبيا ومن قبلهما العراق.
فالقوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الصراع السوري لن تنقذ الشعب السوري من المحرقة التي تشعلها أيادي أبنائه في الوقت الحاضر، فهذه القوى لا تهمها سوى مصالحها الخاصة التي يمكن لها أن تؤمنها من خلال تحويل بعض الدول إلى بؤر من عدم الاستقرار والصراعات الداخلية، فالعراق على سبيل المثال الذي أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الإقليميون والدوليون جحافل جيوشها لتنفيذ جريمة غزو فريدة من نوعها في الزمن الحديث، هو الآن ينزف على مدى أكثر من تسعة أعوام متواصلة ولم يفلح في بناء الدولة الديمقراطية المستقرة، كما روج إلى ذلك الغزاة من وراء الأطلسي.
فالقوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية هي التي عملت على تدمير العراق وتحويله إلى بؤرة من الصراع الدموي، وحولته إلى مأوى للعديد من الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيمات متطرفة اتخذت من شعار «مقاومة» الغزاة مدخلا لإشعال الفتنة الطائفية بين أبنائه، وهذه القوى نفسها ـ بغض النظر عن زيادة أو نقصان عددها ـ تعمل الآن على الدفع بسوريا إلى النفق نفسه الذي أدخلت فيه العراق، وبالتالي كان يفترض من القوى السياسية المختلفة في سوريا، أن تستفيد من أخطاء القوى السياسية العراقية التي انجرت وراء الإغراءات الأمريكية، وتمتنع عن المشاركة في تدمير وطنها تحت حجة «إسقاط النظام»، إلا إذا كان الوطن رخيصا، فهذا موقف آخر.
فالعراق بإمكانياته المادية الهائلة المتمثلة في الثروة النفطية، يعد حتى الآن من الدول التي تفتقر إلى أبسط الخدمات، وهو وعاجز عن توفير الضرورية منها لجميع السكان، مثل الخدمات الصحية والكهرباء، خلاف نعمة الأمن التي لا تقدر بثمن، فكيف الحال بالنسبة إلى سوريا التي لا تتوافر لديها الإمكانيات المادية لإعادة بناء ما يدمره الصراع الدائر الآن وخاصة إذا ما تطورت الأمور إلى الأسوأ وانزلقت البلاد نحو الحرب الأهلية، وهي نتيجة غير مستبعدة في ظل التطورات الحاصلة على الأرض؟
فليس من مصلحة الشعب السوري أن تأخذ الأمور في بلاده منحى الحرب الأهلية، وبعيدا عن الموقف السياسي من نظام الرئيس بشار الأسد أو من معارضيه، فإن الوطن السوري برمته سيكون الضحية الأولى لهذا الصراع العبثي الذي تغذيه قوى إقليمية ودولية، فلا يمكن المطالبة بالإصلاح السياسي في موازاة تدمير مستقبل وطن برمته، فالنتائج المترتبة على استمرار الصراع العنفي على وتيرته الحاصلة الآن في سوريا، ستكون وخيمة على الشعب السوري بالدرجة الأولى، إلا أن هناك حقيقة يجب على القوى الداعمة والمؤيدة لاستمرار الصراع المسلح في سوريا أن تعيها جيدا، وهي أن تداعيات هذا الصراع السياسية والأمنية لن تتقوقع في المحيط الجغرافي السوري فقط.