الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥١٨ - الأحد ١ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١١ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

عالم يتغير


حتى لا نتوهم أن توصيات بسيوني هي دستور البحرين





} هناك شيء مُقلق في علاقة مؤسسات الدولة والجهات الرسمية بتقرير (بسيوني) وتوصيات لجنته في ظل المرحلة الحساسة التي تمر بها البحرين اليوم. التقرير عالج فترة الأحداث الواقعة بين شهري فبراير ومارس ٢٠١١ تحديدا، مما يجعل منه تقريرا ماضويا قياسا إلى المتغيرات، والتوصيات جاءت في لحظة زمنية كانت الضغوط الدولية، وضغوط المنظمات المسيّسة تدفع في اتجاه (تدويل الأزمة) باعتبار ما حدث جزءا مما تمت تسميته الربيع العربي من دون وجود ما يُسند موضوعية التفكير في ذلك التدويل على أرض الواقع، لذلك جاءت اللجنة بطلب من جلالة الملك، وكان المطلوب دوليا (أن توضع الأخطاء كلها على كاهل النظام السياسي حتى يكتسب التقرير مصداقية بالنسبة إليه) وهذا ما حدث، ولذلك فإن التقرير أغفل تحميل المتمردين وأصحاب الحراك الطائفي الذين يُسمون أنفسهم المعارضة، أي مسئولية يتحملون أعباءها، على الرغم من وضوح ما ارتكبوه من أخطاء وجنايات بل جرائم في حق المكونات الأخرى والجالية الآسيوية، وفي حق مؤسسات الدولة كالصحة والتعليم والجامعة والمساجد على الرغم من تضمينها في التقرير وتغافل أخرى، بل ظهر التقرير في خلاصته وتوصياته بتوصيات، لو تم التدقيق فيها لاتضح انها كانت جائرة، وخاصة أن الإلزام بتصحيح الخطأ وتحمل المسئولية والتعويض والدفع إلى التهاون في تطبيق القانون وغيره وقع على الدولة أو نظامها الرسمي وحدهما.

} هذا الخلل في التقرير والتوصيات كتبنا عنه سابقا، ونعيده اليوم بشكل أكثر وضوحا، فعلى الرغم من احترامنا لمن وضع التقرير والتوصيات فانهما وبعد مرور ما يقارب العام ونصف العام الآن، وانكشاف الحقائق والوقائع نرى التقرير والتوصيات (إطارا جامدا) اليوم في سياق حركة الأحداث المتسارعة والمتغيرة في البحرين. بمعنى أن الدولة قطعت شوطا كبيرا في تصحيح أوضاعها قياسا إلى التوصيات وتنفيذها، فيما المعارضة ومن سمت نفسها بذلك استمرت في سلوكاتها وخطاب التأزيم والطائفية، حتى وصلنا إلى حالة (اسحقوه) وما ترتب عليها من تصاعد في العنف والإرهاب، متزامنا مع بقاء «الوفاق» وأتباعها ومشتقاتها غير المرخصة، على إذكاء روح التأزيم والاستمرار فيه، بل المزايدة على تنفيذ الدولة للتوصيات، بإظهار نفسها بمظهر البراءة كبراءة الذئب من دم يوسف، فيما هي تعرف جيدا أن التخفيفات في الأحكام القانونية، هي بسبب ضغوط دول كبرى معروفة، منحازة إلى حراكها، ذلك الحراك الذي بدوره يصب في مشروعها الاستراتيجي، وليس بسبب براءة أشخاصه مما تم نسبه إليهم من تهم.

} المقلق وعلى الرغم من المتغيرات وعلى الرغم من وضوح الصورة بما يتعلق بحراك فبراير ٢٠١١ للعالم كله بأنه حراك طائفي، وأنه اليوم يستند إلى تصعيد في العنف والإرهاب، فان الجهات الرسمية المعنية تتعامل مع توصيات بسيوني المنبثقة عن تقرير لأحداث في زمن محدد، كأنها نص مقدس لا صلة له باستمرارية الأخطاء في جانب الانقلابيين وتشبثهم بأجندتهم التي جاءت بالأزمة، وخاصة قيادات الجمعيات غير المرخصة المطالبة بشراسة حتى اللحظة بإسقاط النظام والترحيل والسحق والتشويه بل محاولة التدويل الخ...

} الذي يقلق أكثر أن التوصيات في ظل استمرار الانقلابيين على نهجهم بل الوصول إلى ساحة الإرهاب بمعناه القانوني الدولي، تتصرف الجهات الرسمية كأن تلك التوصيات قد تحولت إلى (دستور جديد) للبحرين وأصبحت نبراسا لكل مجالات الحياة البحرينية والمؤسسات الرسمية، بدءا من المؤسسات السياسية والإعلامية وصولا إلى القانونية والقضائية والحقوقية، وعلى أساس تلك التوصيات والالتزام الرسمي الكامل بها، أو لكي تبين الدولة ربما مدى التزامها بها هي تبني اليوم كل سياساتها وتوجهاتها المختلفة على أساس تقرير «بسيوني»، بل هي تخفف من الأحكام القضائية بسبب مفاهيمه ومصطلحاته، مما يعني إضرارا فادحا بالقانون البحريني، كما تلتزم بإعادة المفصولين، من دون أخذ التعهدات الملزمة منهم بعدم العودة إلى ما أدى إلى فصلهم، بل تتم ممارسة الضغوط حتى على القطاع الخاص للالتزام بترك الحبل على الغارب لهم، على الرغم من أن الوقائع خلال الفترة الماضية، أثبتت أن هؤلاء لم يتعلموا الدرس، وأنهم يهيئون الساحة للقيام مستقبلا بما كانوا يقومون به أثناء أزمة فبراير ٢٠١١ وربما ما هو أكثر.

} من المفترض أن التوصيات تأخذ قيمتها الحقيقية حين تسهم حقيقة في إعادة على الأقل أهم الأمور إلى نصابها، من خلال ليس فقط التزام الدولة ومؤسساتها المعنية بمعالجة أخطائها، وإنما أيضا بالتزام جهة الانقلاب والتأزيم بمعالجة أخطائها وتحمل مسئولياتها التي أشار إلى جزء منها تقرير «بسيوني»، على الرغم من أنه لم يترك توصيات ملزمة بشأنها كما فعل مع النظام، فإن حدث أن الدولة التزمت بتنفيذ التوصيات، فيما من تُسمي نفسها المعارضة ملتزمة كما يبدو بأجندتها الكارثية السابقة، بل برعاية التصعيد في الخطاب وفي المسيرات غير القانونية، وتصعيد العنف والإرهاب، فهذا يعني أن تلك التوصيات أصبحت اليوم كالسيف المصلت على رقبة البحرين ليس في جانبها الحكومي الرسمي فقط وإنما في جانبها الشعبي، حيث تشكو الغالبية الشعبية من التخفيضات والسيولة في الأحكام القضائية، مما يشجع الانقلابيين والإرهابيين على التسبب في المزيد والمزيد من الإضرار الأمني والسياسي والاقتصادي والقانوني، وحيث حتى الإعلام البحريني أصبح مقيدا بعدم إظهار الحقائق بما يتناسب مع حجمها بسبب التوصيات، أو سوء فهم يتعلق بتلك التوصيات.

الوقائع تتغير وإصرار المؤزمين على التأزيم يتصاعد والإرهاب يبلغ مراحل خطرة، فيما التوصيات تلزم الدولة وحدها بمعالجة ما تراه من أخطاء.

وللحديث صلة.



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة