مـــا الحــــــل؟
 تاريخ النشر : الأحد ١ يوليو ٢٠١٢
بقلم: نبيل سعيد
إن آثار الجشع والفساد بدت واضحة لكل من يرغب أن يراها في البحرين، فأية رحلة في أرجاء البلاد ستبدي لنا مثلاً عدد المشاريع العقارية المتعثرة، والتي تعثرت غالبيتها بسبب الطمع والجشع والفساد والإثراء غير الشرعي، إن لم يكن الإهمال واللا مبالاة. ففي حين أن الأزمة الاقتصادية والسياسية جاءت في وقتها لتنقذ غالبية الفاسدين من المطورين، فإن السبب الرئيسي وراء تعثر غالبية هذه المشاريع وإن لم يكن استحالة إنجازها، ليست الأزمة الاقتصادية أو السياسية، وإن كان لهما دور ولو بسيط فيها ولكن الأسباب الرئيسة هي أمور بيَّتها معظم القائمين على مشاريع التطوير العقاري هذه والتي عجلت آثارها الأزمات التي حلت بنا.
ورغبة مني في اقتراح أمور ولو بسيطة لإصلاح الوضع المتدهور الذي نحن عليه الآن، وبالذات فيما يتعلق بغالبية مشاريع التطوير العقاري الذي ذهب ضحيتها المستثمر العادي، والتي استفاد منها إن لم يكن قد أصبح من ورائها مليونيرا غالبية من ادعوا التطوير والإنماء وأعلنوا الآن الفشل الذريع بعد أن كدسوا كل المبالغ التي تمكنوا منها بحيلهم في مصارف وبنوك خارج البحرين، ليتركوا المشاريع متعثرة ومعلقة وليتركوا المستثمرين والمشترين في حسراتهم بعد أن خسروا كل ما يملكون من دون مقابل.
ففي غياب وجود جهة رسمية يقع على عاتقها المراقبة والتفتيش على شركات التطوير العقاري انتشرت هذه الشركات كالأرانب في المملكة لتقوم بذلك، مشاريع غيرت خريطة البلاد وأفقها واكتسحت سوق الاستثمار بقوة. وقد مثلت هذه المشاريع للفاسدين من غالبية القائمين على الشركات أرضا خصبة لعملية الإثراء غير الشرعي السريع مستخدمين في ذلك الحيل والأدوات التي عجز إبليس عن فهمها وفكها. وحيث إن هذه الجهة الرسمية مازالت إلى يومنا هذا مبهمة، إذ لم ينط بأحد بعد عملية الرقابة أو التفتيش على هذه الشركات، استغل القائمون على الشركات الوضع ليصولوا ويجولوا ويتصرفوا وبراحة مطلقة في أموال المستثمرين والمشترين، فلا شاهد ولا رقيب.
وفي غالب الأحيان كان التلاعب في صورة خصم أرباح الجهة المطورة منذ بداية المشروع أو كما تسمى، الأرباح المحتسبة والموزعة مسبقاَ، فتجد المطور إن كان فرداً أو جهة مطورة يستفيدون منذ بداية المشروع، ويخصمون أرباحهم سلفاَ سواء قام المشروع أم لا، ناهيك عما إذا كان المشروع ناجحاَ أم لا، ومن ثم يهرِّبون الأموال إلى خارج البحرين ليتعثر المشروع ويتوقف وليتباكوا بعد ذلك على المشروع وفشله وليطالبوا الحكومة بالتدخل السريع وإنقاذهم من آثار الأزمات سواء بضخ الأموال أو بشراء المشروع الذي ما كان ليتعثر لولا جشعهم. هذا بخلاف أية ألاعيب أخرى يوظفونها لنزف الأموال والأرباح من المشروع، والأدلة كثيرة لمن أراد أن يقف على الألاعيب وهذه الأساليب الفاسدة.
فماذا إذن سبب تعثر المشاريع؟ وما سبب توقف بعضها بصورة نهائية منذ أشهر مضت؟ وما سبب عدم دفع رواتب الموظفين وتسريحهم؟ وما سبب عدم دفع أتعاب المقاولين؟ أهو سوء التخطيط؟ أهو الإهمال واللا مبالاة؟ أم إنه الفساد والجشع؟
وطبعاً فإن الحل لمجابهة هذا التعثر ومنع الفساد والنزف بسيط، يكمن في تدخل الحكومة، ليس لتضخ المال في المشاريع أو لتشتريها، ولكن لتقوم بخلق هيئة أو سلطة تنظيم ومراقبة لهذه الشركات والمشاريع. حيث يجب ألا تمنح هذه الشركات والمشاريع الرخصة إلا بعد دراسة مشاريعها من كل ناحية والتأكد من وجود دراسة جدوى معدة من قبل بيوت الخبرة العالمية، على أن يتحمل معدوها مسئولية فحواها، وألا تكون بحسب طلب المطور، وألا تكون معدة من قبل الشركة نفسها والتي قد تتفنن في عمليات النصب والتحايل والتمويه.
ويشترط أن تتسلم الهيئة الأموال المستحصلة من قبل الشركة وتودعها في حساب أمانة معلق لصالح المشروع ويشترط كذلك ألا يتم الصرف منه إلا وفقا لفواتير مصدقة ومختومة من قبل المدقق المعين للمشروع والاستشاري المستقل وأن تكون متعلقة بالمشروع وليس إلا، وبهذه الصورة تحتفظ الهيئة بحق المستثمر والمشتري بدلا من أن يترك المطور ليستنزف المشروع ليغطي نقصاَ في مشاريع أخرى أو ليحسن نسبة ربحيته أمام الملأ وليصبح المطور غنياً ويتعرقل المشروع ويعاني المشتري والمستثمر.
وبالإمكان أن يكون من ضمن صلاحيات الهيئة الجديدة أن تصدر التراخيص لأي مشاريع تطوير عقاري يفوق فيها عدد المستثمرين رقما معيناً أو الاستثمار فيها بمبلغ محدد، وذلك حماية للمستثمر والمشتري العادي، كما يكون لها الصلاحية التامة في أن تراجع وبالتالي توافق، إن رأت ذلك، على مذكرات العرض الخاصة المعنية بالمشاريع وأية إعلانات أو دعاية متعلقة بها، وأن تؤتمن على وتدير حساب الأمانة التي يحتفظ فيها على أموال المستثمرين والمشترين العاديين في كل مشروع على حدة، وتصدر التراخيص للوسطاء وتعمل كجهة رسمية يسجل من خلالها اتفاقيات البيع والإيجار المتعلقة بهذه المشاريع، وتنظم وتشرف على اتحاد الملاك في هذه المشاريع، وتعد الدراسات المتعلقة بالمشاريع أو تشرف عليها. ولكن بادئ ذي بدء ستكون باكورة أعمالها النظر في الكيفية التي تم بموجبها إهدار الأموال التي تم جنيها والتي تسببت في تعثر غالبية المشاريع، وإلا فكيف بدأت الشركات هذه المشاريع؟ وإلى أين ذهبت هذه الأموال؟
وقد تم خلق هيئات وسلطات مماثلة في فرنسا ودبي وجاءت فاعليتها عندما أرجعت هذه الهيئات أموال المستثمرين والمشترين في المشاريع المتعثرة إلى أصحابها من دون أن يضطروا الى اللجوء إلى المحاكم أو حتى إلى تعيين محام.
ويبقى الآن أن نتساءل في حالة ما إذا تم خلق هيئة هنا في البحرين، كم يا ترى ستكون نسبة المال المتبقي للمشاريع مقارنة بالأعمال التي تبقت من المشروع، علما بأن غالبية المشاريع بعيدة كل البعد عن الانتهاء. وهل ستكون هناك نسبة وتناسب بين المال المهدر وحسابات القائمين على المشاريع؟ هذا ويقول مثلنا الشعبي "لا اتبوق ولا أتخاف".
.