أفق
تحولاتُ العاملين بأجرٍ في الخليج (3-3)
تاريخ النشر : الأحد ١ يوليو ٢٠١٢
عبدالله خليفة
أقيمتْ التحولاتُ الاقتصادية الاجتماعية على استخراجِ النفط وتشغيلهِ وتغدو تحولات المجتمعات وتطورها وحياتها مرتبطة بهذا الاستخراج وتوسيعه وربطه بموادٍ أخرى، وإقامة تحولات اقتصادية عليها.
الفئاتُ العليا استفادتْ من الفوائض النفطية في اقتصاد خدمات واسع حسب حجم الفائض النفطي لكلِ دولة، وهذا شكّل فئاتٍ سياسيةً إدارية وتجارية وليست طبقاتٍ وسطى ناتجةً من الصناعة، ومن هنا فهي تتابعُ توظيفاتها ومنافعها القريبة ولكن ليس التطور المستقبلي التاريخي فتتجاوز اقتصادَ المواد الأولية نحو (الانتاج الشامل) كما تفعل الصين والهند اللتان تستوردان بعضاً من تلك المواد الخام والمصنعة.
أما العمال في المنطقة فقفزوا لملايين الأعداد من شتى القوميات والمستويات والمهن، فلم يقدروا هم كذلك أن يشكلوا قوةً نهضوية اجتماعية سياسية منبثقة من هذا التطور.
التسريبات من الاقتصاديات الخليجية تتم عبر القمة والقاعدة، في القمة تتحول المليارات إلى محافظ الغرب النقدية وفي القاعدة يرسل ملايين العمال الأجانب بعضاً من مدخراتهم، ولهذا فإن الطبقتين المنتجتين الرأسمالية الوطنية والعمال لا يكونان قواعد التطور الاقتصادي الصناعي العلمي للاستقلال ولا التصنيع الخليجي الشامل.
رُبطت الاقتصاديات والسكان كلها بتلك المواد وخاصة المادة النفطية المركزية وحراكها في السوق العالمية ولهذا فإن كافة المفردات الاقتصادية الأخرى كالأسعار والأجور والأرباح والبطالة سوف ترتبط بهذا.
العاملون في المؤسسات العامة ذوو أجور مختلفة مرتفعة نسبياً عن اقرانهم العاملين في القطاعات الخاصة، فتجري في القطاعات الخاصة قوانين الرأسمالية، هنا تقسو القوانين الاقتصادية حسب السوق، وتتخفف بمدى صلات المؤسسات الخاصة بقوى النفط ومشتقاته وإستفادتها منها. المؤسسات التي تدخل في علاقات مع الفيض النفطي الحكومي تزدهر، فيما تعيش الأغلبية من المؤسسات الخاصة على بيع السلع والخدمات للعاملين.
في دولة كبيرة تصل نسبة العاملين الأجانب 65% ويصعب وجود العمل لأغلبية الشباب المواطنين الذين يعرضون قوى عملهم ولا يجدونها في مؤسسات الدولة ، فيما هم لا يقدرون على تطوير قدراتهم العملية الانتاجية أو الحصول على رساميل صغيرة لبدء مشروعاتهم.
أغلبيةُ العمال الأجانب يعيشون بأجور متدنية وهم الذين يبنون المنشآت المختلفة، وربما يعملُ في العديد من الشركات الخاصة مواطنون خليجيون ويعيشون بنفس أجور العمال الأجانب وخاصة البلدان ذات الكثافة السكانية ومحدودة الانتاج النفطي.
ضخامة الرأسماليات الحكومية الخليجية وحصولها على أغلب الموارد النفطية ومشتقاتها حددت التطورات الرأسمالية الخاصة في الخدمات المالية والعقارية والسياحية، والصناعية القليلة، فيما تعددت واختلفت الأجور العمالية بسبب عدم اتساق الهياكل الاقتصادية وتباينها وغلبة المصروفات الحكومية غير الداخلة في الانتاج.
ومستوى الفكر الاقتصادي السياسي السائد لا يتوجه سوى للمادة الخام الرئيسية وتوابعها دون القدرة على شق طريق آخر للصناعات المختلفة عبر انتشار الصناعات التقنية والمهن المتطورة.
محدودية الأجور العمالية في الخليج يُضافُ إليها التآكل المستمر بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية المستوردة من الخارج حيث لا بيئات زراعية منظمة داخلية، وكذلك تصاعد الغلاء بكافة أشكاله في السلع والايجارات والسلع الاستهلاكية الغربية واليابانية التي تعتبر الخليج سوقاً أساسية لامتصاص الفوائض النفطية بطرق أخرى إضافة لأشكال أخرى من الاستغلال.
(ويشكل الاجانب بمن فيهم العمال والتنفيذيون من أصحاب الدخول المتوسطة والمرتفعة أكثر من 85 في المائة من سكان إحدى الدول الخليجية، فيما العمالة العادية تعيش بمائة دولار شهرياً). لهذا تنتشر الانتحارات بين هؤلاء العمال ويتكدسون في غرف كبيرة.
الرأسمالية تشق طريقها في الهند والصين بسبب وجود قوى إنتاج بشرية ومادية واسعة، أما في الخليج فهناك الاستهلاك الواسع وتصدير فائض رأس المال وكثير من الأجور للخارج، لكن حياة أغلبية المنتجين التي تطورت عن الماضي لم تزل في ظروف صعبة.