الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


المشكلة مع السفير الأمريكي في البحرين

تاريخ النشر : الأحد ١ يوليو ٢٠١٢

السيد زهره



بداية، لست متأكدا مما إذا كانت كلمة "مشكلة" تكفي لتوصيف ما نتحدث عنه. لكنها تفي بالغرض على أية حال.
عموما.. على امتداد الفترة الماضية، تابعنا جميعا حالة من الغضب العارم التي عبرت عناها قطاعات واسعة في المجتمع من مواقف وتصرفات السفير الأمريكي في البحرين توماس كراجيسكي فيما يتعلق بالأوضاع والتطورات على الساحة المحلية.
في الأيام القليلة الماضية بالذات، وبعد الحوار الذي اجرته الزميلة "الوطن" مع السفير، تابعنا سيلا من الكتابات للزميلات والزملاء في الصحف المحلية تندد بما قاله السفير، وبتدخله الفج في الشئون المحلية.
وتابعنا أيضا غضبا مماثلا عبرت عنه قوى سياسية ومجتمعية كثيرة من الدور الذي يلعبه السفير، تجسد مثلا في المؤتمر الصحفي الذي عقده ممثلون في البرلمان لعدة جمعيات سياسية ونواب مستقلين نددوا فيه بدور السفير ومواقفه ووجهوا انتقادات حادة إلى وزارة الخارجية لما اعتبروه تقاعسا منها في مواجهة هذا الإنهاك للسيادة والانتهاك للأعراف والاتفاقيات الدبلومسية وهذا التدخل في الشئون المحلية، ووصل الأمر الى حد دعوتهم السلطات المسئولة الى طلب ابعاد السفير عن البحرين واستبداله.
الآن.. هل نواجه فعلا مشكلة مع السفير؟.. وما هي حدود وابعاد هذه المشكلة على وجه التحديد؟
بلا تردد نقول.. نعم.. هناك مشكلة، وما هو اكبر بكثير في الحقيقة من مجرد مشكلة.
والمشكلة مع السفير يمكن تلخيص أبعادها في الجوانب التالية:
اولا: السفير في لقاءاته العامة المعلنة، وفي تصريحاته وأحاديثه، يبدو كما لو انه ليس لديه من مهمة في البحرين إلا التدخل في الشئون الداخلية وإصدار الفتاوى بشأنها، مع انه بحسب الأعراف والقواعد الدبلوماسية من المفترض الا يتدخل في شأن داخلي وان تنصب مهمته ودوره على الأمور التي تتعلق بالعلاقات الرسمية بين أمريكا والبحرين.
غير اننا نادرا جدا ما نسمع السفير يتحدث عن العلاقات الرسمية بين البلدين، ويبدو متفرغا تماما للقضايا والتطورات المحلية والتدخل بشأنها.
الحقيقة ان السفير قبل ان يأتي الى البحرين، من الواضح انه كان عازما على ان يتخذ هذا الموقف ويلعب هذا الدور. بدليل انه بعد تعيينه سفيرا في البحرين، وحين ادلى بشهادته امام الكونجرس في 21 سبتمبر من العام الماضي، تركزت شهادته في اغلبها على التطورات الداخلية في البحرين، وقال ان احد اكبر أولويات مهمته في البحرين سوف تكون ما اسماه "دعم العملية الديمقراطية والاصلاحات".
ثانيا: ان القضية كما نعرف ليست فقط ان السفير يتدخل بشكل سافر في قضايا وشئون محلية، لكنه يفعل ذلك بشكل ينحاز فيه بوضوح تام الى جانب قوى طائفية بعينها في صفوف المعارضة، ويبدو دوما متبنيا لخطابها ومتعاطفا مع مطالبها، ومبررا في بعض الاحيان لسلوكها.
على نحو ما تابعنا في الفترة الماضية، السفير يفعل هذا سواء في تصريحاته ومواقفه المعلنة، أو عبر طبيعة اللقاءات التي يعقدها.
إنه في لقاءاته يركز كما هو واضح مع القوى الطائفية المعارضة، ويكاد يتجاهل قوى المجتمع الاخرى. وهو في تصريحاته ومواقفه المعلنة يتبنى كما ذكرنا مواقف وخطاب هذه القوى الطائفية بشكل عام.
ثالثا: واخطر ما في مواقف وتصرفات السفير ليس فقط انها تنطوي على هذا التدخل السافر في شئون محلية، وليس فقط انها منحازة، وانما أيضا انها من دون شك تلعب دورا في غاية الخطورة.
ببساطة، مواقف وتصرفات السفير على هذا النحو تشجع صراحة على التطرف الطائفي، بل تشجع على استمرار أعمال العنف والإرهاب التي تشهدها البحرين.
بالطبع، السفير في تصريحاته يدين احيانا العنف والتطرف ولا يمكن ان نقول انه يشجع عليها صراحة. لكن مجرد ان يبدي مبعوث امريكا القوة العظمى التفهم والتعاطف لمطالب القوى الطائفية ولما تفعله، هذا بداهة في حد ذاته من اكبر العوامل التي تشجع صراحة على التطرف الطائفي وعلى العنف والارهاب.
ان يصر السفير مثلا على ضرورة ان تتحاور الدولة مع المعارضة حتى في ظل العنف الذي تمارسه، هو موقف ينطوي في جوهره على تحريض مباشر على العنف والتطرف.
رابعا: ان السفير حين يفعل هذا ويمارس هذا الدور، وبغض النظر عن المواقف الرسمية للإدارة الامريكية، فإنه يترجم قناعات شخصية من الواضح انها مترسخة لديه.
نعني انه من الواضح ان السفير شخصيا لديه قناعات محددة فيما يتعلق بالقضايا الطائفية في المنطقة كلها وليس في البحرين وحدها، ولديه موقف مسبق منها.
هو مثلا في حديثه الأخير يعتبر ان السنة في العراق لا يعانون من أي تهميش اطلاقا لأنهم اقلية في تقديره. وليس لهذا من معنى سوى ان السفير راض تمام الرضى عن الحكم الطائفي البغيض في العراق بكل ممارساته العنصرية الطائفية، وراض عما حل بسنة العراق من تنكيل وإقصاء يعرف الكل أبعاده.
وبالقياس على هذا، نستشف ان السفير على المستوى الشخصي متعاطف على الاقل مع اجندة القوى السياسية الشيعية الطائفية في البحرين.
وما معنى ان يصر السفير في كل أحاديثه على ان إيران لا تتدخل اطلاقا لا في البحرين ولا في أي من دول الخليج؟.. معناه في أي قراءة سياسية ان السفير شخصيا يكن قدرا من التعاطف مع المشروع الطائفي في الخليج كله.
خامسا: بالإضافة الى ما سبق، وعلى المستوى الشخصي أيضا، يبدو والله اعلم ان السفير يستمتع جدا بالانتقادات التي توجه إليه في البحرين. يبدو انه يستمتع بالصورة العامة التي يرسمها له المنتقدون من انه يتدخل في الشئون الداخلية للبحرين، ومن انه يتجاهل الأعراف الدبلوماسية، ومن انه يلعب دورا محوريا في التطورات الداخلية حتى لو كان دورا سلبيا.
يبدو ان السفير يستمتع شخصيا بهذا لاعتبارات عنصرية واستعمارية واستعلائية.
وبالطبع، الذي يزيد من استمتاعه هو ان الدولة لا تقترب منه ولا تفعل شيئا إزاء تدخلاته السافرة وإزاء دوره السلبي.
هذه إذن وباختصار أهم أبعاد المشكلة التي نواجهها مع السفير الأمريكي في البحرين.
ومع كل هذا، اقول ان القضية في جوهرها اكبر بكثير من السفير ودوره ومواقفه الشخصية.
وهذا حديث آخر بإذن الله.