الجريدة اليومية الأولى في البحرين


راصد


مسجد الرحمة

تاريخ النشر : الأحد ١ يوليو ٢٠١٢

جمال زويد



قبل حوالي ثلاثة أشهر أطلعني أحد الأصدقاء على تسجيل لفيلم عن بناء عمارة في الصين مكوّنة من (15) طبقا خلال (90) ساعة، لاحظوا (90) ساعة فقط!! كان الغرض من إطلاعي على هذا التسجيل هو أن هذا الأخ الكريم كان يريد مقارنة بناء العمارة الصينية بعملية صيانة أو (صباغة) مسجد الرحمة بمدينة المحرق الذي بدأ العمل فيه منذ الشهر الأول من العام الحالي 2012م ولم تنته، يقصد آنذاك، أي قبل حوالي ثلاثة أشهر من الآن!
ارتأيت آنذاك - قبل حوالي ثلاثة أشهر - ألا أكتب حول هذا التأخير غير المبرّر الذي كان صديقي يقصده، وذلك لعدّة اعتبارات: أولها: أن هذا التأخير عادي، كما هو حال كثير من مشروعاتنا، صغيرها وكبيرها، تبدأ بسلسلة من الوعود والتصريحات حتى إذا تقرر لبعضها الإفراج من سجن الأوراق وزنازين الأحبار؛ تبقى عملية تنفيذها على الأرض مفتوحة الآجال والآماد، لا حسيب ولا رقيب يرصد لها التزامها الزماني فضلاً عن المالي. وثاني تلك الاعتبارات أن إحدى الجهات المسؤولة عن المساجد صارت تتحسّس من انتقاداتي، وخاصة المتعلقة بتعاملها مع الخطباء والأئمة والمؤذنين بالإضافة إلى طريقة تطبيقها أو إلزامها بإغلاق ميكرفونات المساجد، وذلك في (السالفة) التي صارت معروفة عندنا بحسب المثل الشعبي (أبوي ما يقدر إلاّ على أمي). بل إنه في بعض المرّات تم انتداب أو الاستعانة بمن يرد على بعض انتقاداتي نيابة عن تلك الجهة بردود غير لائقة، مليئة بالشتم والسباب، يتم التنفيس فيها عن مكنونات أمراض وعقد نفسية ليس لها علاقة بموضوع النقد ذاته! لكل تلك الاعتبارات آثرت آنذاك، أي قبل حوالي ثلاثة أشهر من الآن عدم الكتابة عن سبب تأخر الانتهاء من صيانة (صباغة) مسجد الرحمة بالمحرق.
غير أنه قبل بضعة أيام تذكرت صديقي حينما فوجئت بعرض تلفزيون البحرين شكوى المصلين بهذا المسجد من أن هذه الصيانة الموعودين بها لم تنجز بالرغم من مضي كل هذا الوقت على البدء فيها، وأن هنالك إهمالا أو تراخيا أو سوء أداء أو (...) بحيث لا يُتصوّر منطقيا وعقلياً أن هذه العملية البسيطة تستغرق كل هذه الأشهر بينما يُفترض، في الوضع الطبيعي أن فترتها الزمنية لا تتجاوز عدّاد الأسابيع وخاصة أن الصينيين صاروا يبنون عمارة مكونة من (15) دوراً وفق عدّاد الساعات، (90) ساعة فقط!!
لم تنته الحكاية عند هذا الحد؛ فبعد أن عرض التلفزيون حجم المشكلة تحرّكت الجهة المسؤولة على عادة مثلها من الجهات التي لا تنتبه إلى القصور والإهمال والتأخير إلاّ بعد أن تتقاذف المشكلة وسائل الإعلام، فتبذل كل جهدها لا لتحلّ المشكلة وتصححها فحسب وإنما لتبدأ ما يشبه حملة علاقات عامة، تدبلج وترقع لتظهر أن الأمر (عال العال) و(كل شي تمام).
يقول البعض - والعهدة على الراوي - أنه بعد العرض التلفزيوني تم استبدال المقاول بآخر ارتأى أن الأعمال (الصيانية) السابقة لم تكن على ما يُرام، وأن الأصباغ التي استعملت ينبغي تغييرها وأن وأن... إلخ مما يحتاج اليه العمل للبدء من جديد وليس المواصلة على ما تم. تفاصيل كثيرة - ويمكن غريبة - حول هذا الموضوع، لكن ما ينبغي الالتفات إليه أن أعمال الصيانة هذه إذا كانت تجري من خلال أموال وقفية فإنه يجب عدم السماح أو التهاون في ضياع أو هدْر ولو فلس واحد منها، فللأوقاف أحكام شرعية وأعراف أخلاقية بالغة الصرامة في ضرورة المحافظة عليها. أن يـتأخر المقاول أو أن يهمل في عمله أو يغشّ فيه ثم يُترك هكذا ويُستبدل بغيره ليبدأ من جديد، دونما تحقيق ومساءلة واسترداد أموال ليست من المال العام فحسب وإنما قد تكون من أموال وقفية! هذه مسألة تحتاج إلى إعادة نظر.
بعض المرافق في وطننا العزيز تستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك، كلّ على طريقتها، فالفنادق - مثلاً - تقوم بإضافة خيام كبيرة تشبه المبنى الجديد، تزودها بالأثاث وتمدّها بالكهرباء وتوفر لها المكيفات المناسبة وتجعل منها محلاّ فاخراً لاستقبال من يرتاد هذه الخيام في الشهر الكريم. وقد لا يستغرق إنجاز كل ذلك بالنسبة الى تلك الفنادق سوى بضعة أيام فقط بينما مساجدنا أولى بهذا الاستعداد، فهي صاحبة هذا الموسم ورائدته. ولذلك نأمل أن تشحذ الجهة المسؤولة عن مساجدنا همّتها وتكثف متابعتها لتهيئة المساجد وتجهيزها وتجديدها وتوفير كل مستلزماتها من مكيفات وسجاد وأعمال صيانة وصباغة بسيطة، فلا يزال في الوقت متسع قبل رمضان، وخاصة مسجد الرحمة الذي يضع المصلّون أياديهم على قلوبهم هذه الأيام خوفاً من أن مسجدهم لن يجهز لرمضان، وهم الذين اعتادوا أن يكون مركزاً يشع بالعطاء وببرامج دروس ومقرئين لصلوات التراويح والقيام والاعتكاف، يرتاده الناس ليس من المحرق فحسب وإنما من مختلف مناطق البحرين، وكان يُفترض أن تعطيه الجهة المسؤولة شيئاً من الاهتمام والمتابعة قبل أن تُعرض حالته في التلفزيون..
سانحة:
للأسف الشديد؛ في ظل غياب قانون للأوقاف، وفي ظل غياب قانون للخطباء والأئمة والمؤذنين، وفي ظل غياب تحديد واضح للصلاحيات والاختصاصات واختلاطها وتداخلها وتكرارها بين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومجلس إدارة الأوقاف وإدارة الشؤون الإسلامية وإدارة الأوقاف؛ في ظل قيام الكل بأعمال الكل؛ ارتأيت أن أشير في موضوعي إلى الجهة المسؤولة عن المساجد لأني لا أعرف أياّ من تلك الجهات هي المسؤولة!