سينماتك
من ذاكرة السينما.. "دم الغزال" وشاعرية الشخصيات..!! (2-2)
تاريخ النشر : الاثنين ٢ يوليو ٢٠١٢
حسن الحداد
شخصيات فيلم (دم الغزال) الثانوية كثيرة، ملء بها وحيد حامد الفيلم، وهي شخصيات أغنت السيناريو وأعطته مذاقاً خاصاً.. جميعها بالتأكيد تدعم مصداقية الشخصيات الرئيسية الثلاث وتزيد من تألقها.. حنان (منى عبدالغني)، ريشه الطبال (محمود عبدالغني)، وعاطف البلطجي (عمرو واكد).
عاطف البلطجي (عمرو واكد) يسيطر على أفراد الحي ويتحكم بمصائرهم بإجرامه وجبروته.. شخصية تعد نتاجاً طبيعياً لحالة الفوضى والعشوائية التي يعيشها أفراد الحي الشعبي الفقير.. نراه يجبر زوج حنان على تطليقها في السجن، حتى يتسنى له التقرب منها. عمرو واكد في هذا الدور يؤكد قدراته ورشاقته في تجسيد البلطجة والدهاء والوحشية.
ريشة الطبال (محمود عبدالغني)، يقدم دور الطبال الذي يعشق حنان حتى بعد زواجها.. وتكشف لنا هذا نظراته المليئة بالرغبة والشبق.. نظرات من عينين تشعان بالحب والثورة والقسوة.. نراه لنيل مبتغاه، يتجه للجماعات الإسلامية وينصب نفسه أميراً على الحي يحكم وينهي بحكم الدين، وينتقم من أعداءه وتصفية حساباته معهم باسم الدين.. دون مراعاة لأي شيء، المهم الوصول إلى ما يطمح إليه، حتى لو استدعى ذلك القتل.
وحدها حنان.. الفتاة الشفافة المغلوبة على أمرها والبريئة من كل هذه الفوضى، نراها منذ اللحظة الأولى منقادة لأقدارها ومنساقة لما يرتب لها أصدقاء والدها من تدابير لحمايتها من الطامعين فيها.. وهي شخصية محورية تدور حولها جميع الشخصيات.. وكأن وحيد حامد يمثل بهذه الشخصية الوطن نفسه.. المجتمع بكامله وما يدور به من فوضى ومعاناة.. تلك الفتاة اليتيمة التي لم تكمل تعليمها، وتقبل الزواج بمن لا تحب، بعد أن ملت نظرات العطف والشفقة المتجهة نحوها من كل صوب.. وهي عندما تخرج من الحي الشعبي إلى عالم جديد وزاهي مليء بالبهرجة والزيف المستتر، لا تعرف كيف تتعامل معه وتواجهه.. ويتجسد ذلك بشكل بليغ في مشهد خروجها من الحي وهي ممسكة بيد صديق والدها.. لتظهر معالم الحي في خلفية الكادر وتبين تفاصيل الشارع والأزقة المزدحمة والصاخبة.. نراها تلقي بنفسها في هذا العالم الجديد مثلما يلقي عاشق البحر نفسه بين الأمواج دون إدراكه لإمكانية العوم.. تتقاذفها موجات وشحنات عاطفية واجتماعية ونفسية في أعماق ليس لها نهاية.. ولكن رغم كل هذا، فهي الشخصية الوحيدة التي تمثل الجزء المشرق والإيجابي في ظل البراءة المفقودة في جميع الشخصيات المهمشة التي تعيش هذه الفوضى.. وهذا ما جعلها هدفاً للجميع.
تلك الشخصيات الرئيسية والثانوية التي عاشت أحداث الفيلم وتفاعلت معها.. والتي صاغها وحيد حامد في سيناريو محكم ومحبوك ينطوي على حوار لماح ولاذع مليء بالمعاني والإيحاءات.. هذه الشخصيات نجح المخرج محمد ياسين في التعامل معها بكاميرا حساسة وإضاءة درامية موحية وموسيقى معبرة إلى أقصى درجة من درجات التعبير الدرامي.. نجح في إدارة فريقه الفني بكامله ليعطينا معزوفة رائعة تتعامل مع المشاعر والأحاسيس أكثر منها مع العقل.. بقض النظر عن موضوع الفيلم الجريء الذي تناوله السيناريو.. الفيلم يشكل سيمفونية للشخصيات والتفاصيل الصغيرة المهمة.
محمد ياسين.. في ثالث أفلامه الروائية الطويلة (محامي خلع، عسكر في المعسكر).. يبتعد كثيراً عن الكوميديا التي قدمها فيما سبق.. ليؤكد بأنه مخرج متميز يعرف كيف يتعامل مع شخصيات وحيد حامد المليئة بالروح الاجتماعية والنفسية.. شخصيات جعلها تنبض بالواقع المعاش.. وتقدمه كواحد من أبرز مخرجي السينما المصرية الشباب..!! وتأتي جميع الجوائز التي حصل عليها الفيلم لتؤكد على تميز الفيلم عن بقية أفلام الموسم.