عالم يتغير
حتى لا تتحول توصيات بسيوني إلى مكافأة للمتطرفين والإرهابيين
تاريخ النشر : الثلاثاء ٣ يوليو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} التقرير والتوصيات المرفقة خرجا معا في إطار معالجة أحداث فبراير 2011، ولكن ماذا عن تصعيدات الطرف التأزيمي والإرهابي الذي يتصرف كأن الأزمة لم تكن من صنع يديه، وكأنه لم يكن حراكا طائفيا عنصريا ترحيليا ضد النظام والمكونات الأخرى، وكأنه لم يكن بسلوكاته الهوجاء سببا في كل ما حدث من انقسام شعبي وتطرف وتصعيد في العنف حتى دخل قبل شهور مرحلة الإرهاب الممنهج والمنظم؟
} كل الشرفاء والوطنيين في البحرين تجرعوا سم التقرير وتوصياته، واليوم هم ليسوا على استعداد لكي يتجرعوا ما هو أكبر وأخطر من ذلك، من حيث ان تبني الدولة سياستها وتوجهاتها واستراتيجيتها المستقبلية بناء على ما جاء في التوصيات، كأن لا قانون ولا دستور ولا ميثاق، وكأن التوصيات وحدها لها الحق في رسم سياسات الدولة الأمنية والقانونية والسياسية والإعلامية، فيما يتم من خلالها وعلى خلفيتها فرض التصعيد الداخلي والعنف والإرهاب، مقابل الالتزام الحرفي من جانب الدولة بالتوصيات. أي منطق هذا؟ وأين الموضوعية في ذلك؟
} التقرير كما يراه المتضررون من المكونات الأخرى، لم يكن منصفا في توزيع اللوم والخطأ والمسئولية ما بين الدولة وما بين ممارسات الحراك الطائفي التي تمت في فبراير 2011، والتي تصاعدت بعد رفع السلامة الوطنية، مثلما لم يكن منصفا تجاه المتضررين سواء من تم قتله واصابته من رجال الأمن وأهل السنة والجالية الآسيوية أو غير ذلك.
فإذا كان من بين التوصيات الزام الدولة بدفع ما يعادل (2,7 مليار دولار) كتعويض لسبع عشرة عائلة سقط فيها ضحايا أثناء الأحداث والدولة اليوم بدأت تنفيذ ذلك، فماذا عن ضحايا أهل السنة ورجال الأمن والجاليات الآسيوية ومن تم التسبب في اعاقات لهم، والمسئولية فيها تقع على تلك الجمعيات التي قادت الحراك الانقلابي الطائفي، وشحنت أتباعها بالأحقاد والكراهية؟ أليسوا ضحايا أيضا؟ أليس من قام بها مجرمين؟ أم ان ما حدث بالنسبة إلى تخفيف الأحكام للكادر الطبي، وصدق الانقلابيون والمجرمون أنفسهم بأنهم أبرياء، وان الاعلام البحريني كان كاذبا، وان عيون الناس كانت كاذبة.. فستتم معاملة ضحايا المكونات الأخرى على ذات المنوال؟
لماذا؟ لأن (بسيوني) لم يعط توصيات بذلك، أين العدل؟ لا عدل، فالسيد "بسيوني" لم يعالج أخطاء من تسمي نفسها المعارضة (عبر التوصيات) التي تلزمها، كما عالج أخطاء الدولة بها.
} من يستطيع ان يقرأ الواقع البحريني بشكل صحيح ودقيق هو فقط من يعيش هذا الواقع، ويعيش تفاصيله اليومية، وعلى مر الأيام، اما لجنة مؤقتة تأتي لكي تضع تقريرا في ظل تبعات أزمة مستفحلة، وفي ظل ضغوط دولية، وفي ظل توصيات منحازة من منظمات دولية مسيسة لأجندات خارجية، وفي ظل ابتزاز جمعيات سياسية لعملها، فمهما قالت عن نفسها انها محايدة، يصعب علينا تصديق ذلك، وخاصة ان المخرج للدولة حينها من اشكالية دفع البعض إلى التدويل (كان باظهار الدولة مخطئة وان تعالج أخطاءها)، فمن دون ذلك لم يصدق العالم لا التقرير ولا التوصيات، ولا يهم بعدها إن تم الضغط على القانون البحريني، أو على مبادئ الدستور أو على المتضررين من المكونات الاخرى أو تمت تبرئة من قام بجرائم حقيقية وتسبب في كارثة وطنية.
} اليوم نصل إلى نتيجة مؤداها ان جمود النص في تقرير "بسيوني" وعدم تناسب التوصيات مع حركية الأحداث في ظل تصعيد جهات التأزيم والإرهاب لهما، بما يجعل مراعاتها بشكل حرفي إخلالا بالوظيفة الأساسية للدولة في حفظ الأمن والاستقرار، ويجعل من الالتزام الحرفي بتلك التوصيات ورسم سياسات الدولة بناء عليها في هذه المرحلة الخطرة من تاريخ البحرين، يجعل من ذلك الالتزام سببا في تمديد مدة وآثار تبعات الأزمة، وفي بقاء الإرهاب وأسباب الازمة ممتدة إلى ما لا نهاية، وخاصة ان من تسمي نفسها المعارضة تتجاهل كل ما جاء بشأنها في التقرير، وتتجاهل مسئوليتها عن التصحيح من جانبها، وعن نقد الذات رغم ما سببته من خسائر وكوارث في البحرين وعلى مستويات مختلفة.
× المطلوب من الدولة وبشكل كبير ان تطبق قانونها من خلال دستورها ومؤسساتها القانونية وبرلمانها ومؤسساتها الدستورية، وليس من خلال الالتزام الحرفي بالتوصيات وحدها، فيما الطرف التأزيمي يتصرف كأن ليس له علاقة بما حدث.
ينبغي ان تكون قرارات الدولة في كل الجوانب بما فيها الإعلام مستمدة من نفسها اولا ومن دستورها ومن قوانينها الرادعة، وبناء على المستجدات السلبية من جانب الإرهابيين وبناء على مستوجبات هذه المرحلة الحساسة والخطرة في بناء سياسة الدولة واستراتيجيتها في المواجهة، وليس فقط بناء على "توصيات بسيوني" مع احترامنا له، لمجرد ان الدولة اضطرت إلى القبول بها في مرحلة زمنية فاصلة اختلط فيها الحق بالباطل، فتحولت تلك التوصيات اليوم إلى ما يشبه السيف المصلت عليها وعلى رقاب الشرفاء من شعبها.
أبجديات الصراع تغيرت، وآليات المعركة اختلفت.. العنف زاد والإرهاب تصاعد والتوصيات تطالب باطلاق سراح.. والتخفيف في الأحكام واعادة المفصولين والتعويض... الخ.
وليس هناك بالمقابل حتى توصية واحدة تعيد أطراف التأزيم إلى رشدهم الوطني وتحمل مسئوليتهم ودفع ثمن ما قاموا به.. أمر عجيب بالفعل، لن تخرج البحرين بسببه من تبعات الأزمة!