رسائل
حقوق العمل للاجئين الفلسطينيين في لبنان معدومة
تاريخ النشر : الثلاثاء ٣ يوليو ٢٠١٢
تعد المخيمات الفلسطينية في لبنان، بحالها وسكانها وواقعها الراهن، صفعة على جبين الانسانية. بين انعدام الخدمات من ماء وكهرباء وإمدادات الصرف الصحي، وازدحام البيوت والمباني القديمة والمترهلة، وبين بطالة الشباب الفلسطيني وضيق حال الأسر حكايات مأسوية تتوالى فصولها منذ 60 عاماً.
لا يسأل الفلسطينيون إحسانا او هبات من أحد بل جل ما يطالبون به هو تنظيم العمالة الفلسطينية في لبنان لكي يتمكن ابناؤهم من العمل والإنتاج بدلاً من كونهم مكبلين بمجموعة من القوانين البالية التي تعوق عملهم. ورغم ان الحكومة الحالية كانت قد تعهدت بتغيير واقع العمل الفلسطيني المرير هذا فإنه بعد مضي عدة اشهر من عمر الحكومة لم يتم تلمس ان هناك جدية في تطبيق الشق الفلسطيني من بيان الحكومة، وخاصة لجهة المراسيم التطبيقية المتعلقة بوزارة العمل.
فقد أقر مجلس النواب تعديلاً حول قانون العمالة الفلسطينية في عام 2010 ألا وهو تعديل يسمح للاجئ الفلسطيني بالعمل رسميا في كل القطاعات التي يسمح للأجنبي بالعمل فيها. إضافة إلى إفادته من الضمان الاجتماعي من ضمن صندوق خاص. لكن هذا التعديل ينتظر منذ عامين مراسيمه التنفيذية، وبات من المؤكد ان وزارة العمل لن تمرره.
"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:
يمكن الجزم بأن الظلم الذي يلحق بالعمال الفلسطينيين في لبنان تاريخي وتعود جذوره إلى أواسط الستينيات بعد صدور أول مرسوم لتنظيم عمل الأجانب في لبنان، وإقامتهم ودخولهم وخروجهم، حين مورست ضغوط كثيرة لوقف عمل الفلسطينيين، حيث قدرت نسبتهم بـ6 في المائة من مجموع العمال اللبنانيين، بذريعة أنهم يشكلون منافسة شديدة للبنانيين.
وفي عام 1964، اعتبرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في تفسيرها التطبيقي أن الفلسطينيين المقيمين في لبنان هم أجانب. واشترط المرسوم أن يحصل الأجنبي على إجازة عمل كي يتمكن من ممارسة عمله في لبنان، ولم يمنح هذا القانون الفلسطيني أي مكانة خاصة بسبب وضعه الناجم عن الاحتلال الصهيوني لأرضه، وعدم قدرته على العودة، وعدم وجود دولة للفلسطينيين، الأمر الذي أدى عمليا إلى عدم حصول الفلسطيني على إجازة عمل، وكان الحصول عليها يتطلب إجراءات عديدة، مثل دفع الرسوم الباهظة، فضلاً عن أن صلاحية الإجازة هي سنة واحدة، يجبر اللاجئ بعدها على تجديدها، كما أنها مشروطة بعقد عمل مع جهة محددة، فإذا تغيرت الجهة أُلغيت صلاحيتها. وكل هذه الشروط الصعبة تقيد العامل الفلسطيني وتجعله فريسة للبطالة.
دعوات إلى التغيير
تطالب اصوات فلسطينية كثيرة بتنفيذ التعديل الوارد على قانون العمل الذي يتيح للفلسطيني العمل من دون اجازة وخصوصاً انه من سكان هذا البلد. لكن الواقع المقيت عكس ذلك، فبينما يغرف العمال الاجانب الاموال ويعملون في أي عمل يرغبون ليذهبوا وينفقوا مدخراتهم في بلدانهم، يجد العامل الفلسطيني نفسه عاطلا عن العمل رغم ان اللاجئين الفلسطينيين يعدون رافدا للاقتصاد اللبناني كونهم ينفقون اموالهم داخل لبنان وليس خارجه.
إضافة إلى هذه الأمور، فإن الفلسطيني لم يستفد يوماً من الضمان الاجتماعي الذي يشمل ضمان المرض والأمومة، وضمان طوارئ العمل والأمراض المهنية، ونظام التعويضات المالية وتعويضات نهاية الخدمة، إذ ورد في قانون الضمان الاجتماعي انه لا يستفيد الأُجراء الأجانب الذين يعملون على أراضي الجمهورية اللبنانية من أحكام هذا القانون في بعض أو جميع فروع الضمان الاجتماعي. وهكذا يلزم القانون العامل الفلسطيني حكماً دفع رسوم الضمان من دون التمكن من الاستفادة من تقديماته وخدماته.
باختصار فإن المرسوم القديم والمستمر حتى الآن والمتعلق بتنظيم عمل الأجانب في لبنان وقانون الضمان الاجتماعي، أرسيا قاعدتين للفلسطينيين (وكل الأجانب) الراغبين في العمل بلبنان هما: قاعدة المعاملة بالمثل، وقاعدة الحصول المسبق على إجازة العمل، لذلك، فقد عانى العمال الفلسطينيون خلال اكثر من 64 عاماً حرمانا متواصلا وحصارا اقتصاديا واجتماعيا وقانونيا خانقا، ولم تنجح التحركات الشعبية في إيجاد حلول مناسبة تضمن لهم حق العمل بكرامة أسوة بجميع الناس.
كذلك فإن التعديلين القانونيين الأخيرين بالمادة الـ59 من قانون العمل والمادة الـ9 من قانون الضمان الاجتماعي اللذين صدرا عام 2010 ولم ينفذا لن يغيرا شيئاً لغاية اليوم في واقع العمال الفلسطينيين، إضافة إلى أن الإبقاء على شرط إجازة العمل يسهل على أصحاب العمل التهرب من توقيع عقود العمل، ويوفر مسارب للصرف الكيفي والعمل غير القانوني.
ضمن النقابات
أما في حال المهن الحرة، كالطب والمحاماة والصيدلة وغيرها، فالتشريعات اللبنانية حصرت ممارستها ضمن نقابات، لا يستطيع الفلسطيني الانتماء إليها، لاشتراطها في أنظمتها الداخلية أن يكون العضو لبنانيا منذ أكثر من عشرة أعوام، أو التزام دولة طالب ممارسة المهنة بمبدأ المعاملة بالمثل، واعتادت وزارة العمل أن تعاقب الذي يستخدم أجنبيا بعقد عمل أو إجازة صناعية من دون موافقة مسبقة أو إجازة عمل بغرامة مالية مرهقة، الأمر الذي دفع أصحاب العمل اللبنانيين إلى العزوف عن استخدام الفلسطينيين لديهم، وتسريح وطرد من كان يعمل منهم.
والمؤسف ان الكثير من حملة الشهادات من اللاجئين الفلسطينيين ممن لا يستطيعون ممارسة الطب او الهندسة او المحاماة او التعليم وان كانوا يملكون شهادات عليا، تحولوا إلى العمل في الاعمال الحرة كالدهان والنجارة وتصليح السيارات وغيرها من الاعمال الحرة التي تجد الكثير من ابناء المخيمات يعملون بها مؤقتاً لأنهم محرومون من ممارسة مهنتهم الفعلية. والحقيقة ان ما نسبته 60 في المائة من ابناء المخيمات الفلسطينية في لبنان هم الان يعملون بهذه المهن لأنه ممنوع عليهم العمل في المؤسسات اللبنانية.
مع ذلك، يعمل العامل الفلسطيني براتب اقل من العامل اللبناني حيث يتقاضى العامل اجرته يوميا من دون اي ضمان او تأمين على حوادث العمل التي قد يتعرض لها. وفي حال تعرض لإصابة ما يتنكر له صاحب العمل اذ ان القانون يغطيه تماما وتكون النهاية اعاقات ونسبتها اصبحت تفوق 30 في المائة من حوادث العمل، فعندما يتعرض العامل الفلسطيني لحادث عمل يقوم رب العمل بلملمة الموضوع بأقل كُلفة ممكنة وبعدها يترك العامل لمواجهة مصيره من دون غطاء او مساعدة تضمن لهذا العامل حقه وكرامته.
ازدهار الاقتصاد
بينت دراسة أعدتها حملة حق العمل للفلسطينيين في لبنان، أن اليد العاملة الفلسطينية قادرة على العمل ساعات طويلة ولسن أكبر، كما أنها مجبرة على القبول بأجور أقل من المقبول وعلى العمل بدون منافع، للتمكن من العيش.
وعلى خلاف قوى العمل المهاجرة الأخرى، فإن قوة العمل الفلسطينية اللاجئة في لبنان، لا تقتصر على العاملين، بل تضم أسراً بأكملها تقيم في البلاد "إقامة ذات مدى طويل"، وبناء عليه فإن نمط استهلاك اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ذو طابع شامل يستهلك سلعاً وخدمات متنوعة. وبينت الدراسة أن الغذاء والخدمات الطبية، هي بنود أساسية من مصروفات الأسر، وأن معظم اللاجئين الفلسطينيين يعملون في مؤسسات صغيرة.
وتعتبر الأعمال الصغيرة بغض النظر عن فعاليتها، من دعائم النمو الاقتصادي في لبنان وسائر اقتصادات الدول النامية، وبالإضافة إلى التزويد بقوة العمل، هنالك مؤسسات تجارية أسسها لاجئون فلسطينيون داخل المخيمات وعلى أطرافها وفي التجمعات، لديها الإمكانية على المساهمة في النمو الاقتصادي في القطاع غير الرسمي من الاقتصاد في البلاد.
إلى جانب ذلك، قدر حجم التحويلات التي يرسلها الفلسطينيون من الخارج إلى أهليهم في المخيمات الثمانية الموجودة على الأراضي اللبنانية والمشمولة بالدراسة بنحو 62 مليون دولار أمريكي في السنة، وهذا الدفق يكون إما منتظماً وإما بشكل متقطع، مصدر تلك التحويلات أوروبية ومن الخليج (49,7 في المائة من أوروبا و36 في المائة من دول الخليج)، هذه التقديرات أولية.
من جهة أخرى، أظهرت الدراسة أن نحو نصف الأسر في المخيمات الثمانية، تشير إلى وجود فرد من أفرادها خارج لبنان، وأفادت معظم الأسر وجود دعم مالي من الموجودين في الخارج بشكل منتظم وهي اموال يجرى انفاقها في لبنان وتدعم الاقتصاد.