الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢١ - الأربعاء ٤ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٤ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


بعد انتخاب "مرسي": التحول الديمقراطي في مصر.. رؤية غربية





أعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية المصرية يوم ٢٤/٦/٢٠١٢ فوز الدكتور "محمد مرسي" بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية بعد تغلبه على منافسه الفريق متقاعد "أحمد شفيق" في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية المصرية ليصبح بذلك "أول رئيس مدني للبلاد منذ أكثر من ٦٠ عامًا، وأول سياسي إسلامي في العالم العربي الحديث يصل إلى السلطة من خلال صناديق الاقتراع".. وذلك بعد حصوله على نحو ٥١,٧% من إجمالي الأصوات ليتفوق على منافسه بمقدار ٩٠٠,٠٠٠ صوت.

وبحسب ما كانت عليه الحملة الانتخابية من أجواء مشحونة مشوبة بشيء من الخوف، يكشف لنا هذا الهامش أو الفارق الضئيل الذي مكن "مرسي" من إحراز الفوز عن "مدى انقسام المجتمع المصري وكيف أن احتمال حدوث أي تغيير يتعلق بمستقبل مصر السياسي يحمل في طياته الخوف والأمل على حد سواء، فرغم أن كلا المرشحين كان لديه جحافل كبيرة من المؤيدين والأنصار، فان قطاعًا واسعًا من المصريين شعروا بحالة من عدم الرضا وبشيء من الظلم حيال ما آلت إليه العملية الانتخابية الحامية الوطيس من جولة إعادة ما بين "مرسي" القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، وبين الفريق "شفيق" الذي ينتمي إلى نظام الرئيس السابق مبارك، وهو شعور يعكس إحساسًا متزايدًا بخيبة الأمل تجاه ما آل إليه مسار الثورة منذ أن تمت الإطاحة بـ "حسني مبارك" في فبراير ٢٠١١".

وفي جميع الأحوال، فإنه رغم تضارب مشاعر المصريين حيال التجربة الانتخابية الرئاسية، فإن هذه التجربة جاءت حاملة الكثير مما يمكن أن يقال بشأن تجربة مصر الديمقراطية الوليد، التي وإن كانت تحمل بعض دلالات إيجابية فيما يخص فوز "مرسي" (أو خسارة شفيق)، فإنها في الوقت نفسه تؤكد أن مصر ستواجه عقبات تتطلب التغلب عليها حتى تستطيع المضي قدمًا في طريق الديمقراطية.

وبالنظر إلى ما تمثله التجربة المصرية من حدث فريد في بلد لم يعرف على مدار تاريخه سوى أنظمة الحكم المطلقة، ونظرًا أيضًا لما تمثله من نموذج قد يبدو غير مسبوق في المنطقة العربية، لذا كان هناك اهتمام من وسائل الإعلام الغربية بهذه التجربة، وبما تثيره من دلالات وما تقدمه من استنتاجات في محاولة لتقييمها والتعرف على مآلها في ظل التحديات التي يمكن أن تواجهها.

بشكل عام، فإنه رغم حالة التفاؤل التي أبداها العديد من المحللين الغربيين - الذين كانوا حريصين على تسليط الضوء على الأهمية الرمزية والعملية لنتائج الانتخابات الرئاسية- فإن تلك الحالة المتفائلة اعتراها وبدرجة كبيرة شكوك حيال مسار التحول الديمقراطي في مصر منذ سقوط نظام "مبارك" وما تبعه من صراع على السلطة والنفوذ بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين، وهو الصراع الذي هيمن ومازال يهيمن على الساحة السياسية المصرية.

بداية، كان هناك اهتمام من الصحافة الغربية بالتركيز فيما يمثله تنصيب الدكتور "مرسي" رئيسًا من أهمية ليس فقط بالنسبة إلى الشعب المصري، ولكن للمنطقة برمتها؛ ففي افتتاحية صحيفة الاندبندنت البريطانية يوم ٢٥/٦/٢٠١٢، ذكرت الصحيفة أنه بعد مرور ستة عقود من الحكم العسكري، انتخبت مصر بصورة ديمقراطية رئيسًا مدنيٌّا في نهاية المطاف، رغم ما سبق هذه الانتخابات من إجراءات مثل: الحل المفاجئ للبرلمان الذي يهيمن عليه الإخوان المسلمون، بالإضافة إلى السلطات الواسعة التي انتزعها المجلس العسكري من خلال الإعلان الدستوري المكمل وكذا الشائعات التي تؤكد تردي صحة الرئيس السابق "حسني مبارك"، فتلك الإجراءات والشائعات على وفق الصحيفة لا يمكن أن تنتقص من حجم الإنجاز المصري؛ حيث تعد تلك الانتخابات الحرة والنزيهة لحظة فاصلة ليست فقط للجمهورية المصرية، ولكن للربيع العربي والعالم بأسره.

ذلك الاعتراف بالأهمية الرمزية لفوز الدكتور "محمد مرسي" في الانتخابات الرئاسية، يعززه ما ذكرته الصحيفة نفسها بشأن إيجابيات تنصيبه رئيسًا، فالنتيجة بحد ذاتها استقبلت بنوع من الارتياح في ظل وجود مخاوف من وجود تهديد حقيقي بوقوع أعمال عنف في حالة إذا ما تم تغيير النتيجة المتوقعة بفوز الدكتور "مرسي" والإتيان بمنافسه رئيس الوزراء الأسبق "أحمد شفيق"، فرغم المخاوف من التوجهات الإسلامية للدكتور "مرسي"، فإن فوز شفيق - حتى ولو كان فوزًا عادلاً بكل المقاييس- قد ينظر إليه الكثيرون على أنه عودة إلى النظام القديم.

وبدورها تلفت صحيفة فاينانشيال تايمز في افتتاحيتيها يوم ٢٤/٦/٢٠١٢ ويوم ٣٠/٦/٢٠١٢ إلى إيجابية أخرى هي المتعلقة بتقبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة فوز مرشح الإخوان المسلمين ليكون الرئيس المصري الجديد، في الوقت الذي كان ينظر إلى الفريق "أحمد شفيق" على أنه الخيار المفضل للمجلس العسكري.

فبحسب الصحيفة كان المجلس العسكري ثاقب الرأي ونافذ البصيرة حين أحجم عن التدخل في النتيجة؛ لأنه سيكون من الحماقة الدخول في صراع مع الشعب عبر سحق خيار أغلبية الناخبين في الوقت الذي يعلم فيه أن "مرسي" قد فاز بفارق حاسم عن منافسه رغم أنه فارق ضئيل.

وبالإضافة إلى ذلك، تناولت صحيفة واشنطن بوست في افتتاحيتها أيضًا يوم ٢٤/٦/٢٠١٢ نتائج الانتخابات الرئاسية من حيث أهميتها التاريخية، علاوة على إبدائها كثيرًا من الحذر في ضوء السيناريوهات السلبية المحتملة التي قد تنشأ في حالة رفض المجلس العسكري الحاكم الاعتراف بـ "محمد مرسي" باعتباره الرئيس المصري الجديد.

فالصحيفة ترى أن مصر خطت خطوة أخرى باتجاه الديمقراطية وتجنب الانزلاق إلى الفوضى، فمن خلال الاعتراف بفوز مرشح الإخوان المسلمين "محمد مرسي" في انتخابات الإعادة الرئاسية، تفادى المجلس العسكري حدوث صراع داخلي واستهجان دولي كان من الممكن أن يتسبب فيهما في حالة ما إذا حاول أن يتلاعب بنتائج التصويت ليصبح لدى مصر والمرة الأولى في تاريخها رئيس منتخب بحرية ومعبر عن اختيار أغلبية الشعب المصري.

ورغم أن بعض المحللين كانوا حريصين على تأكيد الأهمية التاريخية والرمزية للانتخابات الرئاسية المصرية، فإنهم كانوا واقعيين حين اعترفوا بأن هناك مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية أوسع يجب التغلب عليها إذا كانت مصر بالفعل تريد الاستمرار في التحول الديمقراطي.. وهي نقطة نوه بها "أليستر بيتش" في مقاله بصحيفة "إندبندنت" يوم ٢٥/٦/٢٠١٢ حين وصف انتصار "مرسي" بأنه خطوة أولى نحو رئاسة من المحتمل أن تعاني المزالق وتطغى عليها المؤسسة العسكرية.

وبالنسبة للمشاكل التي ستواجه الرئيس المصري الجديد ترى الصحافة الغربية أن في مقدمتها مشكلة مواجهة سيطرة ونفوذ المجلس العسكري، وذلك بعد التدابير التي اتخذها المجلس في الفترة الأخيرة والتي أشارت إليها صحيفتا فاينانشيال تايمز يوم ٢٧/٦/٢٠١٢ وكذلك صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية يوم ٢٨/٦/٢٠١٢ باعتبارها تهدف للاستيلاء على السلطة ومنها: قانون منح الضبطية القضائية للشرطة العسكرية والمخابرات الحربية الذي يسمح لكلتيهما باعتقال المدنيين بدون إذن قضائي، فضلاً عن إنشاء مجلس دفاع وطني يسيطر عليه الجيش، وإصدار إعلان دستوري مكمل يوسع صلاحيات المجلس العسكري ويمنحه السلطة التشريعية بعد إبطال المحكمة الدستورية العليا الانتخابات التشريعية.

ولقد نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالاً لـ "ديفيد اغناثيوس" يوم ٢٤/٦/٢٠١٢ أكد فيه الحاجة إلى عودة الجيش المصري إلى ثكناته، وذلك بحجة تعثر وتخبط سياساته وقراراته خلال المرحلة الانتقالية، فالآن وبعد أن أعلنوا الرئيس الجديد، يتعين عليهم التنحي عن الطريق وفتح المجال لإجراء انتخابات مبكرة لتشكيل برلمان جديد لتولي المسؤولية التشريعية، بدلاً من ذلك الذي أبطله حكم المحكمة الدستورية.. وهو يرى أن الجيش مطالب بالانسحاب الآن والعودة إلى ممارسة دوره المعتاد (المتمثل في حماية الدولة والدستور) والسماح للمدنيين بإدارة الأمور في البلاد.

وفي مقاله بالجارديان يوم ٢٤/٦/٢٠١٢ قدم "ايان بلاك" تحليلاً قاتمًا؛ حيث يرى أن النصر الذي حققه مرشح الإخوان معيب ومشروط، فمشكلة "مرسي" أن العسكر مازالوا موجودين ويمثلون السلطة الحقيقية، ووصف الإعلان الدستوري المكمل بأنه "انقلاب ناعم" يضع سلطة غير مسبوقة بيد المجلس العسكري، وسيكون أمرًا مدهشًا إذا تخلى أعضاؤه عن نفوذهم وامتيازاتهم.

وفي سياق الحديث عن العلاقة بين المجلس العسكري والرئيس الجديد رأت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية يوم ٢٥/٦/٢٠١٢ أن المشهد المصري القادم سيقوم على الصراع بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين من دون الوصول إلى مرحلة المواجهة.. في حين رأت صحيفة "لو فيجارو" في اليوم نفسه أن الصراع بين الجانبين حاليا يأخذ بعدًا مختلفًا ويفرض واقعًا على العسكريين والإخوان التعايش معه.

وتنقل "رولا خلف" في تقريرها بالفاينانشيال تايمز يوم ٢٦/٦/٢٠١٢ عن "جون ألترمان" رئيس برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية رؤيته بأن الإخوان سيحاولون مهادنة الجيش في بعض القضايا واستعراض عضلاتهم بهدوء في قضايا أخرى، وذلك لتذكير الناس بقوتهم، ولكن ليس بصورة تثير الخوف، وهو يعتقد أنه في الوقت الذي يقرر الرئيس "مرسي" التصدي للجيش سيحتاج إلى عقد تحالفات وتوطيد العلاقات مع القوى الليبرالية واليسارية.

وفي الوقت الذي يرى "بورزو داراغاهي" في مقاله في الصحيفة نفسها يوم ٢٧/٦/٢٠١٢ أن الغموض الذي يكتنف مسألة تحديد مكان أداء الرئيس الجديد لليمين الدستورية يوضح الغموض حول سلطة الرئيس، فإن صحيفتي الجارديان والواشنطن بوست يوم ٣٠/٦/٢٠١٢ رأتا في أداء "مرسي" اليمين وسط الجماهير في ميدان التحرير أول تحد من الرئيس لجنرالات الجيش الذين يحاولون تقليص سلطاته.. حيث أبرزت الأولى تأكيده أنه "لا سلطة فوق سلطة الشعب"، في حين رأت الثانية أنه يعتزم الاستفادة من تفويض الشعب له ضد السلطة العسكرية المترسخة في الأشهر الأخيرة.

ومع ذلك حاول الرئيس "محمد مرسي" أن يبدو أكثر تعاونا وأقل ميلاً للصدام حين أشاد في احتفالية القوات المسلحة لتسليم السلطة يوم ٣٠/٦/٢٠١٢ بالمجلس العسكري وتعهد بالحفاظ على القوات المسلحة ودعمها، وأكد عودة الجيش إلى ثكناته لأداء دوره في حماية الحدود في حين تقوم المؤسسات المنتخبة بأداء دورها.

وفي مقاله بصحيفة نيويورك تايمز يوم ٢٤/٦/٢٠١٢ يرى "فهيم كريم" أن الرئيس الجديد علاوة على مواجهة تحدي الجنرالات عليه أن يواجه تحديات أخرى كالتغلب على شكوك أولئك الذين اختاروا خصمه (ما يقرب من نصف عدد الناخبين) والملايين الذين لم يصوتوا، وسيتعين عليه أيضًا إقناع المصريين بأنه يمثل أكثر من مجرد المصالح الضيقة لجماعة الإخوان المسلمين.

وفيما يخص النقطة الأخيرة تحديدًا يشير محللون غربيون إلى أن عددًا كبيرًا من المصريين يشعرون بالقلق من هيمنة الإخوان المسلمين على الساحة السياسية؛ إذ مما لا شك فيه أن أفعال وممارسات الجماعة في فترة ما بعد مبارك قد أضعفت من الضمانات السابقة التي تؤكد أن الجماعة لن تتطلع إلى السيطرة على الساحة السياسية، مما أدى إلى إثارة المخاوف والشكوك بين أوساط الليبراليين والعلمانيين، وكذلك الطائفة المسيحية القبطية إزاء النيات الحقيقية للإخوان، وكما أشارت "فريدا جيتيس" في مقال لها نُشر على موقع سي.إن.إن يوم ٢٥/٦/٢٠١٢، فإنه منذ الإطاحة بـ "حسني مبارك"، والتحرر فيما بعد من القيود التي استخدمت لتقييد حركتها وقدراتها السياسية، كشفت الجماعة عن عادة أثارت لها المشاكل وهي النكث بوعودها، وتذكر "جيتيس" بعدد من الوعود والتعهدات منها: وعد الجماعة بأن تنافس فقط على ثلث المقاعد في المجلس التشريعي، وأنها لن تسعى للفوز بأغلبية المقاعد، إلا انها لم تفِ بهذا الوعد.. أيضًا وعدت الجماعة من خلال مرسي نفسه، بأنها لن تخوض الانتخابات الرئاسية... وأنها لا تسعى إلى السلطة ومع ذلك لم تفِ بهذا الوعد، علاوة على وعدها بإدارة عملية شفافة لوضع الدستور المصري الجديد، الذي لم تفِ به كذلك.

وبسبب نكوص الإخوان عن وعودهم ترى "جيتيس" أن حزب الحرية والعدالة فقد نصف الدعم الشعبي له في غضون أشهر قليلة؛ حيث تدهورت علاقة الملايين من المصريين بالجماعة بعد أن عاينوا مدى صدق قراراتها منذ أن خرجت من وراء الظلال، خالقة لنفسها أزمة مصداقية بين المصريين.

ومن منطلق ذلك لا ترى صحيفة نيويورك تايمز يوم ٣٠/٦/٢٠١٢ في فوز الدكتور "محمد مرسي" بمنصب الرئاسة نصرًا لجماعة الإخوان؛ حيث تؤكد أن انتخابه ديمقراطيٌّا سيجعله عُرضة للمساءلة الشعبية في وقت تواجه مصر العديد من المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في الوقت الحالي.

ورغم الصورة القاتمة التي رسمها بعض المحللين الغربيين، فإن البعض الآخر حاول إظهار شيء من الإيجابية فيما يخص عملية التحول الديمقراطي بمصر، ففي مقاله المنشور على موقع الجزيرة في ٢٤/٦/٢٠١٢ قام "مارك ليفني" بتسليط الضوء على سيناريو أكثر إيجابية قد ينشأ نتيجة الشعور بالسخط المتزايد حيال المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، وهذا السيناريو سينتج عن تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي لاتزال تزعزع استقرار مصر، فضلاً عن اتهام الجانبين بالتخلف عن روح الثورة.

ويرى "ليفني" أن كلا من المجلس العسكري والإخوان المسلمين قد فقدا الكثير من شرعيتيهما، مما تسبب في إحباط الشعب المصري الذي هو في أمس الحاجة إلى إحراز تقدم ملموس نحو الديمقراطية والتنمية الاقتصادية، وأنه إذا لم تسر الظروف على ما يرام بشكل سريع، فإن كل اللوم سوف يقع على عاتق كل من المجلس العسكري والجماعة.. والأداء غير الكفء لكليهما - بحسبه - يوفر الفرصة للقوى الثورية المصرية لوضع الأساس لحركة معارضة قوية من شأنها أن تسعى للفوز بالسلطة في الفترة المقبلة عندما يتوجه المصريون إلى صناديق الاقتراع؛ وذلك يعد أفضل ما تأمله أي حركة ثورية في أقل من عامين في ظل صراع سوف يستغرق عشرات السنين من أجل تحديد المصير.

وفي مقال نُشر بصحيفة التايمز يوم ٢٥/٦/٢٠١٢ طرح "أحمد الطاهري" جدالاً مشابهًا لـ "ليفني"، وان كان ذلك بطريقة أكثر انتقادية؛ حيث يقوم "الطاهري" بتسليط الضوء على الإيجابيات التي يمكن استخلاصها من إخفاقات المجلس العسكري والإخوان المسلمين والتي لم يلاحظها الشعب المصري؛ حيث أشار إلى إمكانية استغلال ذلك بالفعل من جانب الجماهير العريضة التي لاتزال تملك مفتاح مستقبل مصر الديمقراطي وترغب في إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعانيها مصر منذ فترات طويلة.

ويشير "طاهري" إلى أنه على مدار ٦٠ عامًا سيطر التوأم الملتصق (الجيش والإخوان) على مصر.. وفي بعض الأحيان، يتحارب هذا التوأم وقد يصيب كلاهما الآخر، ولكنهما كانا ينتهيان إلى العمل معًا من أجل سحق الطموحات الديمقراطية.. ومن خلال رفض تأييد أي منهما، أوضحت الأغلبية حجمها وقوتها، ولا يمكن لأي حكومة مستقبلية أن تتجاهل تلك الحقيقة.

وعندما يتطرق الكُتاب والمحللون إلى حاجة "محمد مرسي" لبناء المزيد من الثقة عند هؤلاء الذين تنتابهم الشكوك في جماعة الإخوان المسلمين، والإسلام السياسي بشكل عام، فإنهم يدمجون بعض الأطراف الفاعلة عبر المنطقة والمجتمع الدولي في هذا الإطار التحليلي.. وفي الواقع، يحاول المحللون تقييم التداعيات الاستراتيجية لانتخاب "مرسي". فعلى سبيل المثال، يذكر "ريتشارد سبنسر" في مقال له منشور بصحيفة "تليجراف" يوم ٢٤/٦/٢٠١٢ أنه سيتعين على "مرسي" أن "يقدم دليلاً لدول الغرب، بما فيها الولايات المتحدة، على ما يدعيه الإسلاميون منذ فترة طويلة بأن سلطتهم السياسية لا تشكل أي تهديد لحقوق الإنسان في الداخل أو على السلام والاستقرار في الخارج".

وعاد سبنسر في مقال آخر بالصحيفة يوم ٢٦/٦/٢٠١٢ ليسلط الضوء على رد الفعل الإسرائيلي حيال فوز الدكتور "مرسي" فأشار إلى تصريحات رئيس الوزراء "نتنياهو" التي حاول فيها التهوين من المخاوف من حدوث صدام مع مصر (رغم القلق من الإخوان) وتطلعه للتعاون مع "مرسي"، فبدا بذلك أكثر تفاؤلاً من وزراء سابقين مثل "بنيامين بن إليعازر" الذي دعا إلى التأهب للحرب.

ولقد خصص "أيان بلاك"، محرر أخبار الشرق الأوسط بصحيفة الجارديان، مقالاً كاملاً يوم ٢٥/٦/٢٠١٢ ناقش فيه ردود الفعل تجاه انتصار "مرسي" من قبل الفاعلين الرئيسيين حول العالم، إلى جانب الاهتمام الشديد بالتطورات الداخلية المصرية، فأوضح كيف أن فوز "محمد مرسي" في الانتخابات الرئاسية تسبب في إيجاد مشاعر متضاربة، ورسائل من إسرائيل وإيران، ففي الوقت الذي يرى أن الإسلاميين في كل مكان كانوا سعداء بالإنجاز التاريخي للإخوان المسلمين، فإن النظم الملكية المحافظة التي تأمل في أن تتجنب اضطرابات الربيع العربي كانت أقل ارتياحًا حيال تلك النتيجة.. ويذكر "بلاك" فيما يخص العلاقات بين مصر وإسرائيل أنه حتى في حالة رغبة الرئيس الجديد في التحدث علنًا عن القضية الحساسة المتعلقة باتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، فإن موقف الإخوان المسلمين ؟ الذي تم تأكيده يوم الأحد ٢٤/٦/٢٠١٢- يؤكد احترام الالتزامات الدولية، رغم أن هذا لن يحول دون محاولة إعادة التفاوض حول الانتشار العسكري في سيناء، فإلغاء معاهدة ١٩٧٩ من شأنه أن يجعل مصر تعود إلى حالة الحرب التي راح ضحيتها الآلاف، كما أن هذا من شأنه أن يضر بالعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالعودة إلى الولايات المتحدة وصف "أشيش كومار سين" في مقاله بصحيفة واشنطن تايمز يوم ٢٩/٦/٢٠١٢ انتخاب "مرسي" كأول رئيس إسلامي بأنه يفرض تحديٌّا يتطلب من إدارة الرئيس "باراك أوباما" التعامل معه، وخاصة أن "مرسي" له نظرته للشأن العالمي والإقليمي المخالفة لواشنطن، وينظر البعض لرئاسته على أنها ستكون بمثابة تحد لمصالح أمريكا في المنطقة.

وفي النهاية، فإن التاريخ يظهر لنا أن الدول عادة ما تستغرق سنوات، وعقودًا، بل حتى قرونًا من أجل التحول بنجاح إلى دول ديمقراطية حقيقية.. وفي الواقع، فإن عملية التحول الديمقراطي تعد مرحلة انتقالية بموجبها تواجه الدولة القومية ومواطنوها بشكل حتمي نقطة تحول بارزة، فضلاً عن التحديات على طول الطريق.. وبشكل واضح، فإن تنصيب رئيس جديد في مصر منتخب ديمقراطيٌّا يعد بمثابة نقطة للانطلاق على الطريق الصعب الذي يتعين على مصر أن تسير فيه باتجاه الديمقراطية.

وبينما يتعين على المرء ألا يغفل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تلوح في الأفق في مصر، وبالأخص الآثار السلبية على الاستقرار الداخلي الناجمة عن ثنائية السلطة، فإن ثمة اقتناعًا بأن يستمر التحول الديمقراطي في مصر طالما أن الرغبة في التغيير بين الجماهير لاتزال موجودة، وقادرة على الصمود في مواجهة الضغوط الحالية.

ورغم العقبات التي ألقيت في طريقهم مع إجراء انتخابات أجهضتها أحكام قضائية أضعفت حتمًا القوى المناصرة للديمقراطية، بينما عززت من سلطة الجيش، فإنه من الملحوظ عدم حدوث حالات عنف في مصر، لأن اللجوء إلى العنف ؟ بحسب البعض - من شأنه أن يمنح المجلس العسكري المبرر لكي يبقى في السلطة وقتا أطول؛ وبالتالي فإنه يتعين على المصريين أن يتجنبوا مثل تلك التدابير العنيفة في مثل تلك اللحظة بالذات.

إن التحدي الذي يواجهه المصريون الآن هو تحدي بناء المؤسسات والإصلاح بأبعاده الشاملة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن ثم يتعين بذل الجهود من أجل ضمان المرور الآمن للدستور الجديد، الذي من المأمول أن يعمل على حل المشاكل الحالية المتعلقة بالتوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية، فضلاً عن سلطة الجيش؛ علاوة على حماية حقوق الأفراد الذين ضحى بعضهم بحياتهم من أجل هذه اللحظة التاريخ































.

نسخة للطباعة

مقالات أخرى...

    الأعداد السابقة