الجريدة اليومية الأولى في البحرين


راصد


رمضان بلا هريس

تاريخ النشر : الأربعاء ٤ يوليو ٢٠١٢

جمال زويد



لم أحصل -بحسب بحثي المتواضع- على المعنى الدقيق لكلمة (هريسة) وإن كانت بعض المعاجم اللغوية تعزي التسمية إلى سائل من خليط الفلْفل الأحمر وبعض أَنواع التَّوابل، لهُ مَذاقٌ حارٌّ، يُوضَع مع المأْكولات ليُعطيها مذاقاً خاصّاً. لكن المتعارف عليه أن (الهريسة) إنما هي طبق خليجي تقليدي مشهور، يُحضّر وخاصة في شهر رمضان المبارك، بحيث من الصعوبة أن تخلو منه أي مائدة رمضانية، وفي موسوعة (وكيبيديا) يقولون عن (الهريسة) إنها تُشعر بالشبع وتغذّي لأنها غنيّة بالألياف والبروتينات. وتُحضّر من اللحم، القمح، السمن، الفلفل الأسود، القرفة والملح.
عندنا في البحرين أساس مائدتنا الرمضانية طبقان: أولهما الثريد وثانيهما الهريس، وبالرغم من أن هذين الطبقين متوفران طوال العام فإن اسميهما ومذاقيهما ارتبطا برمضان ارتباطاً وثيقاً، وأصبحا من لوازم الشهر الكريم، تحرص عليه العوائل كلها، فقيرها وغنيها. حتى المطاعم والفنادق تلتزم بأن تكون (الهريسة) على رأس أولويات (البوفيه) الرمضاني.
بحرينياً، القمح أو (حبّ الهريس) ولحم البقر هي المقادير الرئيسية لإعداد طبق (الهريس) إذ يوضع على نار هادئة مدة طويلة قد تمتد إلى ساعات يأتون بعدها بما نسميه (المضرب) لتحريك خلطة اللحم والقمح وإذابتهما في بعض، كلّما كثُر اللحم تماسكت أكثر وطاب طعمها ولذّ مذاقها. ولأننا أمة نأكل مما لا نزرع ونلبس مما لا نصنع، فقد اخترع لنا اليابانيون بديلاً آلياً لـ (المضرب) الذي كان يحتاج إلى عضلات وجهد بشري أبدعت فيه أمهاتنا وجداتنا لكن عجزت نساؤنا و(الخادمات) حالياً عن تقليده.ولذلك، دون كثير شرح فإن (الهريسة) هي سيدة أطباق رمضان على مدار عقود من الزمان لكنها في هذا العام قد تغيب - للأسف الشديد - بصورة قسرية عن موائدنا، في الإفطار كما الغبقة كما السحور، وستفتقدها المجالس والمطاعم والخيام الرمضانية، لا لشيء سوى أن المادة الأساسية التي نصنعها منه صارت محل خوف وتشكك عموم المواطنين والمقيمين من الاقتراب منها بعدما شاع مؤخراً في الفضاء الواسع فضيحة إدخال شحنة أبقار قادمة من جيبوتي رغم العلم بأنها مصابة بأمراض الحمى القلاعية والسل والوادي المتصدّع، وهي أمراض خطرة بُذلت لمقاومتها والحيلولة دون انتشارها بشكل وبائي جهود جبارة أسهمت فيها مختلف دول العالم بمعاونة وإشراف منظمة الصحة العالمية من دون أن يتوقعوا أنه بالإمكان أن يتواطأ مسؤول ما في دولة مثل البحرين فتدخل إلى البلاد (309) رؤوس من البقر مصابة بهذه الأمراض الوبائية التي تنتقل إلى البشر بإحدى طريقتين: إما بأكل لحمها أو من خلال البعوض الذي ينقل منها فيروساتها. وحتى لا نخوض في تفاصيل هذه الأمراض و(نتخرّع) أكثر لابد أن نشير إلى أنه بحسب الأخبار المنشورة في صحافتنا المحلية فقد توزعت الـ (309) رؤوس من البقر كالتالي (220) رأساً لشركة البحرين للمواشي، و(89) رأساً حياً للأهالي بشكل مباشر. وأترك للقراء الكرام تقدير حجم انتشارها وتكاثرها في البلاد، هي والأمراض التي فيها!!
في الدول الأخرى لا تمرّ هذه الفضيحة الغذائية أو الصحية أو البيئية أو الأخلاقية مرور الكرام. غير أن الأمر هنا لا يخرج عن (زوبعة) تثير بعض الغبار والتصريحات، تتشكل لها لجان، ثم فقط. ليبقى رمضان هذا العام بدون (هريسة).