الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٢ - الخميس ٥ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٥ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


ماذا وراء استمرار التخبط الأمني في ليبيا؟





استمرارا لمسلسل الانفلات الأمني الذي تشهده ليبيا ما بعد الثورة

بشكل شبه متواصل جاءت واقعة احتلال مطار طرابلس على يد مليشيا مسلحة من ترهونة مخاوف دولية ومحلية واسعة، وخصوصا ان هذه الأحداث تتوالى في وقت يحاول فيه النظام الجديد أن يؤكد لمواطنيه وللمجتمع الدولي قدرته على ضمان الأمن في البلاد قبل انتخابات المجلس التأسيسي التي كانت مقررة في ١٩ يونيو الماضي ومن ثم أرجئت إلى السابع من يوليو الجاري لدواع تقنية ولوجستية.

من الواضح ان ليبيا لاتزال تعيش مخاض ما بعد الثورة، لكن غزو أكبر مطاراتها شكل مبعث إحراج بالغ لها، فقد قطع المهاجمون السياج المصنوع من الأسلاك في وضح النهار ثم قادوا شاحناتهم إلى المدرج بينما بقي قادة أمن المطار مكتوفي الأيدي واكتفوا بالمشاهدة، في مشهد يؤكد انتشار الفوضى في البلاد.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

أجبر احتلال مليشيا مسلحة لمطار طرابلس عدة ساعات صناع السياسة في اوروبا والولايات المتحدة على التساؤل عن ماهية البلد الذي ساعدوا على إقامته عندما انضموا إلى الحملة العسكرية في العام الماضي للإطاحة بالعقيد الراحل معمر القذافي.

في الواقع، لم تعد ليبيا التي تضم أكبر احتياطي نفطي مؤكد في إفريقيا تعاني القمع الذي كان قائما في عهد القذافي لكنها بلد تشيع به الفوضى اليوم ولا يوجد ملمح للدولة بعد نحو عام من انتهاء الانتفاضة.

ينتشر السلاح بقوة اليوم في الداخل الليبي حيث هناك مليشيات مسلحة متفرقة ترفض نزع سلاحها بينما المجلس الانتقالي عاجز عن ضبط الوضع، وقد ذاق بعض هذه المليشيات طعم سلطة السلاح، لذلك هي ترفض التخلي عنه، الأمر الذي يثير استياء السكان المدنيين الذين تحركوا مرارا للتنديد بهؤلاء الثوار الذين يصفونهم بـ "المزيفين".

انقلاب عسكري

وعلى وقع الاضطرابات الأمنية المتواصلة وليس آخرها احتلال المطار، رجح رئيس "المجلس العسكري لثوار طرابلس" عبدالله ناكر إمكانية وقوع انقلاب عسكري في ليبيا إذا استمرت حالة الانفلات الأمني وعجز المجلس الانتقالي وحكومته المؤقتة عن السيطرة على الأوضاع في الداخل، مشيرا إلى إن عملية اقتحام مطار طرابلس تؤكد خطأ محاولة استبعاد أو تهميش الثوار من حكم البلاد، "فنحن كثوار نريد اهتماما أكثر من الانتقالي والحكومة، نريدهما أن يسلما الراية للثوار، هما لا يستطيعان إدارة شؤون البلاد، الوضع الآن لا يحتاج إلى تكنوقراطيين وأشخاص خلال الحرب ضد القذافي كانوا جالسين في فنادق ٥ نجوم".

وكان الإعلان الدستوري الذي أقرّه المجلس الوطني الانتقالي الحاكم قد نصّ على وجوب إجراء الانتخابات قبل ١٩ يونيو، أي بعد ٢٤٠ يوما من إعلان تحرير ليبيا من نظام معمر القذافي الذي تم في ٢٠ أكتوبر من عام .٢٠١١

مخاوف عدة

في الحقيقة، اثارت واقعة اقتحام ثوار ترهونة مطار طرابلس مخاوف داخل ليبيا من دور المليشيات المسلحة في تحديد مستقبل ليبيا، وزادت هذه المخاوف بعد المفاوضات التي أجراها رئيس المجلس الانتقالي الليبي، مصطفى عبدالجليل مع الثوار قبل انسحابهم من المطار، فهناك من انتقده بالقول ان الجليل تحدث عن اجتياح المطار كأنه اجتياح مزرعة نخيل بينما الحادثة دولية وخطرة جدا كونها دمرت جهود ٨ أشهر من محاولة إعادة الاستقرار للبلد في ساعات، وخصوصا ان شركات الطيران الأجنبية والشركات العاملة في قطاع النفط وغيرها ستراجع حساباتها، وربما تنسحب من ليبيا كما فعلت استراليا.

وكانت مجموعات مسلحة تابعة لكتيبة الأوفياء بترهونة قد تمكنت من اقتحام مطار طرابلس الدولي، والسيطرة عليه بالكامل على خلفية اختفاء رئيس مجلس ترهونة العسكري أبوعجيلة الحبشي وطالبت الكتيبة بالإفراج عن زعيمها الذي تقول إن قوى الأمن تحتجزه في العاصمة الليبية، مما اضطر العديد من شركات الطيران إلى إلغاء رحلاتها أو تغيير مسارها.

وطبقا لمسؤول ليبي رفض الكشف عن هويته فإن رجالا مسلحين، وليست قوى الأمن، هم من اختطفوا قائد ثوار ترهونة، في حين لم تتبن أي جهة عملية اختطاف الحبشي.

مشكلات عدة

اليوم، هناك مشكلات كثيرة تثير ضيق الليبيين، أهمها التشكيك في إتمام انتخابات المجلس الوطني الذي سيضع الدستور، التي كان من المقرر إجراؤها في ١٩ يونيو الماضي في ظل حال انعدام الأمن والاستقرار وسيطرة المليشيات على المشهد الليبي وتردي العلاقات بين المجلس الوطني الانتقالي برئاسة المستشار مصطفى عبدالجليل وبين الحكومة الانتقالية التي يرأسها عبدالرحمن الكيب، التي وصلت في مرحلة سابقة إلى درجة التراشق اللفظي علانية عبر وسائل الإعلام، حتى هدأت قليلا بفعل وساطات داخلية وخارجية، نجحت في تجاوز إسقاط حكومة الكيب، لكنها لم تفلح في نزع فتيل التوتر والشكوك وانعدام الثقة التي تحكم العلاقات بين الطرفين، وخاصة أن كل طرف يسعى إلى إلقاء تهمة عرقلة العمل على الطرف الآخر.

ويتشاءم كثير من المراقبين الليبيين من مستقبل البلاد السياسي بعد أن عجز المجلس الانتقالي عن ضبط المليشيات وما تقوم به من أعمال تثير حفيظة المواطنين الليبيين، حيث تقدم هذه المليشيات على احتجاز أشخاص وتعذيبهم من دون سند قانوني، وهي الأعمال التي وثقتها وانتقدتها تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، وقد اتهمت جماعات حقوق الإنسان بعض المجموعات المسلحة بالتصرف كأنها فوق القانون، وبتعذيب المعتقلين لديها ممن تشتبه في ولائهم لعائلة العقيد الراحل معمر القذافي.

سلطة المليشيات

وتتزايد حساسية المواطنين الليبيين من سيطرة المليشيات على كل شيء، وإشاعتها الفوضى والمواجهات بصفة مستمرة، وسيطرتها على المرافق العامة، وتدخلها غير القانوني في شؤون الناس، في ظل ما تشهده الساحة الليبية السياسية من انقسام على أساس الجهات والمناطق والعرق "الأمازيغ والعرب"، إضافة إلى محاولات بعض الجهات إعلان أقاليم منفصلة تتشكل منها ليبيا الجديدة وكان إقليم برقة هو الفاتحة محتجا في ذلك بأن المنطقة الشرقية عانت على الدوام التهميش وغياب التنمية.

كما ان ملف الأمن يأخذ في ليبيا بعدا آخر، وهو أن كثيرا من الليبيين

مازالت الأسلحة في أيديهم منذ الثورة على القذافي، وفي هذا خطورة كبيرة على أمن البلاد، ورغم أن الدولة دعت مرارا إلى أن ينخرط الثوار في مؤسستي الجيش والشرطة، فان الكثيرين مازالوا خارج هاتين المؤسستين ويهددون المجتمع بأسلحتهم.

علما ان حادثة احتلال مطار طرابلس في حد ذاتها تثبت مدى ضعف الحكومة عن السيطرة على مقاليد الأمور، وحجم التهديد الذي تشكله الجماعات المسلحة التي ترفض الانضمام إلى أجهزة الدولة الأمنية. ورغم أن الولايات المتحدة تعهدت بتقديم أربعين مليون دولار لتأمين واستعادة ترسانات السلاح في ليبيا فانه لم يتم جمع السلاح، لذلك فإن ليبيا قد تصبح مكانا يبيع الناس فيه السلاح للحكومة.

موعد انتخابي

حاليا، يتطلع الليبيون إلى انتخابات المؤتمر الوطني في السابع من يوليو الجاري كاستحقاق هو الأول من نوعه منذ انتهاء الثورة قبل عشرة أشهر. ويفترض أن يبدل مزاج البلد من التعايش مع الفوضى إلى بدء مرحلة الانتقال إلى بناء الدولة وتمكين مؤسساتها لكن استمرار سيطرة المليشيات المسلحة وتأخر ولادة القوى الأمنية الموحدة وشيوع التوترات والمواجهات في مختلف الأنحاء تطرح تساؤلات عما إذا كان الاقتراع سيتم في أجواء طبيعية وخصوصا انه لا يمضي أسبوع من دون حصول اشتباكات بسبب الانتشار الكثيف للأسلحة. وعلى الصعيد السياسي لاتزال البلبلة هي السائدة وسط أجواء من الشائعات والتهديدات والدعوات إلى الانفصال، لكن اللافت أن التوقعات بانزلاق البلاد إلى حرب أهلية لم تتحقق رغم غياب الدولة والجيش والأمن واحتدام التنافس بين القبائل وبين المناطق وكذلك بين تيارات إسلامية صاعدة وتيارات ليبرالية أخرى، فهل تستطيع ليبيا تجنب الحرب والانقلابات الجديدة؟































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة