الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


أسئلة النار والجمر الذي نمسك به حبا لهذا البلد وأهله (4-4)

تاريخ النشر : الخميس ٥ يوليو ٢٠١٢



تناولت في المقالات السابقة بالتعليق نوعين من الردود التي وصلتني تعليقا على مقالي "الشيعة في البحرين أكبر من أن يكونوا لعبة في يد أحد"، أحدهما الردود الشاتمة، وثانيهما الردود المنتقدة بقوة، وفي هذا المقال أتناول النوع الثالث من الردود، وهو الردود المؤيدة لما جاء في مضمون المقال، حيث اتصل بي أكثر من شخص من الطائفتين الكريمتين ممن أعرفهم ومن لا أعرفهم أكدوا لي الحاجة إلى صوت آخر هدفه الإصلاح وحماية البلد من الانزلاق نحو الانقسام الطائفي وهو أبشع سيناريو يمكن أن نتصوره.
وفي هذا السياق أرسل لي الصديق الإعلامي كمال محمد الذيب تعليقا مكتوبا تحت عنوان: "وماذا عن أسئلة الوجع والجمر يا حسن!!" وجدت أنه يلخص مجمل الردود المؤيدة، وهذا نصه:
"أسئلتهم إليك - يا حسن- مغلقة ومغلفة بالتعصب وعدم القدرة على رؤية الحقائق خارج الالتباسات الذاتية والطائفية، وهي أقرب إلى الإنكار والاستنكار والاحتجاج واللجاجة والتحذير منها إلى التساؤل الحر الذي ينشد الحقيقة، أما أسئلتي إليك يا حسن فمختلفة؛ فهي لا تطلب أجوبة جاهزة محفوظة عن ظهر قلب، بل تسعى إلى فتح آفاق أرحب للحوار..
ألم يكن المفكرون والفلاسفة وأصحاب الرسالات إلا طارحي أسئلة على من حولهم، أسئلة الذات والكون والسياسة والحياة، تتحول أجوبتها إلى أسئلة جديدة، تفتح على أسئلة أخرى، بها يتطور الفكر الحي أما الذين يخافون من طرح السؤال الحي المؤلم، فسوف يضلون على طول المدى مجرد متلقي أجوبة جاهزة ونهائية أو مجرد أوعية حافظة في أحسن توصيف: وهاك بعض أسئلة النار والجمر الذي نمسك به حبا لهذا البلد وأهله:
من وضعنا في هذه الأزمة الخانقة؟ من المسئول عن استمرارها واستفحالها؟ من ورط المجتمع والدولة في مأزق الفوضى غير الخلاقة؟ وهل كانت السلطة تغلق أبوابها أمام المواطنين؟ هل كانت استبدادية إلى الدرجة التي تستعدي الثورة ضدها؟ هل رفضت الحوار والإصلاح وتعزيز التقدم نحو الديمقراطية؟ ألم تعتذر السلطة عن الأخطاء وفتحت أبواب الحوار على مصراعيه ومازالت؟ ألم تنظم منتدى الحوار الوطني؟ ألم تبد استعدادها لتنفيذ ما توافق عليه الناس في هذا الحوار؟
هل كانت محاولة "الثورة- الانقلاب" في فبراير مارس 2011م- بشعاراتها ومطالبها واضطراباتها وانحرافاتها وضحاياها من جميع الأطراف- ضرورية؟ وهل كان علينا ان ندفع ثمنا باهظا من حياة الناس واستقرارهم ووحدة نسيجهم الاجتماعي الوطني في مقابل هذه الرغبة المحمومة في فرض أجندة سياسية، مهما كانت هذه الأجندة مشروعة من الناحية السياسية؟ وهل يجوز لأي طرف سياسي أن ينفرد بنفسه بتقرير ما يحتاج إليه الناس وما يريدونه ومستوى الإصلاحات التي تنفعهم وتفيدهم؟ هل يجوز لأي طرف سياسي - مهما كان كبيرا ومهما- أن يتحدث باسم الشعب وان يفعل ما يفعل باسمه وبالنيابة عنه؟ وهل يجوز له أن يقود الناس والمجتمع إلى المواجهة العنيفة، مهما قيل عن السلمية اللفظية والشعاراتية؟
أسئلة عديدة تطرح نفسها في هذه الفترة المهمة من تاريخ البلد في مواجهة الذين ورطوا البلاد والعباد في هذه الأزمة- اجتهادا واعتقادا بأنهم يحاولون الخروج بها نحو الأفضل- ولكنهم اليوم انسحبوا من كل ما هو مؤسسي وفضلوا اللجوء إلى الشارع، وهم اليوم يشتكون من "الحل الأمني" مع أنهم رفضوا وما زالوا يرفضون أي حل سياسي عقلاني تفاوضي بعيدا عن المواجهة والإقصاء والتحدي، انسحبوا من كل فضاء مؤسسي للحوار والتفاوض، وفضلوا أن يرفعوا أصواتهم في الشوارع بدلا من الفضاء الطبيعي للحوار، وكان من الطبيعي أن يرتفع صوت الأمن عاليا في مواجهة الانفلات والفوضى والعنف، لأن الأولوية في هذه الحالة تكون- وفي جميع الأحوال وحتى في أرقى الديمقراطيات في العالم- هي للأمن والحفاظ على الحياة العامة والخاصة للمواطنين..
إن الهروب من مواجهة الواقع والحقائق والمعادلات على الأرض، وركوب الغرور ليس حلا، ومواجهة الحقائق وحدها تفضي إلى تحمل المسئولية الذي يؤدي إلى وضع الأمور في نصابها، وذلك كله يدعونا إلى تشخيص الأخطاء وتحديدها تمهيدا لمعالجتها وتجاوزها..
الخطاب المعارض بصيغته الحالية يبدو بدون أفق ولا يريد على ما يبدو أفقا، وقد ظل خلال السنوات الماضية يشيع لغة سلبية في مجملها، تنكر التقدم في الديمقراطية والإصلاح والتقدم- مهما كان محدودا- فأنتج ثقافة جديدة هي ثقافة الشكوى والإنكار ودرجة من درجات التمثل الانفعالي اللحظوي من خلال البيانات التي تميل إلى تبرير الكوارث والتعدي على القانون وعلى الناس وحتى على القيم المستقرة في وجدان المجتمع، واتخاذ نبرة تتجه نحو النزعة التصفويّة التي يبدو أنها منقادة إلى أجندات ترى مصلحة في إدماج التطرف داخل أنسجة المجتمع المدني..
قد يكون من البديهيّ أن مبدأ الحرية يتيح لكلّ القوى تقديم آرائها بالشكل الحزبي أو الإعلامي الذي يناسبها، لكن يجب أن لا ننسى أن الإعلام الحرّ في حدّ ذاته نبتة تحديثية بلورتها العلمنة واخصبتها الديمقراطية، وفي هذه الحالة تبدو ثوبا غير مناسب للقوى التي تمارس عنف المعتقد بما ينتجه من تعبيرات طائفية فاتكة بالنسيج المجتمعي.. وان المطلوب دائما وفي جميع الأوقات، أن يكون لنا صوتنا- وان صوت السياسة والفكر الحر والرأي الحكيم يجب أن يكون عاليا، لتامين الخروج من الأزمات بانواعها ومستوياتها كافة.. وما عدا ذلك طريق المغامرة والانتحار بكل ما يعني من كارثية..
واعتقد صادقا ان صوتك يا حسن- مثلما كان صوت والدك وعمك رحمهما الله- لا ينشد إلا الإصلاح والصلاح ولا يصدر إلا عن حب لهذا البلد وأهله الأكرمين".
مع تقديري أخوكم - كمال الذيب