الجريدة اليومية الأولى في البحرين


دراسات


الخليج والاقتصاد العالمي.. النفط وتحدياته القريبة المدى (2-4)

تاريخ النشر : الخميس ٥ يوليو ٢٠١٢



تناولت الحلقة الأولى من سلسلة حلقات "الخليج والاقتصاد العالمي" - التي تستند في منطلقاتها إلى محاور النقاش التي أثارتها ندوة تحمل العنوان نفسه نظمتها وحدة الخليج بكلية لندن للاقتصاد التي تمول أنشطتها دولة الكويت، وشارك فيها الخبيران الدوليان في الشؤون الدولية والخليجية "داني كواه"، الأستاذ بكلية لندن، و"ألستر نيوتن"، المحلل السياسي في مؤسسة "نومورا" المالية العالمية والمشارك النشط في مناقشات تعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا- حقيقة التحول الجغرافي النظامي في الاقتصاد العالمي الحالي بانتقال مركز الجاذبية في هذا الاقتصاد شرقًا نحو القارة الآسيوية عن محوره الأطلسي التقليدي الذي يضم الولايات المتحدة وأوروبا الغربية بفعل الصعود الاقتصادي القوي للاقتصادين العملاقين الصين والهند، مع التركيز في العلاقات الخليجية الصينية وآفاقها المستقبلية.
وفي هذه الحلقة التي تجيء تحت عنوان "النفط وتحدياته على المدى القريب" ننطلق من أحد أهم محاور الندوة، السابق الإشارة إليها، الذي سلط عليه الضوء "أليستر نيوتن" حينما أوضح كيف أن الرمال الزيتية تمثل 65% من احتياطيات الطاقة في الولايات المتحدة، وأنه بفضل الرمال الزيتية فإن العصر الذهبي للخليج واقتصاده القائم على النفط يكون قد ولى، ورغم أن هذا القول فيه الكثير من المبالغة، إذ لو كان حقيقة فلم لا يتم التحول إليه؟ ولا نتجاوز إذا قلنا ان هذا القول لا يعدو أن يكون أكثر من استنتاجات وآمال على الدراسات المخبرية التي تختلف تمامًا عن المجالات التجارية والاستثمارية.
رغم ذلك، فإن تلك القضية بحاجة إلى توضيح من جوانبهاكافة..
منذ الصدمة النفطية في عام 1973، حيث شهد العالم المرة الأولى إمكانية حجب النفط، أهم مصادر الطاقة في عالم اليوم، عن أسواقه، وقدرة بلدانه المصدرة حالة اجتماعها على رفع السعر، والحديث لا ينتهي عن بدائل هذا المصدر، وخاصة تلك البدائل التي تحفل بها بلدان لا تنتمي للشرق الأوسط، وهو ما يفسر في كثير من الأحيان على أنه مصدر ضغط على هذه البلدان حتى لا تتخذ من السياسات ما يرفع أسعار النفط من جانب، ولدفع هذه البلدان إلى استخراج وبيع أكبر كمية ممكنة منه في أقل وقت ممكن قبل أن يداهمها خروج المصدر البديل إلى السوق بأسعار منافسة من جانب آخر، وعام بعد آخر لم تفلح الجهود التي بذلت والأموال التي أنفقت في الوصول إلى مصدر بديل، حتى وجدنا مؤخرًا حديثا ممتدا عن الرمال الزيتية وتهديدها بانحسار أهمية الهيدروكربونات في الاقتصاد العالمي.
تذكر كثير من الدوريات المعنية بالطاقة أن ثمة كميات من النفط محجوزة في الرمال الكندية تتجاوز الاحتياطي النفطي للمملكة العربية السعودية، وأنه في الوقت الحالي توجد تكنولوجيا لاستثمار مربح لهذه الثروة الضخمة، وأن ضخامة هذه الثروة تجعل من الصعب تجاهلها، وأحد طرائق المعالجة الحالية تستطيع استعادة نحو 300 مليار برميل من زيت الرمال في إقليم البرتا الكندي فقط، وبالإضافة لهذه الرمال الزيتية يوجد ما يسمى "الغضار الصفحي الزيتي" )elahs lio( الذي يمثل موردًا أقل ضخامة ولدى أستراليا منه 28 مليار برميل، كما توجد كميات كبيرة منه في استونيا والبرازيل والسويد والولايات المتحدة والصين.
وهكذا، فقد غدت الرمال الزيتية والغضار الصفحي بمثابة مصدر محتمل للطاقة يمكن أن يشكل منافسًا للنفط الخام، غير أن هذه المصادر تواجه بتحديات الكلفة العالية، وهي التحديات التي يمكن أن يتم تجاوزها في حالة ارتفاع أسعار النفط الخام، وقد كان هذا الارتفاع حافزًا لإنشاء شركة الرمال الزيتية الكندية المحدودة التي مازال إنتاجها صغيرًا إلى الآن، وفضلاً عن تحدي الكلفة، فإن هناك التحدي البيئي الذي يتطلب إنفاقًا كبيرًا لتجاوزه مبلغ 1 دولار من كل 6 دولارات تنفقها الشركات المنتجة حاليا، وإذا كانت مناطق ألبرتا الكندية تحوي رمالاً زيتية على مساحة تبلغ 140 ألف كم، فإن جماعات البيئة تطلق عليه النفط القذر، وتتوقع دراسة أجراها المجلس الوطني للطاقة الكندي في 2006 أن يرتفع إنتاج النفط من الرمال الزيتية في شمال البرتا إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميا بحلول 2015، وهذا الإنتاج يتطلب لاستخراجه كميات هائلة من الغاز الطبيعي المتناقص في كندا؛ حيث يستخدم كوقود لتسخين البخار الذي يستعمل لتسييل القطران داخل الرمال، والإنتاج المتوقع في 2015 يتطلب استخدام 13% من إنتاج الغاز الكندي، وتقدر هذه الدراسة أن الرمال الزيتية في كندا تحتوي على نحو 174 مليار برميل نفط، وأن جدوى استخراجه تصبح موجودة مادام سعر النفط الخام التقليدي فوق عتبة 35 دولارًا للبرميل.
إضافة إلى الرمال الزيتية والغضار الصفحي الزيتي، يوجد ما يسمى الصخور النفطية التي يملك المغرب أكبر احتياطي منها في العالم العربي، ولكن استخراج النفط من هذه الصخور يصطدم أيضًا بعقبات الكلفة والبيئة، وتحتوي هذه الصخور على مواد طاقة غير متكاملة التكوين يمكن تسخينها لتصبح مادة طاقية سائلة أو غازية، ومن أجل هذا أنشأ المغرب شركة الصخور النفطية في طنجة، التي اكتشفت مناجم كبيرة لها في منطقة "تمحضيت" في جبال أطلس، ومناجم طرفاية على ساحل الأطلسي، كما توجد هذه الصخور النفطية أيضًا في 37 دولة، وتشير التقديرات إلى أن إجمالي هذه الصخور النفطية يحوي ما يعادل أربعة أضعاف الاحتياطيات النفطية التقليدية المؤكدة، والدولة الأولى في هذا الرقم هي الولايات المتحدة التي يبلغ احتياطيها منها 3706 مليارات برميل أي نحو 77 من الاحتياطيات العالمية لهذا المصدر، تليها الصين وروسيا والكونغو والبرازيل وإيطاليا ثم المغرب، ويحتل الأخير المرتبة الأولى عربيا والثانية إفريقيا والسابعة عالميا باحتياطي نحو 53 مليار برميل، ويمكن الاستفادة من هذه الصخور بأحد أسلوبين، الأول: هو الحرق المباشر في أفران حرارتها من 480 -540 درجة مئوية بما يؤدي إلى انفصال الكيروجين عن الصخور وتحوله إلى نفط ينقل إلى معامل التكرير، والأسلوب الآخر هو الاستخلاص الموضعي؛ حيث تسخن الصخور في مكامنها من دون نقل إلى سطح الأرض مدة تصل إلى أربع سنوات متواصلة وتؤدي إلى تحول الكيروجين إلى نفط.
والطريقة الأولى سوف تستخدم قريبًا في الأردن الذي عقد اتفاقًا بشأنها مع شركة "إيستي إنرجي" الاستونية لإنشاء محطة كهربائية بكُلفة 1,5 مليار دولار، والأسلوب الثاني لا يزال في مراحله التجريبية بسبب كلفته العالية.. وفي الثمانينيات كانت هذه الكلفة بناءً على دراسة شركة "كيرف تر" الألمانية 3 مليارات دولار لمعمل يستخلص 50 ألف برميل يوميا، وفي المشروع المتفق عليه بين الأردن وشركة "إنستي إنرجي" فإن المعمل ينتج 30 ألف برميل يوميا بكُلفة تبلغ 6 مليارات دولار أو ما يعادل حصيلة تصدير الفوسفات مدة ثلاث سنوات.
أما عن الاعتبارات البيئية، فإن تجربة استونيا في هذا المجال تذكر أن 23% من تلوث الماء و86% من النفايات و97% من تلوث الهواء يعود إلى استغلال الصخور النفطية، وقد أدى هذا الوضع إلى كثرة الأمراض ذات الصلة كضيق التنفس والدرن والسرطان، كما يحتاج استخلاص برميل من النفط من الصخور النفطية إلى نحو 5 براميل من المياه، أما الاستخلاص السطحي فيترك كميات هائلة من الرماد الضار بالصحة والبيئة، ويقود الاستخلاص الموضعي إلى تلوث المياه الجوفية أيضًا، أما الأسباب التي دفعت استونيا - الدولة الوحيدة في العالم التي تعتمد على هذه الصخور في إنتاج احتياجاتها من الكهرباء - فهي سياسية بحتة تكمن في رغبتها في الاستقلال عن روسيا في مجال الطاقة. ومقارنة بالمغرب، فإن سكان استونيا لا يزيدون على 4% من سكان المغرب ولا تتجاوز مساحتها 6% من مساحة المغرب، وبسبب الاعتبارات البيئية والكلفة العالية فإن مجموع الإنتاج العالمي من الصخر الزيتي لا يزيد حاليا على 15 ألف برميل يوميا، وهذه الكمية تغطي فقط 15% من استهلاك دولة مثل الأردن، وحتى الآن لا توجد تكنولوجيا تستطيع إنتاج النفط من الصخر الزيتي بطرائق اقتصادية تنافس سعر النفط الحالي، ورغم ما قامت به شركات نفطية عملاقة مثل إكسون وشل باستثمارات تجاوزت 10 مليارات دولار، فإنها تركتها بعد ذلك، كما أن الشركة الكندية "سنكور" قامت بالاستثمار في الصخر الزيتي الأسترالي وبعد سنوات فشلت الشركة في هذا المشروع بعد خسائر بملايين الدولارات.
أما الصين التي استخدمت منذ بداية التسعينيات مفاعلات لإنتاج النفط من الصخر الزيتي، فإن إنتاجها منه لا يتجاوز احتياجات الأردن من النفط في أربعة أيام، أما إجمالي إنتاج استونيا فلا يكفي الأردن 10 أيام، وإنتاج البرازيل لا يكفي الأردن ساعة واحدة.
وأخيرًا، ان الحديث عن وجود كميات ضخمة للصخور الزيتية تحوي كميات هائلة من النفط شيء والإنتاج الاقتصادي لهذا النفط شيء آخر، فكثيرًا ما تعرض الوسائل الإعلامية أرقامًا تثير اللعاب وتهيج الآمال بينما الحقيقة شيء آخر، وهو ما يعني في الأخير أن العالم العربي سيظل مركز الإمداد العالمي للطاقة النفطية رغم غنى بعض بقاعه بالصخور الزيتية، كما أنه مرشح ليكون مركزا طاقيا عالميا لمصدر آخر قد يكون هو الأقل كلفة، وهو الطاقة الشمسية، حيث تتمتع المنطقة بأكبر فترة سطوع شمسي على مدى العام، ولكن هذه الطاقة مازالت حتى الآن مهدرة في العالم العربي.