الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٤ - السبت ٧ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٧ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)


ماذا بعد أن دخلت العقوبات الأوروبية على إيران حيز التنفيذ؟





دخلت العقوبات الأوروبية على إيران حيز التنفيذ اعتبارا من الأول من يوليو وذلك بعد تطبيق العقوبات الأمريكية بعدة أيام، وتقضي هذه العقوبات بمقاطعة استيراد النفط من إيران بالتزامن مع حظر التعاملات المصرفية معها، في محاولة لفرض حصار اقتصادي على الجمهورية الاسلامية كضغوط لدفع طهران إلى التراجع عن برنامجها النووي الذي لا يروق للغرب.

وفيما بدأ الاقتصاد الإيراني يعاني من جراء اقرار العقوبات، فمن المتوقع ان تستفحل الازمة الاقتصادية الايرانية مهما حاول القادة الايرانيون الالتفاف على العقوبات وآثارها.

ويرى الخبراء في الاقتصاد الإيراني أنه ليس هناك أساس لتوقع وضع كارثي، ولكن يمكن أن يشهد العالم رد فعل إيرانيا نتيجة المقاطعة بعد فترة معينة، ولا يمكن التكهن بطبيعة رد الفعل هذا فقد يظهر في تصريحات عالية اللهجة أو غيابها أو أعمال استفزاز عسكرية أو سياسية تؤدي إلى نشر حالة توتر ما.

"أورينت برس" أعدت التقرير التالي:

توقعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن تخسر إيران عوائد بقيمة ثمانية مليارات دولار بسبب العقوبات المالية التي فرضتها واشنطن على إيران، ناهيك عن اثر العقوبات الاوروبية التي تمنع دخول قطرة من النفط الايراني إلى دول اوروبا.

من جهتها اعترفت طهران المرة الأولى بأن صادراتها النفطية إلى عملائها الآسيويين تراجعت بأكثر من ٣٠ في المائة مقارنة بالحجم الاعتيادي لهذه الصادرات والمقدرة بـ٢,٢ مليون برميل نفط يوميا، مما يعني ان صادرات النفط الإيرانية تلقت ضربات شبه قاضية من مختلف الاتجاهات.

برنامج اقتصادي

بحسب مسؤولين في إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما فإن العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة هي عقوبات دولية في جوهرها، إذ إنها لم تكن لتطبق بدون تعاون المجتمع الدولي، فالرسالة الدولية هي تأكيد عزلة طهران عن المجتمع الدولي وإصرار هذا المجتمع على مواصلة العمل على الحصول على ما يطمئن دول العالم إلى حقيقة النيات الإيرانية من البرنامج النووي الخاص بها. أما إيران فتقول إنها تتمسك بذلك البرنامج لأهداف اقتصادية بسبب قدرته على إمداد البلاد بالكهرباء ومن ثم توفير الدعم المقدم إلى قطاع الطاقة الإيراني. ولو كان الهدف الكسب أو التوفير ماليا لاكتشف الإيرانيون منذ بعض الوقت أن الخسائر المالية التي تسبب بها البرنامج بسبب العقوبات الدولية تفوق كثيرا المكاسب التي يمكن تحقيقها من توليد الكهرباء بواسطة الطاقة النووية، وهذا ما يؤكد أن الهدف من البرنامج النووي الإيراني ليس فقط اقتصاديا.

وتأمل واشنطن أن تضطر إيران إلى تبني موقف أقل عنادا في المفاوضات الدولية التي تجرى الآن معها بشأن البرنامج النووي بعد دخول العقوبات الاوروبية حيز التنفيذ.

خسائر كثيرة

تتباين التقديرات حول الخسائر التي ستتكبدها إيران جراء هذه العقوبات، لكن المحللين يقدرون أن الصادرات الإيرانية قد تضاءلت بقيمة مليون برميل يوميا، أي بمستوى أقل بنسبة ٤٠ في المائة عن مستوى التصدير عام .٢٠١١

ونتيجة لذلك تضاءلت عوائد إيران النفطية، إلا انه ليست هناك مؤشرات على أن طهران تتجه إلى إعادة التفكير في برنامجها النووي نتيجة لذلك. يذكر ان الاتحاد الأوروبي يستورد نحو ٢٣ في المائة من النفط الايراني ولاسيما الخام، وما يجعل اثر العقوبات الأوروبية قويا هو أنه لن تستطيع شركات أوروبية بعد الآن التأمين على الناقلات التي تشحن النفط والمشتقات النفطية الإيرانية أين تكن وجهة الشحنة.

وبالإضافة إلى العقوبات الأوروبية هناك العقوبات الأمريكية التي تهدف إلى إقناع مشتري النفط الإيراني في آسيا بتقليص طلباتهم، وقد استجابت كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية لذلك في الشهور الأخيرة، ووردت تقارير تفيد أن كوريا الجنوبية ستوقف استيراد النفط الخام بشكل كامل في شهر يوليو الجاري على حد سواء.

وتبلغ العقوبات الأمريكية ذروتها بتهديدها المؤسسات المالية لأي دولة لا ترى واشنطن أنها تتخذ إجراءات كافية لتقليل الاعتماد على النفط الإيراني.

ازمات اوروبا

ولم يكن تخفيض بعض الدول الأوروبية اعتمادها على النفط الإيراني سهلا، وخاصة أن المستوردين الأوروبيين الرئيسيين للنفط الإيراني هما إيطاليا واليونان اللتان تعانيان أزمة اقتصادية، وقد اضر ذلك باقتصاديهما، كما يقول بول ستيفنز الباحث في مركز "تشاتام" للأبحاث البريطاني، ويضيف أن اليونان تضررت بشكل خاص لأنها كانت تحصل على شروط تجارية ميسرة من إيران، ويقول ستيفنز ان الاستغناء عن النفط الإيراني سبب ارتباكا في الاسواق العالمية وأدى إلى زيادة الأسعار بقيمة ١٠ إلى ١٥ دولارا للبرميل ووضع الدول الأوروبية في وضع صعب. ولكن ومع أن العقوبات تسبب اضرارا للاقتصاد الإيراني إلا انه لا يبدو أنها تؤدي إلى الاثر السياسي المنشود.

ويقول بعض الخبراء ان هناك إحساسا بأن دول الاتحاد الأوروبي "تعاقب نفسها" اذ ان أثر الضغط الأمريكي على إيران اقوى من أثر العقوبات الأمريكية، ويحذر هؤلاء من التوتر الذي قد تنشئه في المنطقة الضغوط التي تتعرض لها إيران، ويعبر خبراء عن شكهم في أن تؤدي تلك الضغوط إلى تقدم في المفاوضات حول برنامج إيران النووي اذ ان إيران ستتمسك بموقفها رغم كل الضربات الاقتصادية التي تتعرض لها.

رد ايراني

من جانب آخر، حاولت إيران التقليل من اهمية العقوبات الاوروبية على نفطها، وأعلنت على لسان مسؤوليها انها على أتم الاستعداد لمواجهة آثار فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على استيراد نفطها، مضيفة أن لديها مخصصات من النقد الأجنبي بقيمة ١٥٠ مليار دولار لحماية نفسها، وصرح وزير النفط الإيراني رستم قاسمي بأن بلاده وضعت كل الخيارات المتاحة لمواجهة العقوبات المفروضة عليها على خلفية برنامجها النووي.

واعتبر قاسمي أن النفط الإيراني لايزال يباع في الأسواق الدولية وأن مستورديه سيكونون أكبر الخاسرين إذا تسبب الحظر الأوروبي في زيادة الأسعار، وقال رضا رحيمي نائب الرئيس الإيراني إن طهران كونت مخزونات من المواد الأساسية لمواجهة آثار العقوبات الغربية على قطاعي النفط والمصارف.

وذكرت معلومات من مصادر في طهران أن المسؤولين الإيرانيين يشيرون إلى خطة من ثلاث نقاط لمواجهة العقوبات، أولاها حذف الدولار واليورو في التعاملات النفطية لصالح عملات أخرى كالين الياباني واليوان الصيني، وثانيتها تعويض غياب شركات التأمين الأوروبية لتغطية تأمين ناقلات النفط الإيرانية من خلال إصدار سندات تأمين داخلية بمعايير عالمية، وتتجلى النقطة الثالثة في الخطة الإيرانية في زيادة مخزون النفط الخام عملا بقاعدة النفط الذي لا يصدر يخزن، وأخيرا خفض الإنتاج في الحقول النفطية المستقلة.

وعمدت طهران في الأشهر الأخيرة إلى إجراءات للالتفاف على العقوبات الغربية، ومنها إبرام صفقات مقايضة لبيع نفطها مقابل استيراد منتجات من الطرف الآخر، وأصبحت طهران تقبل سداد مستحقات صادراتها النفطية بالعملات المحلية، وللحفاظ على عملائها قدمت مغريات من قبيل تسليم النفط مع تأجيل سداد مستحقات، وتقديم خصومات على أسعار نفطها تتراوح بين عشرة وعشرين دولارا للبرميل.

وينص قرار الحظر الأوروبي، المتخذ في يناير الماضي، على حظر إبرام الدول الأوروبية تعاقدات جديدة لاستيراد النفط الإيراني، لكنه سمح باستمرار التعاقدات القائمة حتى يوليو، ويشمل الحظر أيضا نقل خام طهران أو منح تغطية تأمينية للسفن التي تنقله.

وظهرت مؤشرات على أن العقوبات أصبحت تؤثر في اقتصاد إيران، حيث انخفضت صادراتها النفطية بـ٤٠ في المائة هذا العام، وتمثل صادرات الخام نحو ٨٠ في المائة من عوائد التصدير الإيرانية، وتعادل نصف إيرادات الحكومة الايرانية وهو ما قد يؤدي إلى قصم ظهرها وإلى تعريضها لاحتجاجات شعبية عديدة بسبب عدم قدرتها على دعم المزيد من المواد والسلع الاساسية.































.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة