الثقافي
قضايا ثقافية
حنجرة ثقافية قتلناها
تاريخ النشر : السبت ٧ يوليو ٢٠١٢
في نهاية شهر مارس من عام 1977 لم نعد نسمع هذه الحنجرة التي ملئت حياتنا طرباً وثقافة وغناءً على أعلى المستويات لكنها تركت لنا تراثاً زاخراً بالتحدي والحوار والجدل والبحث وللأسف الشديد قتلناها.
اليوم نحن نسمع عن رئيس مدني في جمهورية مصر العربية وبالفعل فاز بالانتخابات الأخيرة رجل من غير العساكر والعسكريين ويقال إنه من الإخوان المسلمين وبالطبع لا يهمنا إن كان من الإخوان أو الأخوات فالمهم أن يحفظ لنا الحناجر الثقافية ولا تُرمى من وراء ظهره أو أمام عينيه في سِلال المهملات.
بعد فوز محمد مرسي ( مرشح حزب الحرية والعدالة) المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين برئاسة مصر بعد سلسلة من الرجال العسكريين محمد نجيب - جمال عبدالناصر- أنور السادات - محمد حسني مبارك، كانت الحناجر الثقافية تصدح وفقاً للسياسة القائمة وتنفذ الأوامر العسكرية وتفرض الأغاني والقصائد على المواطنين فرضاً لابد أن يكون مطاعاً وإلاّ فإن الرافض يكون بعد يوم أو ساعة وراء الشمس.
على هذا الأساس المنهجي والقاعدة الرسمية اختلفت الحناجر الثقافية من عصر إلى عصر ففي بعض الحناجر المأجورة للأنظمة السياسية كنا نستمع إلى أمراض كثيرة في النغمات وتنتقل إلى حناجر الناس كي يحفظوها ويرددوها في منازلهم ومصانعهم ووزارتهم ومدارسهم وأنديتهم الرياضية ومؤسساتهم العامة والخاصة بأوامر بوليسية،وشبَّ من شب وترعرع من ترعرع على ترديد ما هو مطلوب دون أن يناقش أويحاور بحجة أن (الرَّيس عايز كده).
كان عبدالحليم محمد شبانة الذي تحول فيما بعد إلى عبدالحليم حافظ بفضل معلم الموسيقى حافظ عبدالوهاب قد منحه اسمه الثاني، ينتظر الفرصة السانحة لكي يظهر على مسرح الحياة ويقابل الجماهير ليقدم الحنجرة الثقافية المتميزة والأغنية الوطنية الثورية التي تساعد القيادة السياسية على تخطي كل ظروف وعقبات من أجل المصالح الشعبية والكرامة الذاتية والاستقلال الشامل وقد بدأت الحنجرة في واحدة من ليالي 32 يوليو عام 1952 وأنشدت (بلدي يا بلدي) ومن خلالها ولدت أغنية من أجمل الأغاني السياسية سُمِّيت حينذاك (مطالب شعب) وهي بالمعنى السياثقافي فكرة دستورية ثورية إن فكَّر فيها الرئيس المدني الحالي وأمامه مرحلة أربع سنوات على كرسي الرئاسة فإنه من الممكن أن يحقق خطوات رائدة إلى الشعب العربي المصري الذي كافح منذ الإطاحة بالملكية لكنه اصطدم بالخيانات والإنتاج الثقافي المضاد والعسكرة الحياتية على كل مصادر المناهج التعليمية الخاصة والعااليوم يُفترض أن يُعاد إنتاج حنجرة عبدالحليم حافظ، لأنها الحنجرة الوحيدة القادرة على بعث وتوصيل الثقافة العربية في كل أرجاء الوطن العربي الكبير رغم أن النظام السياسي المدني لن يستقر كما تستقر الأنظمة السياسية الحاكمة الأوروبية فلدينا الكثير من الأصابع السوداء التي يهمها أن تكون الوان اللوحة قاتمة ولا تعبر عن مضامينها الوطنية الجذرية أو تطلعاتها في حياة مستقلة تبني للثقافة البشرية في الإبداع الفكري ما يتوق إليه الإنسان المصري العادي.
كل مضمون أغنية ( مطالب شعب ) تعبير واضح عن مراحل تجاوزتها أنظمة ما بعد عبدالناصر، وهي نفس المطالب التي يريدها الشباب المصري في ربيعه العربي وثار من أجلها لكن نظامي أنور السادات ومحمد حسني مبارك أزالاها من الوجود الإعلامي والثقافي ويفترض من النظام المدني الجديد أن يعيد الحياة لحنجرة العندليب الأسمر ومن كتب الأغنية ولحَّنها وأنشدها إلى الشعوب العربية برمتها.
إن الحياة التي أقصدها ليست استهلاكاً إعلامياً كما كانت في السابق بل توجهٍ ثقافي صارم ففي أوروبا المتقدمة يتم الاعتماد على مفاهيم العديد من الأغاني التي تنشر الثقافة الشعبية لأن الأغنية (النظيفة) الخالية من (نفاق) وأبواق الأنفاس النتنة،
يسهل على الطفل الأوروبي ترديدها وهو ذاهب إلى الحضانة أو المدرسة أو عائد إلى المنزل لكن لماذا لا يحفظ الطفل العربي أغاني العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الوطنية والثقافية وحتى العاطفية؟.
الجواب: نحن قتلناها والأسباب معروفة وعلى النظام المدني السياسي الجديد في مصر أن يبعثها من جديد