زاوية غائمة
الصومالي و"الجنس على الجنس رحمة"
تاريخ النشر : السبت ٧ يوليو ٢٠١٢
جعفر عباس
وقف خمستنا المبتعثون من السودان الى لندن لدراسة الفنون التلفزيونية في واجهة صالة القدوم في مطار هيثرو، ونحن لا نعرف كوعنا من بوعنا (إلى يومنا هذا لا أعرف بوعي)، فلا نحن نعرف مواقع الفنادق، ولا أحد في انتظارنا واستقبالنا في المطار، كما أن خوفي وترددي أمام السلم الكهربائي، أدى الى تأخير استكمالنا كمجموعة لإجراءات القدوم حتى غادر السودانيون الذين كانوا معنا على الطائرة المطار، ولولا ذلك لاستعنا بأحدهم ليدلنا على فندق نقيم فيه، أو "لو كان سودانيا أصيلا"، لاصطحبنا الى حيث يقيم، حتى يقيل الله عثرتنا بالتواصل مع المعهد الذي أتينا للالتحاق به، وكنا نعرف أنه خصص لنا أماكن للسكن، وكان قد رتب لاستقبالنا في المطار ولكننا تأخرنا في السفر الى لندن لأن حكومة المارشال جعفر نميري كانت قد أوقفت الرحلات الجوية بين الخرطوم ولندن في سياق احتجاجها على ما اعتبرته تغطية منحازة من إذاعة بي بي سي لعقابيل انقلاب عسكري فاشل في يوليو .1976
ثم وقف أمامنا شاب نحيل أسمر وتساءل: آر يو فروم سودان؟ أهااا بدأت حركات مجرمي لندن في استدراج البسطاء؟ ثم هل كل من هو أسمر "فروم سودان"؟ لماذا لم يفترض أننا أحباش أو إريتريون أو بوركينا فاسويون (كان اسمها وقتها فولتا العليا)؟ الغريب في الأمر أننا جميعا ودون اتفاق مسبق تجاهلنا سؤاله، مما يعني أننا جميعا أسأنا الظن به، فابتعد عنا قليلا ثم استدار راجعا وقال بالعربية: أنا صومالي، ولم أكن وقتها قد زرت منطقة الخليج ولهذا لم أكن أعرف أن بوس الرجال على الخدود "أوكي" (كنا نرى المصريين في الأفلام يعملونها وكنا نستنكر ذلك، لأن السوداني الأصيل لا يسمح حتى لأمه ببوسه بعد ان يتجاوز الخامسة) صافحناه بحرارة وشرحنا له ورطتنا، فقال إن لديه "فان" تتسع لنا جميعا، وإنه لابد لنا من جولة في منطقة بادنغتون/ لانكستر غيت حيث الفنادق التعبانة المناسبة لـ"مقامنا".. وتوكلنا على الله وركبنا الفان ونحن متوجسون من أنه قد يشطح في تقدير تسعيرة توصيلنا، ولم نستطع مناقشة الأمر بيننا لأن صاحبنا الصومالي كان يتحدث العربية والإنجليزية، ولم يكن بين المجموعة شخص غيري يتكلم اللغة النوبية، كي أتفاهم معه في "الموضوع".
وبعد رحلة طويلة وصل بنا الرجل الى شارع كله فنادق صغيرة، وصار يوقف سيارته بعد كل كذا متر، ليدخل فندقا ما ويخرج منه لأنه "غالي"، إلى أن دخل فندق "مايتر هوتيل" ثم خرج منه مبتسما وبشرنا بأن صاحب الفندق سأل عن جنسية الزبائن، ولما عرف أنهم سودانيون، قدم عرضا سخيا، أي سعرا رأى صاحبنا الصومالي إنه أكثر من معقول، وأنزلنا حقائبنا ووقفنا متوجسين في انتظار ان يطلب منا مبلغا مهولا نظير التوصيل، فإذا به يطلب مقابلا أقل من رمزي، فقلنا له إننا لا نعرف تسعيرة المواصلات في لندن ولكننا بالتأكيد نحس بأنه يطلب أقل مما يستحق بكثير،وخاصة أنه أمضى زمنا طويلا يطوف بنا بين الفنادق، ولكنه قال "نحن إخوان وأنتم طلاب علم وغرباء في هذا البلد ولا أريد منكم بالتالي أكثر مما طلبت".
ودخلنا نحن الشبان الأربعة غرفة مشتركة في الفندق حسب طلبنا (لضغط المصروفات)، بينما تم تخصيص غرفة خاصة لزميلتنا سعاد، وتنفسنا الصعداء، وكان الليل قد دخل فاستحممنا ونمنا لنبدأ في اليوم التالي جهود الاتصال بالمعهد الذي سنلتحق به لنعرف موقعه، وليتم نقلنا الى السكن المحجوز لنا سلفا، وكانت محاولات الاتصال تلك كما سنرى لاحقا امتدادا لـ"صدام الحضارات".
jafabbas19@gmail.com