الجريدة اليومية الأولى في البحرين


هوامش


التوثيق العلمي لجريمة الاغتيال

تاريخ النشر : السبت ٧ يوليو ٢٠١٢

عبدالله الأيوبي



منذ اليوم الأول لاستشهاد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يوم 11 نوفمبر 2004 اتجهت معظم أصابع الاتهام إلى أجهزة الاستخبارات الصهيونية بأنها تقف وراء جريمة الاغتيال بعد الحصار الذي ضربه الجيش الصهيوني على مقر الزعيم الراحل في مدينة رام الله، وخرجت أكثر من رواية عن الطريقة التي تمكنت فيها الأجهزة الصهيونية من قتل الزعيم الفلسطيني، الذي شكلت الكاريزما القيادية لهذا الزعيم التاريخي للنضال الوطني الفلسطيني واحدة من العقبات التي حاول الكيان الصهيوني إزالتها من الطريق، فلم يكن متصوَّرا أن يترك الكيان الشهيد ياسر عرفات من دون منغصات أو مضايقات، وصولا إلى الهدف الأكبر وهو إزاحته نهائيا عن الساحة السياسية.
أكثر من ثماني سنوات مضت على اغتيال صاحب المقولة الشهيرة بخصوص الشعب الفلسطيني التي كان الراحل يكررها كلما صعد العدو من عدوانه وجرائمه ضد هذا الشعب الأعزل، فكان عرفات يواجه الغطرسة الصهيونية بمقولة: "هذا شعب الجبارين"، خلال السنوات الثماني التي لم يتم طي صفحة الجدال ولم تدحض الشكوك المثارة حول حقيقة الغياب المفاجئ للزعيم الفلسطيني، وإن صاحب تلك الفترة حالة من الهدوء، لكن هذا الهدوء سرعان ما بدده معهد الفيزياء الإشعاعية بمدينة لوزان السويسرية الذي أعلن وجود مستويات عالية من مادة "البلوتونيوم" المشع والسام على مقتنيات شخصية للزعيم الفلسطيني.
هذه المعلومات الحديثة التي تشير إلى ضلوع "طرف ما" في اغتيال الزعيم الفلسطيني، دفعت بالرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الموافقة على فحص رفات الزعيم الراحل مع الاستعانة بالخبرات العربية والدولية العلمية للوقوف على حقيقة الأسباب التي أدت إلى استشهاد الزعيم الفلسطيني، وهي خطوة مهمة من جانب الزعيم الفلسطيني، بحيث تظهر للعالم حقيقة الجرائم التي يقف وراءها الكيان الصهيوني، ومع أن إظهار الحقيقة لن يغير شيئا من الناحية القانونية، أي أن أي محاسبة لن يتعرض لها قادة العدو، إلا أنه من المهم تدوين هذه الجريمة في سجلات الجرائم التي ينفذها العدو ضد الشعب الفلسطيني وقياداته.
يحمل الكشف عن حقيقة الجريمة التي تعرض لها الزعيم الفلسطيني الراحل معاني في غاية الأهمية بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني، فياسر عرفات يمثل حقبة مهمة في تاريخ النضال الوطني الفلسطيني، إضافة إلى المكانة التاريخية التي يمثلها، فهو الزعيم البراجماتي الذي استطاع مواجهة مختلف التقلبات السياسية التي عصفت بالمنطقة العربية وأظهر براعة فائقة في الإمساك بخيوط العلاقات مع مختلف الدول العربية، وإن كانت هذه العلاقات مرت بمنخفضات انعكست على علاقات منظمة التحرير الفلسطينية مع عدد من الدول العربية.
فالحقبة التي قاد فيها ياسر عرفات نضال الشعب الفلسطيني اتسمت بمتغيرات جذرية على الساحتين العربية والدولية، فكان الزعيم الراحل دائما في محاولة مستمرة للحفاظ على علاقات منظمة التحرير مع جميع الدول العربية من منطلق الحفاظ على الدعم السياسي والمعنوي والمادي الذي كان النضال الفلسطيني في أمس الحاجة إليه في مختلف مراحله، فالعلاقات العربية العربية شهدت خلافات عميقة بين الدول العربية، كانت انعكاسا للصراعات السياسية على الساحة العربية بين القطبين العالميين في تلك الفترة، وهما المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي.
ليست الشكوك حول ضلوع الكيان الصهيوني في اغتيال الزعيم الراحل ياسر عرفات مبنية على قاعدة العداء التاريخي الذي تأصل في قلوب مئات الملايين من الجماهير العربية تجاه هذا الكيان، وإنما مردها إلى سجل الكيان الصهيوني الحافل بالجرائم البشعة التي ارتكبها منذ قيامه على أرض فلسطين عام 48 والتي لم تنحصر في المحيط الجغرافي الفلسطيني بل تعدت ذلك إلى المحيطين العربي والدولي، فجرائم الاغتيالات التي نفذها العدو ضد المناضلين الفلسطينيين في الدول العربية والأجنبية لا حصر لها.
من المهم عدم ترك جريمة اغتيال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تمر من دون توثيق علمي، فيجب استغلال ما كشف عنه المعهد السويسري استغلالا علميا صحيحا بحيث تضاف مساهمة أخرى تثبت الاتهامات الموجه للعدو الصهيوني وضلوعه في الجرائم والأعمال الإرهابية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني طوال تاريخ الصراع الذي دفع خلاله الشعب الفلسطيني مئات الآلاف من الشهداء ومثلهم الجرحى المعوقين، إلى جانب آلاف الأسرى الذين تعج بهم سجون العدو.