الجريدة اليومية الأولى في البحرين

العدد : ١٢٥٢٥ - الأحد ٨ يوليو ٢٠١٢ م، الموافق ١٨ شعبان ١٤٣٣ هـ
(العودة للعدد الأخير)

قضايا و آراء


المسلمون.. بين الوحدة والتوحيد





الأمة الإسلامية هي الأمة الوحيدة التي تملك معنى التوحيد الخالص، بينما الأمم الأخرى تجعل لله تعالى شركاء من البنين والبنات، اليهود نسبوا الولد إلى الله تعالى: «وقالت اليهود عزير ابن الله...».

ونسب النصارى الولد إلى الله تعالى: «وقالت النصارى المسيح ابن الله...».

ونسب المشركون البنات إلى الله تعالى وهم الملائكة، فقال تعالى عن هؤلاء وأولئك: «وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون» (التوبة/٣٠).

بينما المسلمون يؤمنون بما قاله الله تعالى عن ذاته العلية: «قل هو الله أحد(١) الله الصمد(٢) لم يلد ولم يولد(٣) ولم يكن له كفوا أحد(٤)» سورة الإخلاص.

فأين هذا التوحيد الخالص من كل شائبة، وتوحيد أولئك المدنس بكل أنواع الدنس والشرك سواء كان بالأولاد: بنات وبنين، أو كان هذا الشرك بالآلهة التي لا تملك لنفسها ضرا ولا نفعا، فضلا عن أن تملك لغيرها ذاك الضر أو هذا النفع؟

الأمة الإسلامية هي وحدها دونما غيرها التي يخاطبها مولاها سبحانه وتعالى في غير ما آية بقوله عز شأنه:

«يا أيها الذين آمنوا...»، وهذا تشريف لا يدانيه تشريف، وتكريم وتقدير لم يتحققا لأمة من الأمم قبل أمة الإسلام، ذلك لأنها أمة التوحيد الخالص بلا منازع، وهي أمة العمل الصالح.

وهي الأمة التي أرادها الله تعالى أن تكون من حظ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأن يكون هو (صلى الله عليه وسلم) من حظها، وجعل لها نصيبا مفروضا من كل تكريم وتقدير جعله لرسوله (صلى الله عليه وسلم).

هي أمة البلاغ: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...» (سورة آل عمران/١١٠).

وهي أمة الشهادة: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا...» (سورة البقرة/ ١٤٣).

ولأنها كذلك، فهي باقية ما بقي الزمان والمكان، ولا يصح، بل لا يجوز أن تموت الأمة، وأن تُقبر قبل وفائها بالبلاغ والشهادة، لأن بموت الشاهد تموت القضية، أي قضية بلاغ الأنبياء (صلوات ربي وسلامه عليهم جميعا) لأقوامهم، وهذا محال.

ولأن الإسلام هو آخر الرسالات السماوية، وشريعته آخر الشرائع الإلهية، ولأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو آخر الرسل والانبياء الكرام، ولأن القرآن الكريم هو آخر الكتب الإلهية المنزلة من لدن الحق سبحانه وتعالى، ولأن الأمة الإسلامية هي آخر الأمم، من أجل كل ذلك، فإن المسلمين باقون ما بقي الزمان والمكان، قد يعتريهم الضعف، وقد تتناوشهم الأمراض، وقد يدخلون غرفة العناية المركزة، ولكنهم لا يموتون، وسوف يبقون أمة بلاغ وأمة شهادة.

ولأن توحيدهم لله تعالى خالص من كل شائبة من شوائب الشرك، فإن سلوكهم وتصرفاتهم يجب أن يكونا خالصين من أي شائبة تشوبهما، أو أي دنس يدنسهما، وحري بأمة بلغت ما بلغت من صفاء العقيدة أن تكون كذلك في صفاء سلوكها وتصرفاتها.

نعم كلمة التوحيد تقتضي وحدة الكلمة، هذا ما يجب أن يرفعه المسلمون شعارا في حياتهم، ويعملوا من أجل تحقيقه واقعا في كل جانب من جوانب هذه الحياة.

هم كما يتوحدون في عقيدتهم هم متوحدون في عباداتهم، وهم كذلك فيما يأتون ويدعون من الحلال والحرام في مأكلهم، ومشربهم، وملبسهم، ومسكنهم، وفيما يقولون أو يفعلون.

يقفون في الصلاة خلف إمام واحد يكبرون إذا كبّر، ويركعون إذا ركع، ويسجدون إذا سجد، ويسلمون إذا سلم.

وهم في رمضان يصومون في وقت واحد، ويفطرون في وقت واحد.

وهم في الحج يحجون في وقت واحد، ويطوفون حول بيت واحد، ويسعون في مكان واحد، ويرمون الجمرات في مكان واحد.

وهم يزكون بنسبة واحدة، وبأقدار واحدة في التجارة والأنعام والزروع.

ولهم لغة واحدة يتكلمون بها، هي العربية لغة القرآن العظيم.

ولهم تاريخ واحد، وحضارة واحدة، ومصير مع أعدائهم واحد.

عاداتهم، وتقاليدهم، واعرافهم، تكاد تكون واحدة إلا في شيء يسير في أدق تفاصيلها.

أمة هذا شأنها، وهذه هي قسماتها، وهذه هي قواسمها، كيف يُستنكر عليها أن تسعى إلى الوحدة، وأن تقرع طبول الفرح حين يسعى قادتها وزعماؤها إلى الوحدة بعد الفرقة، وإلى التجمع بعد التمزق، وإلى التنسيق في ظل تضارب المصالح، وخاصة أنها ليست بدعا بين الأمم، وأن ما تسعى إليه هو ما سعى إليه غيرها من الدول التي لا تملك كل هذه القواسم المشتركة، وها هم متحدون، وفيما بينهم متفقون، وعلى تحقيق مصالحهم متعاونون؟

اما أمة الإسلام، فهم لا يريدون لها الخير وهذا حقهم الذي لا نجادلهم فيه، فهم يرون أن بقاء مصالحهم ودوامها لا يتحققان إلا في القضاء على مصالحنا وتعطيل حركة التنمية في بلادنا.

إنهم يعملون ليلا ونهارا من أجل تعويق مسيرتها، ووضع العقبات في طريقها، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية بين صفوف أبنائها، حتى لا تقوم لها قائمة، ولا يستوي لها بنيان، ولا ترفع لها راية، وهذا شأنهم وليس لنا أن نشغل أنفسنا بلومهم، بل يجب أن ننشغل بأنفسنا وبما يصلح من شأننا، وأن نحرص على ألا ندع ثغرة ينفذ منها أعداؤنا للكيد لنا، وإضعاف قوتنا، وتمزيق وحدتنا.

ما بالنا نتفرق ونتمزق وما يجمعنا ويوحدنا أكثر مما يجمعهم ويوحدهم؟

ما بالنا تحرص كل دولة على مصلحتها الخاصة حتى لو كان في ذلك تفويت لمصالح الأمة مجتمعة!

لماذا نتنافس في إقامة المشاريع المتشابهة، ولا نوحد هذه المشاريع بحيث لا نمكن أعداءنا من التلاعب بنا، وأخذ منتجاتنا بأرخص الأسعار؟

لماذا لا نتعاون على البر والتقوى كما يفعل غيرنا، وها هم يحصدون ثمرات هذا التعاون تنسيقا في الأدوار، وتفاهما في المواقف، ورخصا في السلع التي يشترونها منا، وأهم سلعة يأخذونها منا بالسعر الذي يريدون هي النفط الذي تقوم عليه حياتهم، وتعتمد عليه حضارتهم؟

هل التعاون والاتحاد، بل الوحدة، حلال عليهم، وحرام علينا؟

هل التنسيق في الأدوار، والتفاهم في المواقف، والدفاع عن المصالح، مشروعة لهم، وغير مشروعة لنا؟

أسئلة نطرحها على قادتنا وحكامنا وننتظر منهم الإجابة الشافية عنها، وبعد الإجابة ننتظر منهم أن تتحفز هممهم للنهوض إلى ما يعيد لهذه الأمة مجدها الغابر، وقوتها الضائعة، وتميزها الذي طالما اشتهرت به بين أقرانها.

moc.liamg@halafniblaa



.

نسخة للطباعة

الأعداد السابقة