الجريدة اليومية الأولى في البحرين


يوميات سياسية


خمسة أطنان؟!! .. ما معنى هذا؟

تاريخ النشر : الأحد ٨ يوليو ٢٠١٢

السيد زهره



حين اعلنت السلطات الامنية اكتشاف خمسة اطنان من مواد صنع المتفجرات في عدة اماكن، كان من المفروض ان يشعر الكل في المجتمع بلا استثناء بالصدمة، ايا كانت انتماءاتهم او مواقفهم السياسية. ذلك ان هذا بداهة تطور في منتهى الخطورة.
.. خمسة اطنان من مواد صنع المتفجرات؟!
.. ماذا يعني هذا بالضبط؟
من حيث الحقائق المجردة، يعني هذا بالضرورة ما يلي:
1 – يعني ان هناك قوى في المجتمع تفكر وتخطط لاحداث دمار واسع النطاق في البلاد والقيام بعمليات ارهابية كبيرة. معناه ان هذه القوى تريد ان تحول دون ان تشهد البلاد أي أمن أو أي استقرار.
وهذه القوى لم تفكر وتخطط فقط، وانما شرعت بالفعل في التنفيذ. أي اننا ازاء خطر ارهابي ماثل وليس افتراضيا.
2 – ويعني ان هذه القوى في تفكيرها وتخطيطها تريد ان تنتقل بالعنف في المجتمع الى مستوى جديد خطير. تريد ان تنتقل من عنف المولوتوف والحرق وما شابه ذلك الى مستوى التفجيرات الواسعة النطاق .
ولهذا، كان وزير الداخلية محقا تماما عندما اعتبر ان اكتشاف هذه الكمية الرهيبة من المواد المتفجرة هو «تصعيد نوعي خطير» في العنف والارهاب.
3 – واكتشاف هذا الكم المفزع من المواد المتفجرة يعني اننا لسنا ازاء عدد محدود من الافراد يصنعون قنابل مولوتوف ومواد متفجرة، وانما نحن بالضرورة ازاء شبكة واسعة.. شبكة تضم من يفكرون ويخططون لأعمال العنف والارهاب، ومن يقومون بالتمويل، ومن يقومون بالتصنيع، ومن يقومون بتوفير اماكن الاخفاء والايواء، ومن يقومون بالتنفيذ بعد ذلك.. وهكذا.
4 – ويعني هذا أننا ازاء ظاهرة نوعية خطيرة لا نعرف ابعادها بالضبط حتى الآن، وهناك الكثير من التساؤلات بحاجة الى اجوبة.
نحن بحاجة الى ان نعرف، من هم المتورطون في هذه الشبكة بالضبط؟.. ما الذي يفكرون فيه ويخططون له؟؟.. من الذين يمولونهم؟.. من الذي يوفر لهم خبرات التدريب وتصنيع هذا الكم الرهيب من المتفجرات ؟.. هل لهم روابط وارتباطات خارجية ام لا؟.. وهكذا.
بالطبع، نحن بانتظار اكتمال التحقيقات كي نعرف اجابات عن هذه التساؤلات وغيرها.
لكن هناك اسئلة جوهرية مهمة اخرى مرتبطة بالقضية، نحن نعرف بالفعل اجاباتها.
نعني بالذات اسئلة من قبيل: من المسئول بالضبط عن وصول خطر العنف والارهاب الى هذا الحد المفزع؟.. أي نوع من الافكار والمواقف اوصلتنا الى هذا؟
ثلاثة جوانب اساسية هنا لا بد من اثارتها بوضوح، وهي مسئولة عن الوصول الى هذا الوضع الخطير.
1 – النزعة الطائفية المتطرفة من جانب كل القوى بلا استثناء، والتي ارتبط بها بالضرورة تراجع قيمة مصلحة الوطن، وقيمة الحفاظ على امنه واستقراره.
2 – القوى التي لم تتورع ابدا طوال الاشهر الماضية عن التحريض المباشر على العنف في خطابها الديني والسياسي والاعلامي، والتي اعتبرت ان هذا العنف وتصعيده اداة سياسية مشروعة لفرض مطالبها على الدولة والمجتمع.
3 – عجز المجتمع كله بكل قواه ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية عن مواجهة غول الطائفية، وعن مواجهة قوى التطرف والعنف، ومواجهة الفكر المتطرف.
على ضوء هذه الجوانب الثلاثة، فان وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، كان على حق تام حين قال التالي بعد اكتشاف هذه الجريمة الكبرى:
قال: «إننا اليوم ملزمون بالتعرف على تلك الثغرة في منظومتنا الامنية الوطنية التي تسرب من خلالها هذا الفكر الاجرامي الخطير وتحديدها للعمل على راب الصدع ونشر ثقافة وطنية تجاه هذا التطرف الاجرامي الخطير وعلى دوافعه والمحرضين عليه والمنفذين له وما يترتب عليه من آثار سلبية على الامن والاستقرار والنماء والتقدم».
المعنى الجوهري الذي يريد الوزير تأكيده ولفت الانظار اليه، وعن حق تام، واضح هو، ان مواجهة هذا الخطر الداهم ليست مسئولية امنية وحسب.. ليست مسئولية اجهزة الامن وحدها.. هي مسئولية كل قوى المجتمع المطالبة بأن تتعرف على الثغرات التي منها نفذ هذا الخطر وتسعى الى سدها، والمطالبة بأن تتصدى لفكر التطرف الذي منه يتم تفريخ المتطرفين ، ومنه تنبع مثل هذه العمليات الاجرامية.
ومن هذا المنطلق تحديدا، وللأسف الشديد فان رد فعل كل القوى في المجتمع بلا استثناء في اعقاب اعلان هذا الاكتشاف الخطير لم يكن ابدا عند مستوى الخطر.
كان مفترضا كما قلنا في البداية ان تشعر كل قوى المجتمع بالصدمة، وان تهب ليس فقط لادانة هذا الاجرام، وانما ان تفتح نقاشا موسعا عاما حول هذه الظاهرة الخطيرة واسبابها ودوافعها وكيف يواجهها المجتمع.
لكن شيئا من هذا لم يحدث وكأننا ازاء تطور عادي جدا لا يستحق التوقف عنده مطولا.
وعلى اية حال ، ومع التقدير الواجب لأجهزة الامن للدور الذي لعبته في هذه القضية، فاننا اولا بانتظار معرفة النتائج الكاملة للتحقيقات وما سوف تكشف عنه. ونحن في انتظار ان تعي قوى المجتمع المختلفة ما ينطوي عليه هذا التطور الجديد من خطورة بالغة وتتصرف على هذا الأساس.