الجريدة اليومية الأولى في البحرين


مقالات


تطـــور خـــطير.. لماذا لا تتحرك وزارة الخارجية؟

تاريخ النشر : الاثنين ٩ يوليو ٢٠١٢



كتبت مرات كثيرة من قبل أنبه إلى الأهمية القصوى لأن تتابع دول مجلس التعاون الخليجي وخصوصا البحرين، عن كثب المحادثات النووية التي تجريها إيران مع أمريكا والدول الأخرى في مجموعة 5+.1
وشرحت مرارا سبب ذلك، وهو ان إيران تصر على ان تطرح في مرحلة من مراحل المحادثات مناقشة ما تسميه القضايا الإقليمية مع الدول الكبرى، التي هي كلها قضايا عربية.
وقلت انه لو حدث وقبلت أمريكا والدول الكبرى الاخرى هذا المطلب، فسوف يكون هذا تطورا في غاية الخطورة.
أعود إلى هذه القضية لأن تطورا اعتبره خطيرا حدث.
***
الوثيقة الإيرانية
كما نعلم، عقدت مؤخرا جولة من جولات المحادثات النووية بين إيران ومجموعة 5+1 في موسكو. إيران قدمت في هذه المحادثات وثيقة تقع في 10 صفحات تتضمن الرؤية والمواقف والمقترحات الإيرانية للمحادثات وللتعاون مع الدول الكبرى. وقد حرصت على قراءة النص الكامل للوثيقة بعناية.
الوثيقة تحمل عنوان «بعض الحقائق المتعلقة بمحادثات إيران النووية مع 5+1»، مع عنوان فرعي هو «إطار لحوار شامل وهادف من اجل التعاون بعيد المدى بين الدول السبعة».
كما ذكرت، الوثيقة تطرح الرؤية الإيرانية للقضايا المختلفة التي تتناولها المحادثات، ولأوجه التعاون بين إيران والدول الست سعيا للوصول إلى اتفاق ينهي المسألة النووية الإيرانية.
والوثيقة تقسم القضايا التي تقترح ان تتناولها المحادثات وتكون موضعا للتعاون، إلى قسمين: قضايا نووية، وقضايا غير نووية كما تسميها.
لا يعنينا هنا ما تتضمنه الوثيقة من تصورات ومواقف إيرانية مقترحة فيما يتعلق بالقضايا النووية، أي القضايا التي تتعلق مباشرة بأزمة البرنامج النووي الإيراني وأبعادها المختلفة.
الذي يعنينا هو ما تتضمنه الوثيقة فيما يتعلق بما تسميه «القضايا غير النووية» والتي تطلب الوثيقة ان تكون موضوعا للمحادثات مع الدول الست وللتعاون معها.
تنص الوثيقة في هذا الصدد على ما يلي:
«من اجل توسيع نطاق وأبعاد الثقة، ومن اجل العمل على أسس من المصالح المشتركة في المجالات غير النووية، فان الأطراف توافق على بدء تعاونها في القضايا التالية:
} أولويات جمهورية إيران الإسلامية: القضايا الإقليمية، وخصوصا سوريا والبحرين.
} أولويات 5+1: مكافحة القرصنة ومواجهة أنشطة المخدرات».
هذا هو ما نصت عليه الوثيقة الإيرانية.
ما الذي يعنيه هذا بالضبط؟
***
ما معنى هذا؟
ما الذي يعنيه ان تتضمن الوثيقة الإيرانية التي قدمت رسميا إلى الدول الكبرى الست في محادثات موسكو هذا النص؟
بداية، يعني هذا ان إيران تعطي لنفسها الحق في ان تتحادث هي او تتفاوض مع الدول الكبرى حول القضايا الإقليمية العربية، وحول الأوضاع والتطورات الداخلية في البحرين خصوصا.
بداهة، هذا في حد ذاته اعتداء سافر صريح على استقلال وسيادة البحرين.
وإيران لديها أهداف استراتيجية خطيرة معروفة من وراء هذا الذي تضمنته الوثيقة، وسبق لي ان عالجت ذلك تفصيلا في تحليلات سابقة. لكن نؤكد خصوصا على الجوانب التالية:
1 - إيران بإصرارها على إدراج هذه القضايا الإقليمية في صلب المحادثات، تريد ان تنتزع من الدول الكبرى اعترافا بأن إيران هي القوة العظمى التي تتحكم في مقدرات المنطقة، وان أي حل لقضايا المنطقة لابد ان يمر بالضرورة عبر البوابة الإيرانية.
ولو ان الدول الست المشاركة في المحادثات النووية قبلت بهذا المطلب الإيراني بادراج القضايا الاقليمية في صلب المحادثات، فسيحمل ذلك صراحة وليس ضمنا هذا الاعتراف الذي تريده إيران.
2 - وإيران تريد بهذا الإصرار، ان تكون القضايا العربية ورقة مساومة وابتزاز للدول الكبرى، وجزء من أي صفقة مع الغرب حول ملفها النووي.
بعبارة أخرى، تريد إيران ان تقايض قضايا ومصالح عربية بتنازلات تحصل عليها من أمريكا والدول الغربية في قضية ملفها النووي وعلاقاتها مع الغرب عموما.
بعبارة اكثر وضوحا، تريد إيران ان تقنع الدول الغربية بأن لديها من النفوذ والقدرة ما يمكنها من التعاون مع الغرب وحل كثير من مشاكله في المنطقة في مقابل تنازلات تحصل عليها، وفي مقابل الاعتراف بأنها قوة مهيمنة في المنطقة والتعامل معها على هذا الاساس.
3 - وفيما يتعلق بالبحرين بالذات، فان الأمر ينطوي على أبعاد في غاية الخطورة كما أشرت قبل قليل.
القضية هنا ليست فقط ان هذا الذي طرحته إيران في وثيقة رسمية ينطوي على تدخل وانتهاك سافر لسيادة واستقلال البحرين. لو ان الدول الكبرى وافقت فرضا على ما طرحته إيران.. لو وافقت على ان تناقش مع إيران اوضاع البحرين الداخلية كجزء من المحادثات معها، فسوف تعتبر إيران ذلك بمثابة إقرار بحقها في التدخل في الشئون الداخلية للبحرين، وسوف تترتب على ذلك تبعات سياسية كارثية اقلها اعطاء دفع جديد للقوى الطائفية التابعة لإيران في البحرين ولمشروعها الطائفي المعروفة أبعاده.
***
ماذا حدث؟
المسألة الأساسية هنا ليس ما تطلبه إيران وما تطرحه في مثل هذه الوثيقة التي قدمتها إلى الدول الكبرى.
المسألة الأساسية هي، ما هو موقف هذه الدول الست مما طرحته إيران وما طالبت به.. هل يمكن ان توافق عليه أم لا؟
وكالة انباء فارس الإيرانية زعمت في تقرير لها عن محادثات موسكو ان الدول الكبرى وافقت بالفعل على اقتراحات إيران المتعلقة بقضايا الأمن الاقليمي بما في ذلك العراق وسوريا والبحرين ووافقت على التعاون مع إيران في هذه القضايا.
لكن اشك كثيرا في ان يكون هذا هو ما حدث بالفعل.
على الأقل بحكم التقارير الكثيرة التي حرصت على قراءتها حول ما جرى في محادثات موسكو، لم أجد أي إشارة على الإطلاق من أي طرف مشارك، ولا حتى من جانب المراقبين الذين تابعوا المحادثات، إلى ان الدول الكبرى وافقت على هذا المطلب الإيراني.
غير هذا، لاحظت ان كل المحللين والمراقبين الذين كتبوا عن المحادثات اجمعوا على ان المقترحات والمطالب الإيرانية بهذا الشأن هي غير واقعية على الإطلاق ولا علاقة لها بجوهر المحادثات، أي أزمة الملف النووي الإيراني.
ومع ذلك، علينا ان نأخذ بعين الاعتبار ما يلي:
1 - إننا لا نعلم حقيقة تفاصيل ما جرى في محادثات موسكو غير التفاصيل القليلة التي تم إعلانها.
بعبارة أخرى، نحن لا نعلم ماذا كان موقف الدول الكبرى فعلا مما طالبت به إيران، وهل وافقت عليه أم لا.
2 - انه بشكل عام، فان أمريكا والدول الكبرى ان هي قررت في أي وقت التوصل إلى صفقة مع إيران تنهي الأزمة معها، فلن يكون مستبعدا أبدا ان يكون قبول هذا المطلب الإيراني جزء من هذه الصفقة.
وعلينا ألا ننسى هنا ان أمريكا بالذات لديها مشروعها المشبوه في المنطقة، وان أحاديث الصفقة والتواطؤ المحتمل مع إيران ليست جديدة، وان هناك تيارات قوية في أمريكا تدعمها وتدعو إليها.
***
المطلوب
إذن، على ضوء هذا كله ليس من المبالغة ما قلناه من اننا إزاء تطور نعتبره خطيرا، وهو بالفعل كذلك. هو خطير بالنسبة الى دول مجلس التعاون عموما، وبالنسبة إلى البحرين بصفة خاصة.
ولهذا، لنا ان نتساءل: لماذا لا تتحرك وزارة الخارجية في البحرين في مواجهة هذا التطور؟
هذا التحرك مطلوب بإلحاح، ليس فقط لأن إيران طرحت في وثيقة قدمتها رسميا إلى الدول الكبرى هذه المطالب السخيفة المستفزة، وإنما تحسبا لأي تطورات يمكن ان تحدث مستقبلا من جانب الدول الكبرى لا تكون في صالحنا.
وفي تقديرنا ان المطلوب في هذا الصدد أمور محددة هي على النحو التالي:
أولا: وقبل كل شيء، لا بد ان تطرح وزارة الخارجية هذه القضية في إطار مجلس التعاون الخليجي، وان تسعى ليكون الموقف منها موقفا موحدا، فهي كما نرى قضية تعني كل دول المجلس وليس البحرين وحدها.
ثانيا: مطلوب ان تحتج وزارة الخارجية رسميا لدى إيران على هذا الذي ورد في وثيقتها فيما يتعلق بالبحرين.
لا بد من هذا الاحتجاج الرسمي، فكما ذكرت مجرد ان تطلب إيران ان تناقش قضايا البحرين الداخلية مع الدول الكبرى هو في حد ذاته انتهاك للسيادة وللأعراف والقوانين الدولية.
لا بد ان تعرف إيران وتعرف الدول الكبرى ان ما فعلته إيران مرفوض جملة وتفصيلا وانه خرق لكل قوانين وأعراف العلاقات.
ولا بد من إبلاغ هذا الاحتجاج الرسمي إلى الأمم المتحدة رسميا.
ثالثا: ان وزارة الخارجية لا بد ان تجري اتصالات عاجلة مع الدول الكبرى الست التي تشارك في المحادثات النووية مع إيران، والاستفسار منها بشكل رسمي عن حقيقة ما جرى في محادثات موسكو، وعن حقيقة مواقفها من هذه المطالب الإيرانية.
رابعا: انه في كل الأحوال، وأيا كان ما جرى، لا بد ان تقوم البحرين ومعها كل الدول مجلس التعاون بإبلاغ الدول المشاركة في المحادثات مع إيران، وبشكل حازم ان دول المجلس ترفض رفضا قاطعا وفي كل الأحوال ان تناقش قضاياها في أي محادثات مع إيران، الدولة الأجنبية التي لا علاقة لها بقضايانا العربية.
يجب إبلاغ هذا بشكل قاطع رسميا إلى الدول الكبرى، وان دول المجلس سيكون لها موقف حازم من هذه الدول ان هي رضخت في أي ظرف للمطالب الإيرانية.
***
هذا هو ما نرى انه يجب عمله في مواجهة هذه الخطوة العدوانية الإيرانية.
نقول هذا وقد قرفنا إلى أقصى حد وفاض بنا الكيل من العدوانية والأوهام العنصرية التوسعية الإيرانية.
ومن المعيب جدا ان تصمت دول مجلس التعاون الخليجي عن محاولات دولة عنصرية طائفية حاقدة، اقتصادها منهار وتتخبط في أزماتها ومشاكلها الداخلية ومع العالم، لأن تعالج أزماتها على حسابنا وعلى حساب قضايانا ومصالحنا.