دراسات
هل السودان على حافة الإفلاس الاقتصادي والسياسي؟
تاريخ النشر : الاثنين ٩ يوليو ٢٠١٢
الخرطوم- من: أورينت برس
فيما تحاول الحكومة السودانية تطبيق ما تسميه المعالجات الاقتصادية لتجنيب البلاد الوقوع في فخ الإفلاس، ليس المالي فحسب بل ايضاً العسكري والسياسي، يبدو ان قيادات الخرطوم لاتزال تتجاهل التظاهرات الاحتجاجية التي خرجت في الاسابيع الاخيرة تعبيرا عن الضيق الاقتصادي والمعيشي الذي يعانيه السكان.
التظاهرات انطلقت من بعض الجامعات، مبشرة بربيع عربي على الطريقة السودانية، فبعد انفصال جنوب السودان ذهبت نحو 70 في المائة من إيرادات البترول من العملة الصعبة بذهاب أهم الحقول المنتجة لصالح الدولة الجديدة.. ليس هذا فحسب إذ إن تدهور العلاقات مع جوبا حتى مرحلة المواجهة العسكرية، حرم الخرطوم من إيرادات إيجار خط الأنابيب لتصدير بترول الجنوب فضلا عن أن احتلال منطقة هجليج النفطية من قبل جوبا أدى إلى تدمير متعمد للمنشآت النفطية فيها، وهجليج تنتج أكثر من نصف إنتاج البترول السوداني عقب الانفصال. وبالتالي فإن كل تلك المعطيات جعلت الخرطوم تستورد البترول لتغطية حاجتها المحلية بعد ما كانت مصدرة له، مما اضطرها إلى إلغاء الدعم عن المحروقات وهو ما يثير موجات احتجاجية.
اليوم، تشتري الخرطوم البترول بالسعر العالمي الذي يقارب مائة دولار للبرميل الواحد ثم تبيعه بواقع 45 دولارا للمستهلكين بالداخل، أي أن الحكومة تدعم برميل البترول بنحو 55 دولارا تقريباً. وفي ظل شح العملات الصعبة فإن استمرار دعم المحروقات سيؤدي بالدولة إلى حالة الإفلاس.
«أورينت برس» أعدت التقرير التالي:
كما هو حال العديد من التظاهرات والثورات العربية، انطلقت التظاهرات السودانية من مطالب اقتصادية بحتة، حيث تزامنت مع إعلان ما سمته الحكومة حزمة الإجراءات الاقتصادية. لكن التظاهرات يتسع نطاقها بما بات يهدد نظام حكم عمر البشير.
إسقاط الحكومة
وبالتزامن مع قيام التظاهرات احتجاجا على الاوضاع الاقتصادية والإجراءات التي قررت الحكومة اتخاذها لمواجهة العجز المالي، قامت السلطات السودانية بتصعيد حملتها ضد المدونين، والصحفيين، ووسائل الإعلام، إذ ان ذلك يأتي في إطار سياسة التعتيم الإعلامي التي يمارسها النظام على الانتفاضة المستمرة منذ أسابيع قليلة، وقامت السلطات السودانية بجملة من الانتهاكات التي يصعب حصرها، لكثرتها، وتناثر الأخبار، ووقوعها في فترة زمنية قصيرة.
وشملت تلك الانتهاكات اعتقال عشرات المدونين، وترحيل بعض الصحفيين الأجانب، ومصادرة صحف وحجب مواقع إخبارية مهمة.
ورصدت التقارير عبر مواطنين في الخرطوم حجب ثلاثة مواقع (على الأقل) إخبارية وتفاعلية مهمة، بدءا من 25 يونيو، منها موقع الحرية السوداني وسودانيز أونلاين. علما ان هذه المواقع تحظى بشهرة كبيرة لدى أبناء السودان، ويعتبر موقع سودانيز أونلاين منبراً للمعارضة السودانيين، ومحطة مهمة لتفاعل الرأي العام السوداني.
وبالإضافة إلى ذلك، جرى اعتقال العديد من المدونين منذ بدء الانتفاضة الشعبية، التي يمثل طلاب الجامعات حجر الزاوية فيها، وخاصة في الخرطوم وأم درمان. وكان آخر المدونين المعتقلين الناشطة مها السنوسي التي اعتقلت من منزلها بعد اقتحامه بواسطة قوة من 14 جنديا تابعين لجهاز الأمن والمخابرات، قبل أن يتم الإفراج عنها في صباح اليوم التالي.
كما قامت السلطات السودانية بترحيل الصحفية المصرية في وكالة بلومبيرغ الإخبارية الاقتصادية سلمى الورداني، حيث قامت فجأة باصطحابها إلى المطار قسريا، ولم تترك لها الفرصة الكافية لحزم حقائبها وأغراضها، ومنعت من الاتصال بأي جهة حتى صعودها إلى الطائرة.
وفي الفترة القصيرة السابقة على اشتعال الاحتجاجات الحالية، سبق لجهاز الأمن السوداني أن أوقف صحيفتي رأي الشعب والتيار عن الصدور، كما داوم على مصادرة صحف الميدان، والجريدة، والصحافة، وصحف أخرى لأسابيع طويلة خلال الأشهر الماضية.
الرقابة على الصحف
وأكد صحفيون ان ما يسمى «فرع الرقابة على الصحف» في جهاز الأمن السوداني كان قد أصدر تعليمات بوقف عدد من الكتاب عن الكتابة في الصحف، أبرزهم الدكتور الطيب زين العابدين، والأساتذة حيدر المكاشفي، فايز السليك، زهير السراج، رشا عوض، أبوذر علي الأمين، خالد فضل، أمل هباني، أشرف عبدالعزيز، الطاهر أبوجوهرة، عثمان شبونة.
وفي ظل التعتيم الإعلامي الكبير الذي تمارسه السلطات، نجح الشباب السوداني في نقل ما يحدث على الأرض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تويتر والفيس بوك ويوتيوب، وبث نشطاء سودانيون مقاطع فيديو على موقع يوتيوب تظهر تنفيذ حكم الجلد في بعض المتظاهرين الذين حكم عليهم بالجلد في محاكمات ملتبسة، بعد القبض عليهم بساعات.
وخلال الأيام القليلة الماضية اعتقلت السلطات مئات النشطاء والمتظاهرين، ورغم أن أكثرهم يتم إطلاق سراحه بعد ساعات أو أيام قليلة، فإن كثيراً منهم روى تفاصيل عن إهانته وتعذيبه وضربه ساعات، كما تعرض عشرات آخرون لمحاكمات غير عادلة، وطالب الصحفيون والحقوقيون السودانيون جميع المعنيين من وسائل إعلام وناشطين حقوقيين بتكثيف تسليط الضوء لكشف الانتهاكات التي يقوم بها النظام السوداني، وإفشال محاولة التعتيم الإعلامي التي يحاول النظام ممارستها.
وحذروا من استمرار بل تصاعد الاعتقالات، وخصوصا ان الشهادات المتواترة تثبت استخدام السلطات الرصاص الحي، وليس فقط المطاطي والغاز المسيل للدموع أثناء التظاهرات، مما ينم عن عزم السلطات على استمرار التصعيد في مواجهة المحتجين المصممين على ممارسة حقوقهم الدستورية والقانونية.
ويؤكد الحقوقيون أن كل تلك الانتهاكات تضاف لسجل النظام السوداني، وان هذه الانتهاكات لن تذهب هدراً وسوف يحاسب كل مسؤول عن قمع المحتجين أو إيذائهم أو تعذيبهم.
عصيان مدني
في غضون ذلك، سبق أن دعا ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي إلى عصيان مدني يستمر إلى أجل غير محدد، إلا أن الأحزاب المعارضة ترى في الخطوة استباقا للأحداث. ولم يبحث اجتماع قوى المعارضة مسألة العصيان المدني، بل بقي ما يتردد في هذا الشأن حديث الشارع العام، علماً بأن حدوث العصيان المدني ليس مستبعداً لا بل انه ربما يأتي نتيجةً لتراكمات سياسة النظام الخاطئة التي أوصلت الناس إلى هذه المرحلة.
وقد شهدت المناطق السودانية، توسعاً لرقعة الاحتجاجات الشعبية والطلابية ولاسيما نهار 29 يونيو الماضي عشية ذكرى تسلم الرئيس الحالي عمر البشير وحزبه «المؤتمر الوطني» السلطة حين قاد الانقلاب قبل 23 عاماً.
من جهتها، نددت منظمة «هيومان رايتس ووتش» بما سمته «القمع العنيف للمتظاهرين في السودان»، وطالبت النظام في السودان «بضبط أداء قوات الأمن والإفراج عن المحتجزين أو توجيه اتهامات لهم». وقالت المنظمة في تقرير إن قوات الأمن السودانية اعتقلت الكثير من المتظاهرين وأعضاء المعارضة والصحفيين، وضربت المحتجزين واستخدمت الرصاص المطاطي والذخيرة الحية في تفريق المظاهرات التي بدأت في 16 يونيو، وقالت: «إن على السلطات السودانية وقف حملة قمع المتظاهرين السلميين والإفراج عن المحتجزين والسماح للصحفيين بتغطية الأحداث في حرية». وقالت إن التظاهرات بدأت من جامعة الخرطوم في 16 يونيو ردا على إجراءات التقشف الحكومية وارتفاع الأسعار، حتى 22 يونيو كانت قد انتقلت إلى عشرات المواقع الأخرى في الخرطوم وأم درمان ومدني وسنار والقضارف وبورتسودان والحصا حيصا، وبلدات أخرى في شتى أنحاء السودان، وطالب المتظاهرون بسقوط الحكومة الحالية.