تجمع الوحدة الوطنية.. رؤية لحل الأزمة
 تاريخ النشر : الثلاثاء ١٠ يوليو ٢٠١٢
بقلم : د. محمد عيسى الكويتي
صدر عن تجمع الوحدة الوطنية ثلاث وثائق مهمة تهدف الى الإسهام في أولا: معالجة الاحتقان والجمود في المشهد السياسي البحريني وثانيا: معالجة القضايا التي تؤرق المواطن البحريني وتؤخر التنمية في البلاد.
الوثيقة الأولى هي كلمة رئيس التجمع في المؤتمر العام الذي تم فيه انتخابات تكميلية للهيئة المركزية لتصبح بذلك ٥١ عضوا. تمخضت الانتخابات عن دخول دماء شابة متحمسة للعمل ومدركة لجسامة المسئولية ومتطلبات المرحلة الحساسة من تاريخنا السياسي.
ركزت كلمة الرئيس على نقاط محددة منها المسئولية التي يجب ان تتحملها المعارضة في إيصال البلاد الى هذه الحالة من الاحتقان برفضها الدخول في الحوار الذي عرض مبادرة سمو ولي العهد وما سبق ذلك من تصعيد. النقطة الثانية الهامة هي ان التجمع بمرتكزاته وثوابته يستوعب فئات ومشارب مختلفة من المجتمع البحريني ويسعى من خلال هذا التنوع ان يوجد تمازجا بين مختلف المصالح المجتمعية للوصول الى مشتركات يمكن ان تُخرج البلاد من ازمتها «وبناء مستقبل البحرين الذي نرتجيه»، واعلان انتهاء مرحلة العزوف عن الشأن العام والدخول بقوة في شراكة حقيقية في هذا البناء. ثالثا لا يخلو أي تجمع من بروز سلبيات كانت فرصة لإصلاح ما شاب مرحلة التأسيس من قصور تنظيمي تناولها التجمع بتعديل نظامه الأساسي.
الوثيقة الثانية الهامة هي التقرير السياسي الذي حدد تقييم التجمع للوضع السياسي العام وتداعيات الأزمة وأسبابها وتجلياتها وما نتج عنها من وضع يتطلب حلولا عملية سياسية واقتصادية واجتماعية تصدى لها التجمع في الوثيقة الثالثة التي صدرت عن الهيئة المركزية قبل اسبوع من المؤتمر العام وهي ملخص المشروع السياسي. نعرج في مقالنا هذا أولا على التقرير السياسي ونناقش بعده ملخص المشروع السياسي.
حرص التقرير السياسي على ان يكون بمثابة جرد لمسيرة سياسية بحرينية بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي الى يومنا هذا والذي يشكل التجمع امتدادا له. خلال هذه الفترة طالب الشعب البحريني بحقوق سياسية وإصلاحات اقتصادية واجتماعية تؤسس لدولة مدنية مستقرة تبني لمستقبل افضل. شاب هذه المسيرة بعض الاخطاء والتجاوزات مثلها مثل أي مسيرة انسانية اخرى، حمَّل التقرير المسئولية على ما وصل إليه المجتمع البحريني على الجهات الفاعلة في المجتمع من نظام حكم ومجتمع بقواه السياسية المختلفة. استغل البعض هذا السرد ليبرز ما يراه على انه تناقض أو اعترافات مجتزئا فقرات من سياقها ليثبت حالة أو توجيه تهمة أو إسداء نصيحة. الحقيقة التي أبرزها التقرير هي ان جميع الاطراف أخطأت في حق الوطن وان كان بدرجات متفاوتة، ولا يضير التجمع إن اشار الى بعض الاخطاء ونتمنى ان تقر باقي الاطراف بأخطائها كي نواصل مسيرتنا.
يطرح التقرير، بروح وطنية لا تعرف المواربة، قضية مهمة وأساسية، تبين موقف التجمع بوضوح من الأزمة، مفادها انه لا يوجد مستقبل للعنف أو الحلول الأمنية أو رفض الحوار بل الحل يكمن في ضرورة طرح مبادرة سياسية لحل الأزمة.
هذه المبادرة السياسية يطرحها التجمع في الوثيقة الثالثة «ملخص المشروع السياسي» الذي وُضع بعد دراسة مستفيضة ومُساهمة فاعلة في ورش عمل شارك فيها أعضاء المؤتمر العام وقيادات التجمع على مختلف المستويات. يرتكز المشروع على إيمان بأن مستقبل البلاد هو مسئولية مشتركة لا تحتكرها جهة ولا تأتي إلا من خلال حوار وطني. كما يستند إلى قناعة بأن الإصلاح السياسي هو مطلب وطني لجميع فئات المجتمع وهو القاعدة للإصلاح في جميع مناحي الحياة، وان المواطنة هي حقوق وواجبات ومشاركة والتزام بثوابت المجتمع الدستورية. ويقر بأن الاستقرار والأمن يقومان على الحرية والعدالة والمساواة. وان الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة هي مطلب شعبي جامع يُؤسَس على القاعدة الدستورية «الشعب مصدر السلطات»، وان المواطن الحر الموفور الكرامة هو أساس بناء هذه الدولة.
من خلال ورشة العمل التي عُقدت لإعداد المشروع بَرز عدد من المشاكل التي يعانيها المجتمع منها توزيع الثروة والفساد وضعف المشاركة السياسية وتمزق المجتمع طائفيا مما زرع عدم الثقة بين مكوناته. اضف الى ذلك نقص الوعي السياسي وثقافة المطالبة بالحقوق. انعكست هذه المشاكل على المستوى المعيشي ومستقبل الاجيال القادمة مما يستوجب وضع حلول عملية تضع المجتمع على مسيرة التقدم والتنمية. يُلخص المشروع هذه المشاكل في ثلاث قضايا رئيسية هي الانفراد بالقرار، الفساد، تدني الاداء الاقتصادي. وجعل رسالته التصدي لهذه القضايا من خلال «استنهاض المجتمع وتعميق وعيه السياسي لتهيئته للمشاركة السياسية الفاعلة في بناء مجتمع مستقر آمن ونام».ينطلق التجمع في معالجته للوضع باعتبار المجتمع على انه منظومة إنسانية غايتها اسعاد الانسان ورقيه وتمكينه من تحقيق ذاته في ظل مناخ سياسي يقوم على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص. وبالتالي فإن أهداف التجمع هي أولا تحقيق العيش الحر الكريم للمواطن، ثانيا الدفع نحو تنمية اقتصادية وبشرية وتوزيع عادل للثروة والسلطة، وثالثا إيجاد مناخ سياسي واجتماعي واقتصادي مستقر وآمن.
انطلاقا من ذلك طرح التجمع رؤيته للحل (مشروعه سياسي) في منظومة متكاملة تحدد علاقة المواطن والمجتمع بالدولة ومعالجة للقضايا والمشاكل المجتمعية السالفة الذكر. تناولت الرؤية مختلف هياكل الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية واقتراح أجهزة مستقلة لمحاربة الفساد ذكرناها تفصيلا في مقال سابق (أخبار الخليج ٢٧ يونيو الماضي).
وبذلك يكون التجمع قد حدد موقفه من الأحداث والواقع السياسي في البحرين ورؤيته للحل القائم على ثوابت ميثاق العمل الوطني والنابع من مشاركة فاعلة من قواعده. يبقى الآن مرحلة العمل لتفعيل هذه المشروع وسيحتاج فيها التجمع الى مساندة المجتمع وهذه معركة أخرى.
hb.moc.ocletab@itiawukm
.