الجريدة اليومية الأولى في البحرين


عالم يتغير



التقرير السياسي للتجمع:

3- الموقف من التدخل الأجنبي والخارجي

تاريخ النشر : الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٢

فوزية رشيد



} على الرغم من أن التدخل الأجنبي والخارجي سواء أكان أمريكيا أم إيرانيا أم من جانب المنظمات الدولية المسيسة، أم من القوى الطائفية الخليجية والعراقية واللبنانية، قد لعبت دورا خطرا في تشكيل مفردات الأزمة وتصعيدها وتأجيجها، لحساب الحراك الطائفي الانقلابي، فان التقرير السياسي للتجمع لم يتطرق إلى هذا الدور أو العامل الأجنبي والخارجي في إسناد قوى الحراك الطائفي الانقلابي داخل البحرين وحجم صناعة المسرحيات والتمثيليات فيه.
بل إن التقرير طرح حول تلك التدخلات رؤية مرتبطة بالمطالب والحقوق مما يُبعد عنها أي شبهة في (قصدية) تأزيم الوضع وتأجيجه لمآرب وغايات لا صلة لها أصلا بحقيقة تلك المطالب، بقدر صلتها بتنفيذ مشاريع إقليمية ودولية أمريكية تحديدا متداخلة وقوى الانقلاب أدوات فيها، بدا المشهد من خلاله واضحا للعيان وللعقل الجمعي لأهل الفاتح وغيرهم، وخاصة أن دور الإعلام الخارجي سواء بعض الفضائيات الدولية أو تلك الطائفية الإيرانية إلى جانب دور المنظمات الدولية المسيسة، قد لعبت معا دورا خطرا في التأجيج وتصوير الأمور على غير حقيقتها، وفي الاستماع لصوت طرف واحد هو طرف الحراك الانقلابي، حتى كاد سحب (الأسطول الخامس الأمريكي) من مكانه في الخليج قبل دخول درع الجزيرة أن يكون ذا دلالات واضحة لمتغير لافت في اللعبة الأمريكية - الإيرانية، التي جمعتها في البحرين رغبة استنساخ التحالف الثنائي بينهما في العراق.
} ولعل مؤشرات كثيرة، تم التعليق عليها سابقا ولا مكان لإعادتها هنا، توضح أن البحرين من خلال تأزيم الوضع فيها على يد أطراف الحراك الطائفي في الدوار، كانت محطة استقطابات إيرانية، أمريكية، غربية، ومحطة لحرب الوكالات بين أتباع نظام الولي الفقيه، الذين هم للمفارقة أتباع مدارس التدريب الأمريكية أيضا، وحيث الدعم المزدوج والتمويل والتدريب، كان يتدفق على تلامذة المحاولة الانقلابية من كل جهة، كشفها (الويكيليكس) بما يتعلق بعلاقة السفارة الأمريكية بالوفاق، وكشفت الوقائع والتصريحات الإيرانية ما يتعلق بالجانب الإيراني، مثلما كشفت كل القوى الطائفية الداعمة والمؤججة للحراك الانقلابي في البحرين وجوهها الطائفية والتحريضية في كل من لبنان والعراق والكويت والمنطقة الشرقية في السعودية.
} لربما كان الأمر في بداية الأزمة ليس بالوضوح الذي هو عليه الآن، ولكن خلال ما يقترب من العام ونصف العام اتضحت خرائط ومشاريع وغايات التدخلات الأجنبية والخارجية بشكل كبير، بما لا يترك مجالا للشك أو الالتباس، وهذا هو ما أقرته سواء خطابات رئيس التجمع الدكتور «عبداللطيف المحمود» أو بيانات الاحتشادات اللاحقة في الفاتح وغيره طوال تلك المدة. فلماذا لم يتطرق التقرير إلى ما يعرفه قادة التجمع جيدا؟ ولماذا لم يعط التدخلات الأجنبية والإيرانية حقها من الأهمية والخطورة؟ ولماذا لم يُشر التقرير إلى الجماعات الانقلابية بارتباطاتها الخارجية، بل بدعوتها المفضوحة إلى التدخل الأجنبي والحماية الأجنبية؟ ولماذا لم يُشر التقرير إلى ما حضره وجوه من التجمع في الجلسة المشتركة مع (الوفاق) إبان دخول (درع الجزيرة) حين صرح «علي سلمان» أمامهم بأنه سيستدعي دخول الجيش الإيراني إلى البحرين؟
ولماذا لم يتحدث التقرير عن دور المنظمات الدولية المسيسة وقادة التجمع عانوا الأمرين في التعامل معها؟ ولماذا لم يتطرق التقرير إلى دور السفارة الأمريكية والسفارة البريطانية في التأثير في الأحداث، وفي (صناعة التذمر) بين أهل الفاتح تجاه النظام الشرعي الحاكم؟
ولماذا لم يتطرق التقرير إلى الضغوط الأمريكية على النظام التي يعرفها كل مواطن؟
ولماذا لم يأخذ التقرير موقفا واضحا من التصريحات الإيرانية الخطرة إبان أيام الأزمة حتى الآن التي تشكل أصل اللعبة كلها؟ ولماذا كانت الصياغة ضبابية وغامضة بل تكاد تصل إلى التبرير لتلك التدخلات باعتبارها كأنها بريئة فعلا، وكأنها من أجل الديمقراطية والحقوق؟
أسئلة كثيرة أخرى حول موقف التقرير من كون الأزمة قد لعبها لاعبان رئيسيان لتشكيل خيوطها وهما الطرف الداخلي الانقلابي والطرف الخارجي الداعم والممول والمساند إعلاميا وحقوقيا في غير وجهتيهما الصحيحتين. فهل غياب التحليل هنا بما يعرفه العقل الجمعي لأهل الفاتح جيدا، وبإمكان أي مواطن بسيط أن يوضحه، غاب عن ذهن من كتب التقرير؟ وهل ذانك التغييب والتعتيم يمثلان حقيقة موقف ورؤية أهل الفاتح؟ أو يمثلان موقف تجمع الوحدة الوطنية الذي يمثلهم كما هو مفترض؟
} لقد أشار التقرير إشارات غامضة وبأخف الألفاظ حول (تعاظمت الأزمة مع تشابك وتداخل المصالح في الشأن المحلي والأوضاع الإقليمية والعربية والتدخلات الأجنبية) الصفحة الأولى، ولكن أتبعها بـ (واتخذت الأزمة مسارا لا يمكن السكوت عنه في ظل ضياع شبه كامل ودور مغيب لفئات تمثل الغالبية من مكونات المجتمع البحريني، وكان لابد من التحرك الشعبي لهذه المكونات من المجتمع البحريني لإسماع صوتهم وموقفهم السياسي على الصعيدين المحلي والخارجي) بين قوسين من التقرير صفحة أولى أيضا. من هي المكونات المغيب دورها؟ وهل هذه هي الصلة الحقيقية بين أزمة البحرين والموقف الخارجي؟ إسماع الصوت فقط؟
} ويقرأ التقرير قراءة محايدة حول ارتباط الحراك الانقلابي المتكرر في البحرين بثورة الخميني من دون طرح تحليل أو رؤية عميقة حولها حين يقول في الصفحة الثانية (ومنذ عام 1981م أخذت منحى طائفيا حيث تحولت قيادة الحركة من المدينة إلى القرية المرتبطة مع النظام الإيراني بعد نجاح الثورة الإيرانية في عام 1979م ونجاح فكرة الولي الفقيه... الخ).
أما ما هي تأثيرات ذلك الارتباط في الأزمة الأخيرة أو في الحراكات الانقلابية منذ 1981؟ وكيفية تجسيد تلك التأثيرات وترابطها في الخليج والعراق ولبنان مع متغيرات السنوات الأخيرة؟ وما هو دور نظام الولي الفقيه؟ وما هو المشروع الإيراني الذي يستخدم العامل الشيعي في البحرين والخليج؟ وما هو حجم الدعم للقوى المتطرفة التي أوصلت الأحوال في البحرين إلى الإرهاب المنظم والممنهج؟ وكيف تتداخل الأجندة وتتشابك بين إيران وأتباعها في الخليج والعراق ولبنان؟ وأي خطورة يمثلها الحراك الانقلابي بسبب ذلك الارتباط المزدوج مع إيران وأمريكا؟ وهل ما يحدث في البحرين هو بالفعل حركة سياسية مطلبية وطنية أم أن كل ما سبق ذكره ينفي عنها براءة الحراك؟
} كل ذلك وغيره يصمت التقرير عنه صمت أبوالهول، وينطق فقط بما يؤيد براءة الحراك الحادث من جانب الانقلابيين، بل يدعو بشكل غير مباشر إلى الانضمام إليهم وهم أصحاب (التماسك إلى حد كبير في الموقف السياسي والمطالب) صفحة 10، فيما (يمثل المكون الآخر تباينا في الموقف السياسي من داخله غير المعلن بصورة صريحة) ذات الصفحة.
فهل هناك إعجاب بأصحاب الحراك الانقلابي أكثر من هذا، وفي سياق تحليل مبتسر لا يكشف عن سر التماسك ذاك، الذي لولا الإسناد الإيراني والطائفي الخليجي والعراقي واللبناني وتمويلها وتدريبها لهم، ولولا الإسناد الخارجي الأمريكي وغيره لسقطت كل أوراقهم الهزيلة والصفراء في بحر الخليج منذ زمن طويل؟
وهل هناك في إطار السياق العام الذي وصف به التقرير أهل الفاتح، من إهانات وتشويه متعمدين أو غير متعمدين، لا يهم، فيما لو ناظر كُتّاب التقرير أي واحد منهم لسقطت أيضا أوراقهم التقريرية الصفراء في تراب البحرين، لتبتلعها كأنها لم تكن، لأن التقرير في صياغته ورؤيته لم يكن بمستوى لا حقيقة الأحداث ولا حقيقة الحراك الانقلابي ولا حقيقة أهل الفاتح، الذين لم يبق إلا أن يعانوا اليوم جور وتشويه من يتحدث باسمهم لهم؟