مقالات
ربيع أم جحيم عربي..
تاريخ النشر : الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٢
من سوء تقدير عواقب الأمور بل من سوء التصرف وفساد العقيدة أن يعتمد الإنسان مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
الدول الغربية في سعيها لإسقاط بعض الأنظمة العربية لم تتورع في التحالف مع الشيطان لإرضاء شهوة الانتقام من بعض الرؤساء العرب المكروهين لديها.. حدث هذا ضد صدام حسين في العراق ثم ضد القذافي في ليبيا وحاليا ضد بشار الأسد في سوريا.
لقد شارك العرب مؤخرا في اجتماع باريس على أجندة يدرك الغرب مغزاها ويجهل العرب مداها.. فليس اسقاط نظام بشار الأسد هو الأهم لدى الدول الغربية بل المهم مواصلة تفكيك الدول العربية واحدة بعد الأخرى حتى تتحول إلى جزيئات صغيرة تساوي في حجمها دويلة إسرائيل بحيث لا يصبح هناك أحد أكبر من آخر.
من لا يعرف هذا المقصد الغربي عليه أن يعود إلى مقاعد الدراسة مرة أخرى ليتعلم ألف باء العلوم السياسية قبل أن يتخذ من القرارات ما سيؤثر لاحقا على مجمل الدول العربية.
ورغم ذلك نستطيع القول إن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تقرأ معطيات منطقة الشرق الأوسط بصورة غير صحيحة، إلا أن الأدهى والأمر هو مشاركة الدول العربية في مفهومها هذا، فهل مازلنا لا نعي الدرس؟ وبأن الأمر لن يطالنا يوما ما؟
الجميع يعلم مدى ظلم نظام بشار الأسد الباطش الذي استباح دم الأبرياء وقتل الأطفال واغتصب النساء وأقام حفلات تعذيب لا حصر لها كان ضحيتها شعبه البريء.. غير أن إيكال مهمة معاقبته للدول الغربية، أمر شائن في حق العرب، ذلك لأن أمريكا والغرب بصورة عامة مازالا مستمرين في التهاون في خرق القانون الدولي فيما يخص القضية الفلسطينية، فبأي حق قانوني إذن يجوز لهما التدخل السافر في شؤون بلداننا وتقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة لا قدرة لها على التحكم في مواردها؟
هذا الأمر يعيد إلى ذاكرتنا قصة الثور الأبيض، فهل نستطيع ذات يوم، عندما يقف الغرب بأساطيله على بوابات الخليج العربي مطالبا بتطبيق ديمقراطيته، أن نقول له ليس لك الحق في فعل ذلك؟ ونحن الذين ساندناه في كل أفعاله ضد الدول العربية التي أراد إسقاط أنظمتها؟...هل تستطيع الدول العربية أن تقف ضد المخطط الأمريكي بتسليم البحرين وشرق السعودية للصفويين بموجب الصفقة التي تعقد حاليا مع إيران؟ وإلى أي مدى نحن مدركون حقيقة المؤامرة الأمريكية الرامية إلى تسليم المنطقة إلى الشيعة الذين لا يشكلون أكثر من 12% من مجموع سكان الدول العربية؟
هل طرحت دبلوماسيتنا هذا الأمر قبل دخول اجتماع باريس؟ أين الدبلوماسية العربية من كل التآمر الذي أصبح واضحا لا تخطئه العين في زعزعة أمن المنطقة باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
أين دبلوماسيتنا من الموقف الغربي الواضح في دعم المعارضة الشيعية وإبرازها على أنها صاحبة الأغلبية السكانية حيث صدّق هذه الفرية الجميع؟
السياسة ليست علاقة عاطفية تتقلب بين الحب والكراهية، انها مجموعة مصالح ينبغي أن تصب في خدمة الدولة ومواطنيها.. لماذا إذن نعطي أمريكا شيكا على بياض بمساندة كل اطروحاتها السياسية من دون أن يكون لدينا عائد مقابل دعمنا غير المحدود لها؟
لم يُعرف عن أمريكا أنها ساندت الشعوب العربية في دعم القضية الفلسطينية وهي القضية العربية الكبرى.. على العكس من ذلك استعملت حق الفيتو أكثر من أربعين مرة لنقض مشروعات القرارات التي تنتقد اسرائيل وتصب في مصلحة الشعب الفلسطيني.. كان آخرها رفض عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وبلغ بها الشطط أن تحتج على تسجيل كنيسة المهد في سجل التراث العالمي لليونسكو رغم أنها من الاماكن التي تحتاج إلى حماية حقيقية في ظل السياسة الإسرائيلية القائمة على محو كل آثار أرض فلسطين التاريخية.
لقد كتب بريمر بعدما ترك العراق أن سبب تسليمهم العراق إلى السيطرة الشيعية لأن الشيعة لديهم النجف، أي أن الشيعة لديهم مرجعية دينية يرجعون إليها في كل صغيرة وكبيرة وبذا يمكن السيطرة عليهم بالسيطرة على مرجعهم الديني، وهذا الأمر ليس متاحا عند التعامل مع السنة، رغم أن لبعضهم مرجعية ممثلة في الإسلام السياسي الذي تسعى أمريكا حاليا لتوطيد أركانه في أهم دولة عربية ألا وهي مصر حيث منها ينداح التأثير على بقية الدول الأخرى.
عندما نعلم أن هناك أكثر من 21 دولة غربية على رأسها سويسرا بالإضافة إلى اليابان يقفون ضد البحرين في مجلس حقوق الإنسان، لا بد أن تصيبنا الرعشة من الخطر الداهم الذي يتهدد وجودنا.. إنها بداية خطرة للاستراتيجية الغربية لتغيير أنظمة المنطقة تحت مسميات الربيع العربي.. بوقوفنا مع الغرب في مؤتمر باريس نضع المدية على رقابنا ونعترف بعدم قدرتنا على إصلاح بيتنا العربي بأيدينا وهو بالتالي اعتراف بقلة الحيلة وضمور الخيال.. فمتى يعرف صناع القرار العربي بأن الغرب لا يريد لنا خيراً؟ وإلى متى تظل الدبلوماسية الخليجية قائمة على حماية مفترضة من أمريكا للأنظمة الخليجية؟
هل في الأفق سياسة تختلف في مضمونها عن هذه السياسة تتحسب لغدر الغرب بالأنظمة الخليجية بعد اتفاقه مع إيران؟
الغرب وأمريكا يهمهما استمرار تدفق النفط وهم على علم بأن أي نظام يحكم المنطقة لن يتوقف عن بيع النفط لهم لأنهم من أكثر مستهلكيه، لذا لن يهتموا بمن يحكم.. والسياسة الأمريكية على وجه الخصوص تخضع في كثير من الأحيان للعرض والطلب كأي سلعة تباع وتشترى، فمتى كان العرض مغريا تركت مبادئها وأخذت به.
يا ترى ما هو البلد القادم الذي يجول في خاطرهم وسيدعون إلى سقوط نظامه؟
هل هو إحدى دول الخليج العربي ذات التراث العريق في الحكم العائلي؟ والذي لم يشتك أحد من نظام حكمه سوى أصحاب الأجندة الصفوية؟..
لقد كان لزاما على دبلوماسيتنا أن تشرح لصناع القرار الأمريكي الفرق بين نظام أتى بانقلاب عسكري وبين حكم عشائري متوارث له خصائصه وبيئته ومميزاته.
لقد كان للبحرين دبلوماسيتها المتميزة يوم كان اسم البحرين يرفرف عالياً شامخاً يتردد صداه في المحافل الدولية. فأين هو الجيل الثاني مما يكتب من تقارير تسيء إلينا؟ أين هم من تحليل المعطيات الراهنة ورفعها إلى معالي الوزير الموقر حتى يتمكن من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.. علينا أن نبني على ما أنجزه السابقون في هذا المجال ولا نترك الأمور للصدف... السياسة الخارجية لا تعرف العمل بردود الافعال بل هي جهد يستند إلى دراسة الواقع ورسم استراتيجية طويلة الأمد للتعامل مع الأحداث وقراءة المستقبل بالقدر الذي يمنع المفاجئة.
تقول حكمة هندية خالدة «صراع الأفيال لن يتضرر منه أحد سوى الحشائش الصغيرة» ويبدو أن الصراع الحالي في المنطقة ستتضرر منه دول الخليج العربي سواء قامت حرب بين إيران والغرب كما تقول وسائل الإعلام، أو تمت تسوية بين الطرفين على حساب دول الخليج العربية.
* متخصصة في شؤون الشرق الأوسط