يوميات سياسية
معركة الدولة المدنية في مصر
تاريخ النشر : الأربعاء ١١ يوليو ٢٠١٢
السيد زهره
كما سبق أن كتبت, فان الخطاب العام للرئيس محمد مرسي بعد توليه السلطة أشاع شيئا من الاطمئنان والارتياح لدى المصريين. خطاب مرسي أعطى الامل بأن الاوضاع سوف تهدأ وتستقر, وتبدأ البلاد في المهمة الصعبة.. مهمة اعادة البناء ولمّ الشمل الوطني ومعالجة المشاكل الكثيرة.
لكن فجأة, وبعد عشرة أيام فقط من تولي مرسي السلطة, وقع القرار الذي اتخذه كالصاعقة على رؤوس المصريين. نعني بالطبع قراره بإلغاء حل البرلمان وعودته الى ممارسة مهامه. القرار فجّر على الفور أزمة سياسية طاحنة في البلاد.
كان لا بد ان يفجر القرار هذه الازمة السياسية. فهو اولا ينتهك حكما قضائيا أصدرته أعلى سلطة قضائية, هي المحكمة الدستورية العليا. وهو ثانيا يشكل تحديا للمجلس العسكري الذي اصدر قرار حل البرلمان بناء على حكم المحكمة. وهو ثالثا يثير بالضرورة شكوكا وتساؤلات كثيرة حول من وراءه, وما هو الهدف الحقيقي منه وعلاقة كل ذلك بمستقبل الدولة والحياة السياسية.
المعركة السياسية التي تدور في مصر اليوم حول القرار ليست معركة تتعلق بتفسير القوانين والاحكام القضائية. وهي ليست حتى معركة تتعلق بالبرلمان في حد ذاته وهل من المفروض ان يعود ام لا. المعركة في جوهرها وفي مضمونها تتعلق بالدولة المدنية في مصر.. هل تكون او لا تكون.
من قبيل التكرار القول بان الدولة المدنية الديمقراطية هي في جوهرها «دولة القانون», حيث المواطنين جميعا متساوون امام القانون, وحيث يعتبر احترام القوانين والاحكام القضائية معيارا اساسيا لاحترام دولة المؤسسات.
ولهذا, كان من الطبيعي ان ينظر الكثيرون في مصر الى قرار الرئيس المصري بعودة البرلمان على انه بمثابة طعنة لدولة القانون والدولة المدنية, اذ تم اتخاذ القارار في انتهاك لحكم اصدرته اعلى سلطة قضائية في مصر هي المحكمة الدستورية.
وفي خضم الجدل الدائر والمعركة السياسية المحتدمة في مصر اليوم حول قرار مرسي, لنا ان نلاحظ ما يلي:
اولا: ان الذين بادروا على الفور بانتقاد القرار سواء من القوى السياسية او الشخصيات العامة, هم من القوى الوطنية المدنية التي طالما دافعت عن الدولة المدنية. ومن الملفت ان هذه القوى في اغلبها وقفت ضد المجلس العسكري او انتقدت ادارته للمرحلة الانتقالية في مصر.
بعبارة اخرى, هذه القوى انتقدت قرار مرسي ليس انحيازا لطرف معين في الصراع السياسي, وانما من حيث المبدأ, إذ اعتبرت القرار تهديدا للدولة المدنية, ومؤشرا على نوع من السياسات والمواقف غير الديمقراطية.
بالمقابل, فان الذين تحمسوا لقرار مرسي ويدافعون عنه بحرارة, هم إما جماعة الاخوان المسلمين, وإما القوى الموالية لها, وبعض الشخصيات العامة والقوى التي تتودد الى الاخوان في المرحلة الحالية لهذا السبب او ذاك.
ثانيا: الملاحظ ان الذين يدافعون عن قرار مرسي, يفعلون ذلك من منطلق اسباب سياسية عامة ليست لها في واقع الامر علاقة بالموقف المبدئي والقانوني والدستوري.
نعني انهم يقدمون اسبابا وتبريرات من قبيل, ان قرار حل مجلس الشعب كان اصلا قرارا خاطئا سياسيا في تقديرهم وان ما فعله مرسي هو تصحيح للخطأ, او القول بان الرئيس من حقه ان تكون السلطات بيده وان يتخذ ما يشاء من قرارات.. وهكذا.
الحقيقة ان هذا المنطق هو منطق في غاية الخطورة, ناهيك عن انه خاطئ من الاساس جملة وتفصيلا. هذا المنطق يعكس استهتارا باحكام القضاء وبالدستور, ويمثل دعوة الى الفوضى, ويهدم اي اسس للدولة المدنية.
الثابت ان أحكام القضاء يجب ان تحترم ويجب ان تنفذ بغض النظر عن رأي أي طرف أو جهة في هذه الأحكام وما إذا كانت تعجبه أم لا, وبغض النظر عما إذا كانت هذه الاحكام صائبة سياسيا أم لا من وجهة نظر البعض.
أما الحديث عن حق أي مؤسسة أو جهة في تحدي أحكام القضاء وعدم تنفيذها بحجة ان هناك تحفظات سياسية عليها, فهي في الحقيقة وصفة ودعوة مفتوحة الى الفوضى, والى تقويض مؤسسات الدولة.
ولعل اكثر ما أثار الفزع بالنسبة الى الكثيرين في مصر هو ان الذي اتخذ هذا القرار وتحدى حكم أعلى سلطة قضائية هي مؤسسة الرئاسة بالذات التي من المفترض ليس فقط أن تكون قدوة في احترام الدستور والقضاء, وإنما هي التي يجب ان ترعى هذا الاحترام وتحرص عليه بصرامة في المجتمع.
وعلى أية حال, المأمول ان تكون هذه المعركة السياسية مجرد احدى متاعب ومشاكل مرحلة التحول في مصر, وان يتم حسمها في نهاية المطاف بما يحفظ كرامة الدستور ويعلي كلمة القضاء والقانون. إن لم يحدث هذا, فسوف تكون آمال إقامة الدولة المدنية في مصر في خطر حقيقي.