عالم يتغير
التقرير السياسي للتجمع:
4- الموقف من أهل الفاتح
تاريخ النشر : الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} في تلك اللحظة الزمنية ما بين شهري فبراير ومارس 2011، حين خرج مئات الآلاف من الناس إلى الفاتح، يدفعهم الخوف على البحرين أولا، والخوف على أنفسهم ثانيا، والوقوف في وجه حراك انقلابي لم يكتف بركوب موجة ما سمي الربيع العربي، وإنما رفع شعارات عنصرية وترحيلية وتسقيطية وانتقامية، سواء ضد العائلة الحاكمة أو ضد المكونات الأخرى، مما تحفظها الذاكرة التي عايشت الأحداث لحظة بلحظة وأصبحت في سجل التاريخ، في ظل من القلق على مصير الوطن ومصير الحياة البحرينية التعددية في مجملها، وحين تكالبت على الدوار خطابات ذات نفس صادم وغريب، وفيديوهات لخطابات قيادات طائفية من العراق وحزب الله اللبناني ومن المنطقة الشرقية ومن الكويت ومن إيران، في تناغم طائفي لم يشهد له التاريخ البحريني مثيلا ما بين متطرفي الداخل والخارج طائفيا تحت مسمى الشعب، ومع هجمة الفضائيات الطائفية، ومع تعطيل مصالح الناس وتصاعد شعارات (ارحلوا)، وتعليق المشانق واحتلال السلمانية، فإن وقفة أهل الفاتح كانت وقفة وطنية مشرفة، لا لبس فيها ولا غموض ولا ضبابية دفاعا عن الوطن قبل الدفاع عن النفس، والتفافا حول شرعية النظام العربي الحاكم، في وجه ما تبدى من التصريحات الطائفية الإيرانية والعراقية واللبنانية وغيرها، مما جعل هاجس اختطاف الوطن نحو وجهة بعيدة عن وجهته الأصلية هاجسا حقيقيا ومفزعا ولايزال في ظل المطامع الإيرانية التي لم تهدأ قط، كل ذلك وغيره يؤكد أن الفزعة الجماهيرية من المكونات الأخرى، كانت وقفة تاريخية أصيلة أذهلت النظام نفسه والمعارضة وكل القوى الخارجية اللاعبة على الورقة البحرينية، في حرب الوكالات التي شنتها على البحرين، ونفذتها الأدوات الداخلية ذات الانتماء للمرجعيات الخارجية المتعددة، وحركت بها أطياف الطائفة الشيعية تحت دافع (المظلومية التاريخية) التي في جوهرها لا صلة حقيقية لها بالإصلاح أو الديمقراطية.
} مثل هذا الموقف التاريخي لأهل الفاتح يستحق وصفا رصينا يليق به، ولا تُخلط الأوراق فيه بين موقفهم الواضح وتخبطات بعض من قاد تجمع الوحدة الوطنية وغيرها التي كانت ولاتزال يشتكي منها أهل الفاتح أنفسهم مر الشكوى، مما جعل الكثيرين يعزفون بشكل أو بآخر عن اعتبار هؤلاء ممثلين لموقفهم الحقيقي مما يدور على أرض الواقع.
وفي الوقت الذي يقر فيه التقرير السياسي جزءا من هذه الحقيقة وهو يقول: «لقد قلب ذلك التجمع الجماهيري الحاشد الذي تجاوز 300 ألف مواطن في 21/2/2011م المعادلة رأسا على عقب إلى درجة أذهلت نظام الحكم وقوى المعارضة» صفحة 5، يعود التقرير ليناقض نفسه وهو يقول: «استخدم الشارع المناهض للاحتجاجات والمطالبات الأحادية الجانب كورقة ضغط شعبية» وليبتسر الأمر أكثر بأنه «يحمل في حقيقته أيضا صالح النظام الحاكم والقبيلة الذي بدا مقدما على صالح الطائفة» صفحة 5، بل ليعتبر التقرير أن الأمر خلاصته - كما أشار صفحة 9 «استخدام الشارع كورقة ضغط» - ردع متبادل للتنصل من الاستحقاقات الديمقراطية، بل ليقزّم الأمر أكثر ومن الجانب الآخر لم يكن إلا امتدادا للفزعة الأولى لا يستهدف أكثر من حفظ كيان الطائفة، ولم ترتفع طموحاته إلى القدر المطلوب... الخ».
} ابتسار كهذا لموقف أهل الفاتح، وخلط ذلك الموقف بارتباكات مواقف بعض قيادات الجمعيات السياسية المختلفة ومنها التجمع، يُخلان بالحقيقة خاصة من دون رصد عميق لأسباب الموقف وأولها الدفاع عن الوطن، الذي في ضوئه كان التقاطع مع النظام الشرعي الحاكم، بل الدفاع عن الذات الذي سماه التقرير الدفاع عن الطائفة، ومن دون التحليل العميق أيضاً لحجم الممارسات الطائفية من طرف يتحدث باسم طائفته وباسم مرجعياته الداخلية والخارجية، وهو الأمر الذي أظهر ردة الفعل الطائفية من جانب أهل الفاتح في مكونه الرئيس، مما أدى إلى ردة فعل شعبية مناهضة لكل الممارسات التي اعتبرها (غادرة) طائفيا ووطنيا في حق الوطن وحق المكونات الأخرى، التي لطالما كانت تعيش سلما أهليا وتعدديا، لم يتطرق إلى كل ذلك وإنما اتجه مباشرة إلى وصف أهل الفاتح كأنهم كانوا مجرد قطع شطرنج حركها النظام الحاكم واستخدمها رادعا للمكون الآخر في ظل تفعيل الخوف والتخويف، لكأن الأزمة وحدها ومن افتعلها لم تكن كافية لتحريك الخوف من الخطابات (الحسينية مقابل اليزيدية) أو خطابات إعلان الجمهورية إلى آخرها، لكي تتقاطع في تلك اللحظة حتى الآن، مصالح الحفاظ على الوطن ما بين أهل الفاتح والنظام، في ظل التهديدات الانقلابية الداخلية والمرتبطة بالتهديدات الخارجية الإيرانية والأمريكية وغيرها، فتتم قراءة اللحظة التاريخية والأزمة التي بانت كل خيوطها اليوم حتى كتابة التقرير قراءة موضوعية منصفة للأحداث والوقائع، مما لا يشفع لكتّاب تلك الرؤية التقزيمية لدور أهل الفاتح وشرفاء هذا الوطن توصيفاتهم، وإذا كان هناك من ارتباك حقيقي، فهو ارتباك من ادعى قدرته على قيادة طموحات أهل الفزعة، الذين سيبقون كذلك، مادامت هناك تهديدات داخلية وخارجية وجودية للوطن ولهم، كشعب يرفض هذا الحراك الانقلابي الطائفي، عن وعي لم ترتبك بوصلته، إلا من خلال محاولات (صناعة التذمر) في أوساطه، ومن ارتباكات من يدعي قيادته، وعدم وضوح الرؤية الاستراتيجية لمفردات الأزمة الأربع التي طرحنا حديثنا حولها كأساس، ولعل في هذا وحده وأكثر من غيره، يكمن سر أن «التقرير السياسي» يمثل أصحابه ولا يمثل أهل الفاتح، لأن هناك رؤية جمعية وموقفا جمعيا لدى هؤلاء لم تقترب قيادات أغلب الجمعيات السياسية منهما كثيرا، ولم ترتق بوعيها إليهما لكي تمثل حقيقة جماهيرها، إلى جانب عوامل تاريخية وموضوعية أخرى، كانت فيها تلك الجماهير في سبات الطمأنينة مع المكون الآخر، الذي اتضح أنه كان يعمل ليل نهار، لا من أجل تطوير الإصلاح والديمقراطية كما يدعي، وإنما من أجل اختطاف وطن لا يملك فيه حقا أكثر مما يملكه الآخرون، وآن الأوان من الجميع لتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، وأولها إدانة هذا الحراك الانقلابي الطائفي، (وليس توجيه جماهير الفاتح، لوضع اليد في يد من قاده، وتسبب في الكوارث لهذا الوطن ولشعبه بكل أطيافه وطوائفه ومكوناته).
التقرير والبرنامج السياسي يحتاجان إلى عرضهما على الهيئة التنفيذية بعد اكتمال أعضائها، مثلما يحتاجان إلى عرضهما على أعضاء التجمع، وتوافق ائتلاف الجمعيات حولهما، ليكونا بعدها ذوي مصداقية، ومن دون ذلك نخشى أن نقول إنهما لا يمثلان إلا من كتبهما وتوافق عليهما من الإداريين في التجمع، الذي لم ننقد تقريره إلا لأننا نتمنى له أن يكون بمستوى التحديات والتهديدات وبعيدا عن أي تقزيم لها.