الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


موقع الريادة إقليميا والمنافسة عالميا في الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030

تاريخ النشر : الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٢



دشن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى الرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030، متوشحة بشعار وهدف جليل ينص على «من الريادة إقليميا الى المنافسة عالميا» كيف يتم تحقيق ذلك؟ وما هي القطاعات والمجالات الابرز المهيأة لتحقيقها؟
بدأ لابد من التأكيد ان اطلاق الرؤية يمثل انطلاق مرحلة جديدة من البناء التنموي الاستراتيجي المستند إلى أسس علمية في التخطيط الطويل الاجل الهادف الى الارتقاء بالعملية التنموية فكرا وتطبيقا، بما يعزز حاضر البحرين، ويرسخ مستقبلها الواعد، ويحقق اهدافها في التنويع الاقتصادي. واستندت الرؤية الى ثلاثة مبادئ أساسية هي الاستدامة، والتنافسية، والعدالة. فلأجل تثبيت ازدهار البلاد على أسس صلبة، تلتزم سياسة التمويل الحكومي بمبدأ الاستدامة، وتستخدم الموارد الوطنية لتطوير رأس المال البشري والتعليم والتدريب وتشجيع الريادة والابتكار، ولتأمين الاستدامة لقطاع خاص مزدهر، ينبغي ان يكون القطاع الخاص قادرا على ادارة النشاط الاقتصادي بشكل يضمن استدامة النمو والازدهار. وفيما يتصل بالتنافسية فقد أكدت الرؤية أهمية ان تحقق البحرين قدرة تنافسية عالية في الاقتصاد العالمي . أما فيما يتعلق بالعدالة، فقد بينت الرؤية ضرورة التزام القطاعين العام والخاص بالشفافية وتوفير أجواء التنافس الحر العادل في جميع المعاملات. فيما تضمن الحكومة توفير الإطارين القانوني والتنظيمي اللذين يؤمنان حماية المستهلكين والمعاملة العادلة لأصحاب الاعمال، وتضمنت الرؤية تشخيصا لابرز معطيات الاقتصاد والمجتمع في المملكة حيث أشارت الى أن الاقتصاد يوفر آلاف الوظائف سنويا إلا ان اغلبها تذهب للعمالة الأجنبية. مما يتطلب إيجاد وظائف جديدة تتناسب وتطلعات المواطنين بالنسبة إلى الأجور وظروف العمل واعتماد سياسات تجعل المواطن الخيار الأفضل للعمل في القطاع الخاص. وقد كانت الرؤية دقيقة في تشخيصها وتقويمها لواقع الاقتصاد البحريني وبالتالي لمعالجاتها للمشكلات المزمنة التي يعانيها، وفي تحديدها لمصادر جديدة للتنافسية في مؤسسات القطاع الخاص، وتطوير نوعية الوظائف والمهن ورفع مستواها في البلاد. واكدت ان ذلك لن يتحقق الا عن طريق التحول الى اقتصاد يحفزه القطاع الخاص المبادر، وتتوطن فيه المؤسسات والمشاريع التي تعتمد على معدلات انتاجية عالية، ومستويات متقدمة من الإبداع والابتكار لانتاج السلع وتقديم الخدمات ذات القيمة المضافة. وفيما يتعلق بالقطاعات الاكثر قدرة على تحقيق شعار الرؤية الاقتصادية للمملكة يحظى القطاع الصناعي بموقع متقدم ،حيث رسمت له الرؤية دورا محوريا في النمو وترسيخ واستدامة التنمية في المملكة، وأكدت أهمية ولوج مجالات صناعية جديدة تحقق قيمة مضافة عالية وتوفر العمل لأكبر عدد ممكن من المواطنين. ويعد قطاع الصناعات والخدمات البحرية الذي يتضمن مجموعة من الصناعات التي تعنى بتصميم وإنشاء وبناء السفن، والقوارب، ومختلف أنماط الهياكل العائمة، والمحركات البحرية، وتصميم وإنشاء المنصات البحرية والجزر الصناعية ومحطات تزويد السفن بالوقود، والخدمات اللوجستية التي يتطلبها النقل البحري، من القطاعات التي يتوافر لها العديد من المقومات كالموقع الجغرافي المتميز، والموروث التاريخي الحافز، والدعم الحكومي المتعدد الأوجه، والبنية التحتية المتكاملة، والموارد البشرية الذكية والمؤهلة، والطلب الإقليمي المتنامي، وتوافر الصناعات المغذية والطاقة، والخبرات الطويلة في مجال الأعمال البحرية وإصلاح وصيانة وتشغيل السفن. هذا يعني ان القاعدة الأساسية لتنمية الصناعات البحرية في بعدها الصناعي الفني والفلسفي والمالي والبشري متاحة وميسرة في مملكتنا الامر الذي يجعلها مرشحة بقوة للاسهام في تحقيق اهداف الرؤية الاقتصادية 2030 مما يتطلب صياغة استراتيجية طموحة لتنميتها في المرحلة الراهنة.
كما يعد قطاع المصارف والمؤسسات المالية واحدا من القطاعات الواعدة في تحقيق أهداف الرؤية الاقتصادية سيما ان حكومة البحرين اجتهدت ومنذ مطلع عقد السبعينيات من القرن الماضي في اختيار أفضل توليفة من الحوافز والممارسات من خدمات تقنية مساندة الى مؤسسات داعمة، لتحويل المملكة الى مركز مالي ومصرفي إقليمي، ونجحت في إنشاء سلطات قضائية ورقابية عادلة وعلى درجة عالية من المهنية والكفاءة تضاهي نظيراتها في الدول المتقدمة، وسعت إلى تطبيق أفضل الممارسات الداعمة للمؤسسات المالية والمصرفية بما يعزز قدرتها على ابتكار الأدوات وتطوير المنتجات المالية والمصرفية لاسيما المتصلة بالصناعة المالية والمصرفية الإسلامية حتى غدت منطلق وقاعدة الصيرفة الاسلامية. وقد تعاظمت أهمية المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بعد الأزمة المالية العالمية حيث أثبتت الأزمة صحة وأمان مبادئ العمل المالي والمصرفي الإسلامي. الأمر الذي جعل أساطين الاقتصاد في العالم يقرون بأن النظام المالي والمصرفي الإسلامي هو البديل الآمن الذي لا مفر منه عن المصرفية التقليدية، وان المستقبل المنظور سيشهد انطلاقة قوية لها في مختلف أرجاء العالم. إلا ان هذا التطوّر السريع في الصناعة المالية الإسلامية لم يرافقه تطور مماثل في مجال إعداد وتأهيل الموارد البشرية ولم يواكبه تحول ملموس في البنية التحتية الأكاديمية المؤهلة للموارد البشرية التي تحتاجها المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية على الرغم من الجهود التي بذلتها المؤسسات المالية الإسلامية لتأهيل العاملين فيها، من خلال إنشاء مراكز تدريب وتأهيل ومعاهد متخصصة بالمصرفية الإسلامية، ولكن بمقارنة هذه المبادرات بحجم التوسع الكمي والنوعي والكيفي الذي تشهده المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية، نجد أنها غير كافية لمواجهة الطلب الحالي والمستقبلي. ومن هذا المنطلق جاء مشروع الجامعة الدولية للعلوم المالية والمصرفية الإسلامية الذي رفضه مجلس التعليم العالي باجتماعه السادس والعشرين، ليسهم في سد النقص بالمنظومة الأكاديمية المصرفية الإسلامية مسترشدا بالرؤية الاقتصادية لمملكة البحرين 2030 ومرئيات جلالة الملك المفدى للتعليم العالي التي عبر عنها اصدق تعبير صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين حينما ينظر للإنسان في البحرين باعتباره رأس المال الحقيقي ومصدر النهوض وعنصر التنافسية إقليميا وعالميا. وانسجاما مع دعم و إشادة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء، بالدور الذي تضطلع به الجامعات الخاصة في المحافظة على السمعة والمكانة التعليمية للبحرين ولسد النقص الحاصل في هيكلية التعليم العالي الخاص بإضافة نوعية متميزة، مواكبة لمسيرة التطور العلمي والحضاري العالمي وعاكسة في الوقت نفسه شخصية البحرين وموروثها العربي والإسلامي، قادرة على الارتقاء بطلبتها بما يجعلهم الخيار المفضل في سوق العمل بحرينيا وعربيا وعالميا، ويتضح ذلك من خلال برامجها التي زاوجت بين الدراسة الأكاديمية في القاعات الدراسية والتدريب العملي في ورش وقاعات ومختبرات التدريب المتخصصة في الجامعة (مصارف وسوق مالية، وشركة تكافل، وشركة استثمار افتراضية) ودراسة الحالات والتدريب الميداني في المصارف والمؤسسات المالية الاسلامية وغيرها من الاساليب الريادية في التعليم، علاوة على وجود مركز للبحوث والدراسات المالية والمصرفية والحقوقية الاسلامية، يحتوي على ثلاثة اقسام (البحوث والدراسات، التدريب، الاستشارات وخدمة المجتمع) وبما يجعلها رائدة اقليميا ومنافسا قويا للجامعات الاجنبية عالميا، وان يحظى خريجوها من المواطنين بفرص العمل الجذابة التي يوفرها هذا القطاع، من جانب، ومن جانب آخر ان الجامعة المقترحة تحقق قيمة مضافة كبيرة للاقتصاد والمجتمع من خلال جذبها للطلبة الاجانب للدراسة في البحرين بحكم ريادية وتفرد تخصصاتها، وللخطة التسويقية المميزة التي تم تصميمها بالاشتراك مع مؤسسات مالية ساندة للقطاع المالي والمصرفي الاسلامي وغيرها من المميزات التي لا يتسع حجم المقال للافصاح عنها، وكما اشرنا في مقالات سابقة الى ان الهيئة التأسيسية للجامعة تتطلع الى قيادة البلاد وعلى رأسها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه لدعم واحتضان الجامعة، وإزالة الحيف الذي لحق بها وعدم حرمان الاقتصاد والتعليم العالي من ايجابياتها، وتلتمس من جلالته تشكيل لجنة لتدقيق استحقاقها الزمني والموضوعي والوطني وفقا للنظم والتشريعات واللوائح الخاصة بمؤسسات التعليم العالي. ذلك عهدنا بجلالته وإيماننا بعدله وانصافه، ومرئياته موجهة دائمة لمسيرة مملكتنا الناهضة بعزه الميمون، أيده الله وحفظه أملا للشعب والوطن.
* اكاديمي وخبير اقتصادي