يوميات سياسية
في تفسير قرار الرئيس مرسي
تاريخ النشر : الخميس ١٢ يوليو ٢٠١٢
السيد زهره
قرار الرئيس المصري محمد مرسي بعودة البرلمان المنحل، والذي فجر كما نعلم ازمة سياسية في البلاد، واصدرت المحكمة الدستورية حكما بوقف تنفيذه.. هذا القرار.. ماذا وراءه بالضبط؟.. كيف يمكن تفسيره؟
نعني، ما هي العوامل والاعتبارات التي يمكن ان تفسر اقدام الرئيس مرسي على اتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت؟
هذا سؤال مهم. الأمر لا يتعلق هنا فقط بمحاولة فهم تطور سياسي مهم، لكنه أساسا يتعلق بنهج الرئاسة الجديدة في مصر في إدارة الحكم، ويتعلق بعوامل واعتبارات وقوى فاعلة سوف تؤثر في مسار مصر في الفترة القادمة.
على اية حال، من متابعة الجدل الواسع الذي ثار في مصر حول قرار مرسي، وما قيل وكتب في هذا الشأن، ومن متابعة التطورات السياسية في مصر عموما، فيمكن تلخيص اهم الاسباب والعوامل التي يمكن ان تفسر قرار الرئيس المصري بحسب التقديرات المختلفة فيما يلي:
أولا: هناك من يرون ان الدافع الرئيسي وراء القرار هو ان الرئيس مرسي اراد ان يؤكد انه رئيس يتمتع بسلطات كاملة، وليس رئيسا منقوص الصلاحيات، واراد ان يعزز موقفه وموقعه في مواجهة القوى الاخرى التي يعتبر انها تنازعه السلطة، وخصوصا المجلس العسكري بالطبع.
من المفهوم ان الذي جعل هذه المسألة مطروحة اساسا، أي مسألة سلطات وصلاحيات الرئيس، هو الاعلان الدستوري المكمل الذي حد من بعض صلاحيات الرئيس لحساب المجلس العسكري، وخصوصا صلاحية التشريع بعد حل مجلس الشعب.
بعبارة أخرى، بحسب هذا الرأي, فان الرئيس مرسي اراد بهذا القرار ان يؤكد ان بيده السلطة الفعلية وان لديه من الوسائل والاساليب ما يجعله قادرا على استعادة كامل صلاحياته وممارستها.
والامر الذي لا شك فيه ان هذا البعد كان عاملا مهما وراء قرار مرسي.
ثانيا: هناك من يرون ان الاخوان المسلمين، جماعة وحزبا سياسيا، هم الذين يقفون اساسا وراء القرار. أي هم الذين فكروا في امر كهذا وهم الذين دفعوا الرئيس الى اتخاذ القرار.
وفي رأي الكثيرين الذين يتبنون هذا التفسير ان تفكير الاخوان في هذا الأمر يندرج في اطار سعيهم وتخطيطهم لاحكام قبضتهم على مقدرات البلاد ، والاستيلاء على كل مؤسسات الدولة.
في رأي هؤلاء ان الاخوان ارادوا بهذا ان يؤكدوا اولا انهم في نهاية المطاف بمقدورهم التحكم في قرارات وسياسات مؤسسة الرئاسة. وثانيا، فان لهم هدف مهم من وراء الاستماتة في محاولة استعادة البرلمان الحالي. ذلك ان لهم السيطرة الكاملة على البرلمان الحالي، ويستطيعون من خلاله ان يمرروا ما يشاؤون من قرارات او قوانين وتشريعات من دون مشاكل. وهم لا يضمنون ابدا في أي انتخابات برلمانية قادمة ان يحققوا نفس ما حققوه في هذا البرلمان من اغلبية ساحقة، وخاصة مع كل المؤشرات التي تؤكد تراجع شعبيتهم في الشارع المصري، وهو ما تأكد خصوصا مع نسبة الاصوات التي حصل عليها مرسي في انتخابات الرئاسة.
ولا شك ان الاخوان لهم يد في القرار بهذا القدر او ذاك.
ثالثا: هناك من اعتبروا ان القرار الذي اتخذه الرئيس المصري تم في اطار اتفاق مسبق مع المجلس العسكري.
والحقيقة انه ليس هناك من مؤشر او دليل عملي يؤكد هذا التفسير، وخصوصا ان الذين طرحوا مثل هذا التفسير يستندون الى مجرد تكهنات وتقديرات عامة جدا، من قبيل القول مثلا انه من المستحيل ان يفكر الرئيس في اتخاذ قرار مثل هذا من دون الرجوع الى المجلس العسكري، او من قبيل الاستناد الى ان رد فعل المجلس على القرار على خطورته، كان رد فعل هادئ جدا ولم يعكس غضبا أو تحديا. هذه تقديرات عامة لا تقوم على دليل مقنع.
رابعا: وهناك من قالوا صراحة ان قرار مرسي تم بإيعاز او تحريض مباشر من الادارة الامريكية.
وهؤلاء يستندون الى مؤشرات عدة من قبيل ان امريكا تتعاطف مع الاخوان المسلمين كما اتضح. ومن قبيل ان القرار تم اعلانه مباشرة بعد لقاء مرسي مع وكيل وزارة الخارجية الامريكية بيرنز. وايضا من قبيل ان هناك تصريحات لمسئولين امريكيين منهم السفيرة الامريكية في القاهرة تدعو الى اعادة البرلمان.
والحقيقة انه لا يمكن ابدا استبعاد الدور الامريكي سواء المباشر او غير المباشر في اتخاذ القرار. لكن ان يكون هذا هو العامل الاساسي وراء القرار ام لا، فهذا امر آخر.
اذن، هذه بشكل عام الاسباب والعوامل المطروحة لتفسير قرار الرئيس مرسي. وهي كما قلت تقدم صورة عامة عن القوى الفاعلة والعوامل والاعتبارات المختلفة التي تلعب وستلعب ادوارا مهمة في صياغة ملامح الحكم في مصر في الفترة القادمة.
وايا كان التفسير الارجح هنا، فالأمر المؤكد ان الذين اشاروا على الرئيس مرسي باعلان هذا القرار ورطوه عمليا واساءوا اليه، والحقوا اذى شديدا بمؤسسة الرئاسة.
وهذا حديث آخر باذن الله.