قضايا و آراء
التعليم الديني في ظل عالم متغير
تاريخ النشر : الجمعة ١٣ يوليو ٢٠١٢
بلا شك نحن نعيش في عالم متغيِّر من ناحية تكنولوجيا ثورة المعلومات والانترنت، فأصبحت المعلومات متاحة الآن أمام الجميع، وأمام شاشات الكمبيوتر.
ولا ريب انَّ ثورة المعلومات هذه، نقلت الإنسانية إلى عالم أرحب، في عالم المعرفة والثقافة، وهي نتاج ثمرات التمدن العلمي والحضاري، ونتاج خبرات عقول من العلماء، الذين ساهموا بإبداعاتهم وابتكاراتهم في التقدم العلمي لصالح الإنسانية.
من هذا المنطلق، فإنه يعكف خبراء التعليم، والقائمون على أمر التربية والتعليم في بلداننا العربية، على الاستفادة من توظيف تقنيات ومبتكرات العصر، في العملية التعليمية التعلمية، وقد أضحت مواكبة التعليم، لمتطلبات العصر، حاجة ملحة وضرورية، وخاصة أن تكنولوجيا الاتصالات والانترنت، أظلت بظلالها، وأصبحت في كل بيت وعند كل أسرة، في مجتمعاتنا.
وثمة نوع من التعليم يلوح في الأفق الآن، قد نشـأ مع بوادر الثورة المعرفية التكنولوجية هذه، ويُدعى التعليم الالكتروني، وهو تعليم يعتمد في الأساس تعلماً وتدريساً، على المعرفة الإلكترونية، وهو ثمار التطور التكنولوجي في هذا الشأن.
صحيح، إن ثورة المعلومات هذه، حوت الغث والسمين، والصحيح والسقيم، ولكن شأنها، شأن سائر وسائل المعرفة، من مصادر الكتب وغيرها، فبعضها قد يحوي الصالح وغير الصالح.
وفي الجملة، فإن الثورة المعلوماتية الإلكترونية، تعد إضافة جديدة متطورة لمصادر المعرفة، ورافداً إضافياً لحقول الثقافة والفكر.
لقد ارتبط التعليم في العقود والسنوات الماضية، بفكرة جمع المعلومة بشكل تقليدي مجرد، والاستفادة منها لتحسين قدرات الفرد، في العمل وفي الحياة.
أما الآن فالمعلومة ليست بذات الأهمية، لسهولة الحصول عليها، ووفرتها، إن التعلم الآن قد يبدأ، بمراحل أخرى، على وجه العلاقة بين المعارف، وربط الصلات بين الحقائق المختلفة، المتاحة، للوصول الى إدراك معان جديدة، أو قد يكون تطويره فاعلية الفرد من طرق الاستفادة من المعلومات لتطويره للعمل والحياة. (قراءة في مستقبل التعليم الإلكتروني، د. باسم خفاجي).
والتعليم الديني في الجملة تنسحب عليه، الدعوات التي تنادي بتطوير التعليم، وهو في حاجة أكثر من غيره، الى إدخال منظومات التحديث والإصلاح به، فإنه مضت عليه عقود وحقب وهو مازال في التقليدية منهجاً وطرائق تدريس، وأساليب بحث وما إلى ذلك.
وفي عالمنا العربي والإسلامي الكثير من الكليات الشرعية، والجامعات الإسلامية، والمعاهد الدينية، تقوم بمهامها بتخريج الوعاظ والمرشدين، والخطباء، وعلماء الدين والدعاة والمبلغين، إلا أن هناك ثمة حاجة، إلى وقفة نوعية، للوقوف على أماكن الخلل - إن صح التعبير - ونقاط التقصير التي من الممكن إصلاح ذلك بالتحديث المستمر.
ولا شك أن تطوير المقررات الأكاديمية، ومناهج التعليم الجامعي، عامل مهم وأساسي، في العملية التعليمية، وخاصة في وقتنا الحاضر، حيث العولمة، وما يسمى بـ (حوار الحضارات)، وقضايا مثل التسامح الديني، والتعايش مع الآخر، وغيرها من ضروب الأفكار المعاصرة المستجدة.
هناك تحديات كثيرة تعصف بالتعليم الديني، سواء بالجامعات أو المعاهد، ويأتي في مقدمتها، غياب الرؤية المستقبلية للتعليم الديني وأهدافها، وتطوير وتحسين الأداء الأكاديمي، وافتقار المباني لأبسط مقومات قيام تعليمي ناجح، إلى جانب المناهج العقيمة التي تدرس، والتي يشوبها الكثير من الإشكالات، إلى جانب عدم مواءمتها مع العصر.
إن طرح مثل هذه القضايا، تستدعي منا الإجابة، عن تساؤلات منها، ما المطلوب من جامعاتنا الإسلامية الآن؟ وما السبيل لتحقيق منظومة تطوير جديدة بهذه الجامعات؟
والواقع ان التطوير هنا يشمل محاور التعليم بأكمله (المناهج والمدرس الجامعي والطالب والكتاب، والمرافق التعليمية المساندة)، هذا، إلى جانب وجوب إدخال تقنيات تكنولوجيا الوسائل التعليمية، وإنشاء المختبرات اللغوية، وإدخال الانترنت في مكتبات الجامعات.
وما نقوله بهذا الشأن ينسحب أيضا على (الحوزات العلمية)، فقد اعتاد الدارسون بها، على تلقي العلوم الشرعية طوال سنوات الدراسة، والتعمق في المطالب الدراسية المختلفة، وهناك ثمة رتابة حاصلة في هذا الشأن، وكذا، هناك تجاهل بالنداءات المتكررة الداعية إلى إصلاح الأسلوب القائم، الذي بدا متخلفاً نوعاً ما عن مواكبة الواقع المحيط به.
قد يفهم البعض أن موجة الإصلاح قد تلغي الماضي بتراثه وأصالته، وهذا توهم منهم، فالمقصود بالتطوير ليس قطع الصلة بالماضي، فشريعة الإسلام، شريعة حية، متطورة، تُلبي احتياجات الفرد والجماعة.
إنَّ الاعتزاز بالماضي، عملية قائمة فعلاً، ولا يمكن نكرانها، أو إقصائها، وهي بمثابة الروح المجددة للإسلام، وكذا فإنها مثمرة، مادامت تصب في صالح الإسلام والمسلمين. (ثوابت ومتغيرات الحوزة العلمية، د. جعفر الباقري).
وإنه مازال بعض مناهج الفقه وعلم أصول الفقه، بهذه الحوزات، تحتل مكانة لدى الطلاب والأساتذة، ربما قد تصل إلى نحو (القداسة والإجلال). على الرغم من أن بعضها قد صُنف بنحو أكثر من نصف قرن، وبعضها قد يمتد إلى ما يقارب السبعة قرون.
ربما يكون اختيارهم وتمسكهم بها، ناجم من خصوصيات فنية علمية، قد تميزت بها هذه المصنفات، عن غيرها، وخاصة في (دقة العبارة) و(اختصار فكرتها) و(استيعاب موضوعاتها) و(اللمسات الفنية الإبداعية العلمية) التي انفردت بها.
إلا أنها قد يشوبها بعض الإشكالات المنهجية الفنية الموضوعية، منها كون لغتها أقرب للرموز، تحتاج إلى فك وتفسير، وحل مفرداتها، مما قد يلاقي طالب العلم الشرعي المبتدئ، صعوبة تامة في فهم عباراتها، ومن تلك المصنفات على سبيل المثال لا الحصر، (فرائد الأصول) والمشتهر بـ (الرسائل)، تصنيف العلامة الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى (1281هـ)، و(كفاية الأصول) تصنيف العلامة الشيخ محمد كاظم الخراساني، المتوفى (1329هـ) و(المكاسب) للشيخ الأنصاري. (المصدر السابق).
هذه المصنفات وغيرها، لم تؤلف من قبل مصنَّفيها بهدف (التعليم)، وإنما صنَّفها أصحابها (لتعبر عن آرائهم ومعتقداتهم ونظراتهم في جملة من المسائل الأصولية). وبالتالي فقد تكون غير صالحة للدور التعليمي. (محمد باقر الصدر، المعالم الجديدةول).
ومما ينبغي تأكيده، وجوب تهذيب مناهج التعليم، وتنقيحها، وتحسين عباراتها، وحذف الفضول منها، وما استغلق من عبارات، قد تخفى على كثير من الأساتذة، فضلا عن الطلاب. (معادن الجوهر ونزهة الخواطر، محسن الأمين).
إن تطوير مناهج التعليم، يتطلب تجميع الإمكانيات الهائلة، لمواجهة تخلف مناهجنا، وذلك عبر أساليب جديدة، تتبنى خيار (الاقتحام)، وأخذ زمام المبادرة في ذلك، وإذا ما تمسكنا بهذه الخيارات بالفعل، استطعنا اصطناع منظومة قوية لأرضية تعليم خصبة، مدعمة بمناهج مطورة، وأساليب حديثة، وتقنيات داعمة حديثة. (الحاجة إلى تطوير التعليم في مصر، أحمد عبدالجواد الأسيوطي).
لقد بات من الضرورة الآن، إدخال العلوم المدنية والحياتية، إلى منظومة تعليمنا الشرعي، ليكون المنتمي للأقسام الشرعية، على دراية تامة بأفكار ودوافع العصر المعاش، فالمعرفة بحسب تنظير البعض، (كلية أو شمولية)، فالعلوم مثل علم النفس والاجتماع واللغات الأجنبية، والاقتصاد الوضعي، والأدب العربي والعالمي، كلها حري، بطالب العلوم الشرعية أن يلمَّ بها.
في أفق الفكر الإسلامي، ثمة عناوين ومواضيع مطروحة، من المكانة بمكان، أن تُدشن كأقسام علمية، ضمن الخطط الأكاديمية، بجامعاتنا الإسلامية، ومعاهدنا وكلياتنا الشرعية.
منها، أعمال البنوك الإسلامية، الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية، الدراسات والبحوث الإسلامية المعاصرة، العلاقات العامة والإعلام الإسلامي.
والخلاصة، إن تحديث تعليمنا الشرعي، ومده بوسائل التقنيات المعاصرة، وتيسيره، وتذليل الصعوبات، لطلابه، وتلافي أوجه القصور به، ومعالجة إشكالاته وسلبياته، والنهوض به، ليتواكب مع عالمنا المتغيِّر، لهو واجب وضرورة على الأمة، وهي دعوة إلى القائمين، على أجهزة التعليم العالمي، ومديري الجامعات، وعمداء كليات الدعوة والشريعة، في أن يشمِّروا عن سواعدهم، في العمل في إصلاح منظومتنا التربوية، لكي نتجاوز أزمة ضعف التأهيل العلمي الشرع
moc.limtoh@46REDIAH-S