الجريدة اليومية الأولى في البحرين


قضايا و آراء


كتّاب المعارضة وتزييف الوعي والتاريخ

تاريخ النشر : الجمعة ١٣ يوليو ٢٠١٢



كتب أحد الكتاب مؤخرا سلسلة من المقالات التي يلوم فيها من سماها بمعارضة المعارضة أو الموالاة على حد تعبيره على أنها ترفض الحوار مع المعارضة إلا إذا أدانت العنف وتبرأت منه، كما كتب نفس الكاتب وفي أكثر من مناسبة مستغربا من نشر وزارة التربية والتعليم أخبار الاعتداء على المدارس بل محتجا على هذا النشر ومؤكدا أن مثل هذا النشر لن «يثني» المعارضة عن «نضالها»! هكذا.
هذه خلاصة قصيرة جدا ولكنها دالة وعجيبة على نموذج غريب من التفكير الذي يبدو أنه فاقد الوعي بما يقول وبما يقصد ولنبين ذلك في نقطتين:
الأولى: تتمثل في الإجابة عن سؤال منطقي وهو لمَ يشعر هذا النوع من الكتاب المندمجين عقلا وروحا مع المعارضة بالقلق إزاء موضوع وقف العنف والمطالبة بوضع حد له والتبرؤ منه، وخصوصا أن هذه المعارضة تدعي السلمية وتقول ليل نهار إنها سلمية، فما الذي يقلقها وما الذي يقلق كاتبا مثل الذي أشرنا إليه من التبرؤ من العنف ومن ممارسته؟ وما الغرابة في أن تطالب الأحزاب والتيارات من خارج هذه المعارضة أو أن تطالب الحكومة بوقف العنف وإدانته كشرط من شروط الجلوس إلى مائدة الحوار وخصوصا أن هذا هو الوضع الطبيعي حيث لا يمكن أن يتم إجراء أي حوار جاد إلا في ظل الهدوء والاستقرار دون أن يعني ذلك حرمان المعارضة من حقها في التعبير السلمي عن رأيها وعن مطالبها؟
الثانية: كان يفترض أن يكون موقف المعارضة ومنها الكاتب الكريم التنديد بالاعتداء على المدارس بأي شكل من الأشكال حتى إن كان هذا الاعتداء عند أسوار المدارس في بعض الأحيان لأن إشعال الحرائق أو رمي المولوتوف على المدارس أو قريبا منها من شأنه أن يثير الرعب في نفوس الأطفال ويشعر أولياء الأمور بالخوف على أبنائهم وبالتالي التغيب عن المدارس وحرمانهم من حقهم في التعليم الذي كفله الدستور ووفرته الدولة للجميع مجانا في المدن والقرى، ولعلم الكاتب المحترم إنه حتى في الحروب العالمية كانت المدارس والمستشفيات في منأى عن العمليات العسكرية لأنها صروح مدنية تقدم خدماتها للمواطنين، فكم كنا نتمنى على هذا الكاتب أن يقول كلمة حق حول الاعتداء الممنهج على صروحنا التعليمية التي صرفت عليها الدولة مئات الملايين من الدنانير لتكون منارة للعلم والمعرفة مسخرة لأبناء هذا الوطن، فالواجب يدعونا للتنديد بهذا العنف المرتبط دائما وفي أغلب الأحيان بالمظاهرات والتجمعات التي تقوم بها المعارضة أيام الخميس والجمع. ألم يكن من الأجدر التنديد بحرق المدارس بدلا من التعبير عن الاستغراب لنشر الأخبار عن هذا العدوان المنظم على مدارسنا؟
هكذا يتبين مستوى انحطاط الخطاب السياسي والمفتقر إلى أي درجة من درجات المنطق العقلاني، هذا الانحطاط في الخطابين الإعلامي والسياسي هو ما يمكن أن نسميه عملية تزوير الحقائق وقلبها ومحاولة تزييف وعي المواطنين والتلاعب بمشاعرهم وتوجهاتهم ومحاولة الاستخفاف بعقولهم بهذه الطريقة السخيفة وغير المعتادة في الخطاب السياسي في جميع أنحاء العالم، فهل يعقل أن يحتج كاتب على من يطالب كتمهيد للحوار بإيقاف العنف والتنديد به والتبرؤ منه؟!
هذا النوع من اللغة السياسية المنحرفة وهذا النوع من التفكير الشاذ هو ما أصبح رائجا في سوق المعارضة التي كانت تفترض أن تكون هي من يشترط وقف العنف لبدء حوار حقيقي، ولكن هي من يمارس العنف يوميا ضد المواطنين والمقيمين وضد رجال الأمن وهي تدعو إلى سحق رجال الأمن لأنها تعلم علم اليقين أنها إذا رفضت العنف أو نددت به أو تبرأت منه سوف يخرج من صفوفها ذلك القسم المتطرف وربما يبدأ بمحاربتها، وهي لا تريد أن تخسر هذه الورقة بل تريدها موجودة مستمرة تبتز بها الدولة والمجتمع في ذات الوقت ابتزاز رأينا أنه لا قيمة له ولا تأثير له في النهاية لأن المسألة لم تعد بيد السلطة وحدها بل أن بعض أو الجزء الأكبر من المجتمع لم يعد يقبل بهذه الخزعبلات ولا هو مستعد للقبول ببيع أمنه واستقراره وتنميته بثمن بخس من أجل أرضاء هذه المعارضة التي اختلطت لديها الأمور، ولم تعد تعي ما تفعله وما تقوله على حد سواء.
من المؤسف في هذا الزمان أن تصبح اللاعقلانية هي السائدة في الخطاب السياسي المعارض وأن يصبح كتاب المعارضة هم من يسهمون في تضليل الناس وخداعهم في إطار المعركة اليائسة التي يقودونها ضد حقائق المجتمع والتاريخ.