الرياضة
جهود أسطورية لمنع الغش في أولمبياد لندن
أكثر من ستة آلاف تحليل لاكتشاف الغش
تاريخ النشر : الجمعة ١٣ يوليو ٢٠١٢
ما يزيد عن 6250 اختبارا لكشف المنشطات، هو الرقم الذي اعلنت الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات عن عزمها بلوغه اثناء اولمبياد لندن 2012 مرسلة بذلك رسالة تحذير خطيرة إلى الرياضيين المشاركين في هذه التظاهرة الرياضية من مغبة تناول اية مادة منشطة حتى ان كانت غير مدرجة بعد في القائمات السوداء.
قبيل وبعد كل دورة اولمبية، تنشط المختبرات والباحثين بغية ايجاد أحدث الوسائل لرصد المنشطات ومنع الغش عبر سلسلة من الاختبارات والتحاليل.
في الماضي، أتاحت مثل هذه الاختبارات للسلطات الرياضية معاقبة المتسابق تايلر هاميلتون في سباق الدراجات الهوائية الذي فاز بميدالية ذهبية خلال الالعاب الاولمبية في أثينا عام 2004 وتجريده منها بسبب فشله في الاختبار، وما تزال أمثولة العداء الكندي الشهير بن جونسون والذي فاز بالميدالية الذهبية لسباق 100 متر في 9,79 ثانية غير أنه حرم من الميدالية، وتم تجريده منها والقضاء على مسيرته الرياضية بعدما ثبت تعاطيه للمنشطات.
«اورينت برس» أعدت التقرير التالي:
يعتبر الغش في الألعاب الأولمبية أمر قديم قدم الألعاب نفسها، لكن الذي تغير أخيرا هو نوع المنشطات والعقاقير التي يتم تعاطيها، فبدلا من العقاقير البنائية التي راجت في الثمانينات، بدأ الرياضيون في تعاطي الهرمونات التي تعجل من بناء عضلات قوية، وعقار تكوين الكريات الحمراء المعروف باسم إريثروبويتين، وهو عقار يزيد من كمية الأوكسجين في الدم، والذي أصبح يحظى بشعبية على نطاق واسع بين الرياضيين الّذين يمارسون رياضات تحتاج إلى قوة تحمل.
ويقوم بعض الرياضيون بالغش، في نهاية المطاف، لأنهم يستطيعون مقاومة ذلك، فالعقاقير متوفرة، وهي شديدة الفعالية لدرجة أن من لا يقومون بتعاطيها سيواجهون أوضاعا تنافسية بالغة الصعوبة، أو هكذا يبرّر الرياضيون لأنفسهم عمليات الغش.
وقد بات تعاطي المنشطات عملية بالغة التعقيد والتطور، حيث يقوم الرياضيون الآن بالاستعانة بخبراء الأدوية والعقاقير للإشراف على برامجهم الغذائية. وما يقوم به هؤلاء في الواقع، هو الإشراف على تعاطي جرعات من مواد غير قانونية لا يمكن اكتشافها. ورغم أن الاختبارات وطرق الفحص الجديدة قد تجعل دورة لندن أنظف الدورات خلال عقود، فإن هذا الأمر لن يحسم الأمر وقد يجد بعض الرياضيين طرقا للالتفاف على الاختبارات.
جهود كثيفة
تتعاظم الجهود البريطانية من اجل حظر أي استخدام للمنشطات خلال الدورة الحالية التي ستعقد في لندن، والهدف الأول من هذه الجهود هو الحفاظ على نظافة الألعاب حيث ستقوم الجهات المعنية بإجراء اكثر من ستة آلاف تحليل على المشاركين في غضون ستة أسابيع فقط وهذا ما يتطلب الكثير من السرعة ومن الدقة. الاختبارات سيشرف عليها اكثر من ألف خبير وتقني اضافة إلى مائة وخمسين خبيرا متخصصا في مكافحة تناول المواد المنشطة وباستعمال نظام متطور لفرز التحاليل ومعاينتها.
وفي هذا الإطار، تم الكشف في بريطانيا عن معمل جديد يوصف بأنه أحد أكثر المعامل الطبية تقدما من الناحية التكنولوجية في تاريخ الألعاب الأولمبية. ويعد هذا المعمل مركزا رئيسيا لمكافحة تعاطي المنشطات في دورات الألعاب الأولمبية ككل وليس فقط الدورة التي ستقام في لندن العام الحالي.
بحسب منظمو الأولمبياد فإن المعمل الجديد، ومقره مدينة إيسيكس وتقدر مساحته بما يعادل سبعة ملاعب للتنس، سيجرى فيه اختبارات تفوق عددا من الاختبارات التي أجريت في أي دورة أوليمبية سابقة. وبالمقارنة فانه يفوق الاختبارات التي اجريت في اولمبياد بكين الماضي بنحو 500 اختبار. وسيعمل هذا المعمل الجديد على مدار 24 ساعة يوميا خلال الأولمبياد للتأكيد على أن كل متسابق حاصل على ميدالية، بالإضافة إلى أكثر من نصف اللاعبين تقريبا، سيخضعون للاختبارات.
وقد تبرعت شركة غلاكسوسميثكلاين، عملاق صناعة الأدوية، بهذا المعمل وبتجهيزاته. وتقول الشركة إنه الجزء الرئيسي من قيمة مساهمتها في دورة الألعاب الأوليمبية والبالغة 20 مليون جنيه استرليني.
لا مكان للمحتالين
وفي التفاصيل عمليات التحليل والاختبارات، سيشارك أكثر من ألف شخص أغلبهم من المتطوعين في جميع الأعمال التي تشمل جمع العينات والتعامل معها. وسيقوم فريق يتكون من أكثر من 150 عالما متخصصا في مجال مكافحة المنشطات بالأعمال الرئيسية الخاصة بتحليل العينات. وسيقود هذا الفريق الدكتور ديفيد كوان من جامعة كينغز كوليدج في لندن. ووعد كوان باستخدام تقنيات «فائقة السرعة وفائقة الحساسية لتتمكن من كشف استخدام المواد المحظورة». وبدوره وعد وزير الرياضة والأولمبياد البريطاني هيو روبرتسون كذلك بأنه لن يكون هناك مكان للمحتالين للاختباء.
وأضاف: «نحن لا نستطيع أن نضمن تماما أن هذه ستكون دورة ألعاب خالية من المنشطات. لكننا نستطيع أن نضمن أننا حصلنا على أفضل نظام ممكن للوصول إلى أي شخص يفكر حتى في الغش.»
ومع أن المعمل يقع بالقرب من هارلو في مدينة ايسيكس، يعد المنظمون بأن كل النتائج السلبية ستظهر خلال 24 ساعة، وأن النتائج الإيجابية ستظهر خلال 48 ساعة، فيما عدا عقار إرثروبويتين الذي يعزز القدرة على التحمل، والذي ستظهر نتائجه بعد 72 ساعة.
ويعتقد كوان بأن الرياضيين المخادعين والذين سينزلون الملاعب لتحدي عملية إجراء الاختبارات سوف يضيعون أوقاتهم وجهودهم. وقال: «حينما يحاول الناس التحدي، فلن يكونوا ناجحين في ذلك. لأننا سنكون أسرع وأكثر حساسية وكفاءة، وسنكون محقين».
تعاون القطاع الخاص
وستكون هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها إحدى شركات صناعة الأدوية برعاية معمل أولمبي لكشف المنشطات. ويؤكد الرئيس التنفيذي للشركة أندرو ويتي أنه لا يوجد تعارض في المصالح في هذا الأمر. وقال: «إن اشتراكنا هو للدعم وتسليم التجهيزات، وليس لدينا دور في عملية الاختبار. ويمكنك أن تكون مطمئن ألف بالمائة بأنه لا يوجد هناك أي خلط أو تعارض.» ولا يقتصر دور الشركة على دفع تكاليف المعمل الجديد، فقد دخلت الشركة في اتفاقية مع الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات (WADA) لمشاركة المعلومات فيما يتعلق بكل المنشطات بما في ذلك المنتجات التي لا زالت تحت التطوير.
ويقول أندرو أنه يريد لشركات أخرى أن تحذو حذوه. وأضاف: «إذا استطعنا أن نقوم بهذا على نطاق أوسع، فسوف يغلق ذلك الدائرة على احتمال أن يأتي الناس بجزيئات لا تكون الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات على دراية بها».
وبينما عبر منظمو اولمبياد لندن عن ثقتهم في امكانية الكشف عن اي عمليات تعاطي محتملة للمنشطات قال باحث ألماني خلال مؤتمر عقد اخيرا بشأن المنشطات ان ما يصل إلى 100 عقار جديد معزز للأداء لا يمكن الكشف عنها وفقا للاختبارات الحالية.
سوابق اولمبية
يذكر ان استخدام المنشطات لم ينتشر على نطاق واسع حتى الخمسينات حينما بدأ السوفييت يستخدمون الهرمونات الذكرية في ذلك الوقت كمنشط رياضي، ورد عليهم الأمريكيون باستخدام المنشطات البنائية. إلا ان استجابة اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية كانت بطيئة. فقد بدأت اللجنة في تطبيق فحوص تعاطي المنشطات في دورة الألعاب الصيفية في المكسيك عام 1968. وقد سمحت بعض الدول لرياضييها لتناول المنشطات لتحقيق الفوز. على سبيل المثال، سمحت الولايات المتحدة، ولعقود طويلة، لعدائيها بتناول المنشطات من دون أية عواقب تذكر. وقد ثبت أن العداء الأمريكي الأسطوري كارل لويس تعاطي منشطات ممنوعة ثلاث مرات في السباقات التمهيدية لدورة 1988 الأولمبية، وبرر لويس ذلك بأنه كان خطأ غير مقصود. كما ثبت أن جو ديلوك، شريك لويس في التدريبات، كان يتعاطى النوع نفسه من المنشطات التي استخدمها لويس. وبعد مضي أكثر من عقد على فضيحة لويس، تم ضبط العداء الأمريكي جيروم يونغ متلبسا باستخدام المنشطات، وبدلا من منعه من المشاركة، سمح له مسئولو الفريق الأمريكي بالعدو في سباق المضمار في دورة ألعاب سيدني حيث فاز بميدالية ذهبية كعضو في فريق التعاقب الأمريكي لسباق الـ1600 متر.