شرق و غرب
هل اغتال «الموساد» الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات؟
تاريخ النشر : الجمعة ١٣ يوليو ٢٠١٢
لقد بثت محطة الجزيرة الفضائية يوم 3 يوليو 2012 تحقيقا وثائقيا وقد تحدثت فيه عن احتمال اغتيال الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد تسميمه بمادة «البولنيوم». لا شك أن هذه الفرضية جاءت لتغذي الكثير من الشكوك وتعيد إلى السطح تلك الشائعات التي راجت في تلك الحقبة حول احتمال تورط المخابرات الإسرائيلية في اغتيال زعيم حركة فتح ورمز القضية الفلسطينية ياسر عرفات.
لقد تمكن أحد المختبرات العلمية السويسرية من اكتشاف آثار مادة البولونيوم 210 السامة في الملابس التابعة لياسر عرفات الأمر الذي زاد في تعزيز تلك الشكوك التي ظلت تسري في مجتمع أجهزة المخابرات الاقليمية والعالمية منذ وفاة الزعيم الفلسطيني: إن المخابرات الإسرائيلية هي التي اغتالت أبوعمار.
بطبيعة الحال لا يوجد أي دليل على تورط المخابرات الإسرائيلية في اغتيال ياسر عرفات وقد لا يتوافر أي دليل إثبات أبدا غير أن الكثير من العناصر تدعم هذه الفرضية. هناك أولا الكراهية الدفينة التي يكنها القادة الإسرائيليون لياسر عرفات، وهي شبيهة إلى حد ما بالكراهية الدفينة التي تكنها الولايات المتحدة الأمريكية لإيران منذ حادثة اختطاف الرهائن واحتجازهم مدة 444 يوما في مبنى السفارة الأمريكية في طهران في سنة .1979
لا يخفى على أحد أن الإسرائيليين لم يعتبروا أن منظمة التحرير الفلسطينية يمكن أن تمثل شريكا ممكنا وإنما كانوا ينظرون إليها دائما على أنها تمثل عدوهم اللدود. لذلك فإنهم فعلوا كل شيء من أجل القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية مثل اغتيال أكبر الشخصيات القيادية إضافة إلى المساهمة في تأسيس حركة حماس سعيا لضرب حركة فتح التي تمثل العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية وإضعافها. يعتبر الإسرائيليون اليوم أنهم نجحوا في شق صفوف الفلسطينيين وبثوا بينهم الانقسامات فإنهم تسببوا بالمقابل في خلق عدو جديد أكثر شراسة.
لقد ضرب الإسرائيليون الحصار على ياسر عرفات في مقر إقامته الرسمي في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة. لقد كان الإسرائيليون يسعون في حقيقة الأمر إلى اغتيال ياسر عرفات في ظل حكومة رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون الذي لا يخفي على أحد مدى كراهيته الدفينة للزعيم ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية والقيادات السياسية الفلسطينية. فقد كان الجيش الإسرائيلي يستهدف مبنى المقاطعة بضربات حية ومباشرة. فقد كانوا يعتبرون أن ياسر عرفات رمز حي وقوي لفلسطين ولاستمرار القضية الفلسطينية، ولابد بالتالي من تصفيته. فرغم عيوب ياسر عرفات فقد كان يمثل رمزا قويا للقضية الفلسطينية. لا يخفى على أحد أن تصفية الخصوم السياسيين يمثل ركنا أصيلا في العقيدة الإسرائيلية الصهيونية بقدر ما أنها متجذرة في السياسة الرسمية للدولة العبرية.
هناك حقيقة لا يعلمها إلا القليلون وهي أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحتفظ رسميا بكتيبة متخصصة في الاغتيالات وهي تحمل اسم «الكينوديم» أي فرقة القتلة، تابعة لجهاز الموساد الإسرائيلي وتضم في صفوفها مجموعة من القتلة المحترفين، سبعين رجلا و12 امرأة تحديدا. إنهم الجلادون الرسميون الذين يعملون تحت إمرة حكام دولة إسرائيل. عندما يقتلون فإنهم لا «ينتهكون القانون» لأنهم ينفذون القرارات التي تتخذها «حكومة الحرب» ورئيس الوزراء الإسرائيلي إذا اقتضت الحاجة ذلك. تتعلق هذه القرارات التي تتخذ في كنف السرية التامة بشخصية تمثل في نظر قادة إسرائيل خطرا يتهدد الدولة العبرية. هذه الوحدة هي التي نجحت في تصفية العديد من القادة الفلسطينيين على مر العقود الماضية من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس على حد السواء غير أنها ارتكبت أيضا بعض الأخطاء. ففي مدينة ليلهامر النرويجية قتل نادل مغربي يعمل في مقهى خطأ بعد أن ظن القتلة أنه أبونضال الفلسطيني.
يوم 19 يناير 2010 أقدم قتلة من هذه الكتيبة على اغتيال محمود المبحوح في دبي بعد أن وضعته على قائمة أعداء إسرائيل منذ سنة .1989 كان محمود المبحوح يتولى قيادة الوحدة 101 في حركة حماس قبل أن يصبح المزود الأول لحركة حماس بالسلاح في قطاع غزة والضفة الغربية. نجح كومندوز القتلة الإسرائيليون في مهمتهم في دبي غير أنهم ارتكبوا سلسلة من الأخطاء الفادحة الأمر الذي ساهم في الكشف عن هويتهم وتأكد أنهم هم من تولوا تصفية القيادي الفلسطيني في حركة حماس محمود المبحوح.. لم تأبه إسرائيل بأصابع الاتهام التي وجهت إلى جهاز الموساد.
أما فيما يتعلق باستخدام المواد السامة في مثل هذه الاغتيالات فإن الأمر غير مستغرب . فقد التقيت في عمان بالأردن رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل الذي نجا بأعجوبة من محاولة قام بها الموساد الإسرائيلي لاغتياله باستخدام مواد سامة شديدة المفعول. لقد تولى اثنان من كتيبة الاغتيالات «الكيدونيم» محاولة الاغتيال باستخدام مسدس مليء بغاز قاتل. استخدم جهاز الموساد أيضا معجون أسنان مخلوط بمادة «تاليوم القاتلة» في تصفية عديد الفلسطينيين الآخرين وهو عبارة عن مادة شديدة المفعول وتسبب الموت البطيء حيث إن «الهدف» المطلوب اغتياله يسمم نفسه بنفسه لدى استخدام معجون الأسنان كل يوم.
أما فيما يتعلق بياسر عرفات فإن البعض اعتبروا أنه لم يكن يحمل سمات المريض المسموم بمادة «البولونيوم2010» بالمقارنة مع ما تعرض له ليتفيينكو، الذي تولت المخابرات الروسية تسميمه في العاصمة البريطانية. يجب ألا ننسى أن الجواسيس التابعين لجهاز المخابرات الروسية حقنوا ليتفيينكو بجرعة سامة تكفي للقضاء على قطيع من الفيلة. أما الاسرائيليون فقد كانوا أكثر دهاء حيث إن جرعة صغيرة تكفي لتصفية الهدف المطلوب.
يمكن لجهاز الموساد الحصول على مدة البولونيوم 2010 بكل سهولة ذلك أن إسرائيل تعتبر دولة نووية وإن ظلت تنفي امتلاكها لترسانة ضخمة من القنابل النووية. تستخدم مدة «البولونيوم 2010» في إطلاق القنابل النووية.
×جيرار دو فيلييه: صحفي وكاتب وناشر فرنسي، خريج الجامعات الفرنسية عمل مراسلا صحفيا في ريفارول، باريس برس وفرانس ديمانش كما أنه اشتهر بالروايات الجاسوسية التي ألفها والتي ترجمت إلى العديد من اللغات.
أتلنتيكو