الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أخبار البحرين

الشيخ السعيدي :

ما أصاب الأمة من ضعف سببه الركون إلى الحياة الدنيا

تاريخ النشر : السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢



دعا فضيلة الشيخ جاسم السعيدي خطيب جامع سبيكة النصف بمدينة عيسى جموع المصلين إلى التركيز على سلعة الله الغالية التي تستحق منا أن نقدم لها الغالي والنفيس من أجل الحصول عليها، فالجنة سلعة الله التي جعل الله مهرها رضاه سبحانه وتعالى ولن يكون ذلك إلا بالإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في عقيدته وتطبيقا لأقواله وأفعاله، كما تحدث فضيلته عن التعامل مع الله عز وجل والاستقامة على أوامره والتضحية بالنفس والنفيس من أجل هذا الدين وتقديمها للآخرة اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، كما حذر فضيلته من الركون إلى الدنيا ومن الانجرار وراء الأهواء وأهل الشرك والنفاق والبدع والضلالات من أجل كسب رضى الناس بسخط الله سبحانه وتعالى داعيا جموع المصلين إلى بيع النفس والمال عبر الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وإنكار المنكرات على أهل الشرك والبدع والخرافات دون مداهنات ولا مجاملات.
وبدأ فضيلته الخطبة بالحمد والثناء لله عز وجل والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين.
ثم تلا فضيلته قول المولى جل وعلا: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ؟ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى؟ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى؟ نَصْرُ اللَّـهِ ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّـهِ قَرِيبٌ» وقوله تعالى «إِنَّ اللَّه اِشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقٌّا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم»، ثم ذكر الحديث النبوي الذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، الا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة).
وقال فضيلته «إن المتدبر في آيات القرآن الكريم التي أنزلها الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم لتدله على طريق الجنة الذي هو مبتغى كل مؤمن عاقل يريد الفوز بما عند الله عز وجل عبر رضاه، فالله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة العظيمة يوضح أنه هو المشتري من عباده فهو المعطي للنفس وهو المعطي للمال وهو من سيشتري ما أعطاه بكرمه وجوده والثمن هو الجنة الغالية التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فهي سلعة الله التي يجب على العاقل الفطن أن يضعها نصب عينيه وأن يجعل هدفه فيها لا أن يجعل اهتمامه وهدفه ومبتغاه في هذه الحياة الدنيا التي يتنافس عليها الناس ويتحاسدون عليها ويبغض بعضهم بعضا من أجلها وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
وواصل فضيلته «إذن من أراد الجنة فبالنفس التي هي أغلى ما يملكه الإنسان والمال الذي يعادلها، وهذا ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فكان أحدهم إذا أصيب بسهم قاتل يقول فزت ورب الكعبة لأنه يعلم أنه قد باع نفسه لله عز وجل الذي وعد عباده الذين يبيعونها رخيصة في سبيله بالجنة فهو وعد من الخالق الجبار أخذه على نفسه بأن الجنة والفوز العظيم هو نصيب هذا الصنف من العباد، إذن يجب علينا أن نعلم ان هذه الدنيا رخيصة فانية، وأن أحدا لن يأخذ أكثر مما كتبها الله له ولذلك قال جل وعلا: «كُللا نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدلانْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ».
وأضاف فضيلته «عندما يقف العبد المؤمن على هذه الآيات يجد نفسه عزيزا شامخا مؤمنا واثقا بنصر الله وتأييده باذلا النفس والنفيس من أجل هذا الدين خوفا من الله وطمعا فيما عنده سبحانه وتعالى، متأسين بالأمم السابقة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وضرب الله بها الأمثال لمن بعدها من الأمم، ومهما حاول البعض ممن يعادون الدين وأهل الدين أن يفعلوا ويخططوا ويضيقوا إلا أن لنا أسوة فيما سبق من الأنبياء والرسل والصحابة الكرام ونعلم تمام العلم أن نصر الله قريب وتأييده سبحانه وتعالى قريب وما يحصل ما هو إلا امتحان وتمحيص للعباد والصبر مطلوب وواجب لقوله تعالى: «وَالْعَصْرِ × إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ × إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر» فلا فلاح بلا صبر، وقمة الفلاح وذروة النجاح هي الجنة التي أعدها الله لعباده الصابرين الذين نجحوا في تخطي الابتلاءات والامتحانات التي مروا بها في الحياة الدنيا وحافظوا على عقيدتهم وعملهم الصالح وباعوا أنفسهم رخيصة في سبيل الله تبارك وتعالى في مقابل الجنة، وحدوا الله تبارك وتعالى وطبقوا أركان الإسلام الخمسة وجاهدوا في سبيل الله وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وذلك من أجل رضى الله تبارك وتعالى الذي أعده الله سبحانه وتعالى صداقا للجنة.
واستطرد فضيلته «لا يختلف اثنان من المسلمين على أن غاية العبد ومراده هو الوصول إلى الجنة وهي المرحلة الأخيرة في مسيرة العبد وهي الطموح والغاية لكل عاقل ولذلك من أرادها يجب أن يعمل من أجلها وأن يصبر لنيلها فهي سلعة الله الغالية التي تحتاج إلى عقيدة وإيمان وعمل صالح متابع لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يؤهل صاحبه لنيل هذه المكانة العالية والمتعة الدائمة، ولذلك من كان سائرا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه من الطائفة المنصورة التي أخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة فقيل له: ما الواحدة؟وتابع فضيلته «إن تقديم النفس رخيصة في سبيل الله يأخذ أشكالا عدة منها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رضى من يرضى وسخط من يسخط دون مبالاة لأن الناس إن رضوا عنك اليوم يسخطون غدا وإن سخطوا اليوم يرضون غدا فالأمر كله بيد الله عز وجل فمن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ومن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، إذن المهم هو مراعاة الله عز وجل والإخلاص له سبحانه وتعالى في أقوالنا وأفعالنا وهذا هو طريق ومنهج النبي صلى الله عليه وسلم فهو الذي ضحى بالنفس والنفيس من أجل الله سبحانه وتعالى فصار سعيدا في الدنيا والآخرة. وعلى سبيل المثال ما حدث في الإسراء والمعراج فهناك من صدق وهناك من كذب ولكن ذلك لم يعق النبي صلى الله عليه وسلم من أداء الرسالة وتبليغها فلم يبالِ عليه الصلاة والسلام بمن كذبه وقال كيف يكون ذلك في ليلة ولحظات، فقد كان عليه الصلاة والسلام يؤدي الأمانة التي كلف بها ويدعو إلى الله عز وجل واضعا نصب عينيه الجنة التي تتحطم أمامها كل العراقيل وتتذلل أمامها الصعاب كافة.
وأضاف فضيلته «إن ما ترونه قد أصاب الأمة اليوم من خور وذل سببه الركون إلى الحياة الدنيا والرضى بها. قال تعالى: «مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إلى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدلانْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدلانْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ». فكثير من الناس اليوم عندما تقول له ضح قليلا وأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأدن هذه الأفعال من شرك وبدع وخرافات وضلال وإساءات للدين وللنبي وآله وصحابته تراه مترددا خائفا على مصالحه الدنيوية وعلى منصبه الدنيوي وخائف على مستقبله ونجاحه الذي يعتقد أنه مرتبط بمداهنة أهل الشرك والبدع والضلالة. قال تعالى: «إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدلانْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» وقال تعالى: «وَمَا الْحَيَاةُ الدلانْيَا إِلا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُون». فهو حريص على دنياه وزخرفها وهذا ما خاف منه صلى الله عليه وسلم على أمته بأن يركبوا الى الدنيا.