أخبار البحرين
الدكتور عبدالرحمن الفاضل في خطبة الجمعة:
سقط 4 طغاة عرب.. ونتمنى سقوط الخامس قبل رمضان!
تاريخ النشر : السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢
قال الدكتور عبدالرحمن الفاضل خطيب جامع نوف النصار بمدينة عيسى في خطبته ليوم الجمعة أمس: «إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ».
لم تعد سوى أيام معدودات تفصلنا عن شهر رمضان المبارك؛ هذا الشهر العظيم شهر العبادات كلها، شهر العزة والنصر والبطولات، شهر تحرر فيه من آمن بما أنزل فيه على المصطفى- صلى الله عليه وسلم- من الآيات والذكر الحكيم - من العبودية الباطلة للبشر، إلى العبودية الحقة لله تعالى خالق البشر، شهر كُسرت فيه قيود التبعية المهنية للطغاة الظالمين، وتحطمت فيه أصنام الظلم، وأطيح فيه بنصب الاستبداد؛ ولكن مع شديد الأسف، يأتي هذا الشهر العظيم والحال ليست هي الحال التي ينبغي أن يكون عليه عالمنا الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، غدت فيه دماء المسلمين أرخص الدماء، يُقتلون بأبشع صور التقتيل ولا بواكي لهم، بعد أن تيقن الأعداء أن المسلمين أنفسَهم في معزل عن بعضهم بعضا؛ كل مشغول بحاله، حدود وسدود مصطنعة، قطعت شرايين التواصل فيما بينهم، حتى غدا جسد هذه الأمة الواحدة لا يشعر بآلام أعضائه التي تقطع بأبشع آلات التقطيع، على الرغم من الأنات والصرخات التي يطلقها النساء والأطفال والشيوخ!!.. إن ما يحدث للأمة أمر مدبر مقصود يشارك فيه المسلمون أنفسُهم جراء سكوتهم المطبق المريب، واستسلامهم المهين للاستبداد؛ الذي مُورِسَ عليهم خلال عقود وسنين طوال، فلما ركنوا إلى ذلك وارتضوه هانوا على أنفسهم، وهانوا على عدوهم، وهذه نتيجة حتمية لمن قبل العيش في المهانة راضياً من دون أدنى مقاومة أو احتجاج؛ إلا من رحم الله تعالى ممن حمل مشاعل المقاومة فتصدى للحكام المستبدين؛ فناله منهم من الابتلاء والتنكيل من سجن وعذاب وقتل وتشريد؟!.. فهؤلاء هم من حُفظت بهم أصالة الأمة في حمل راية الجهاد، ومقارعة الحكام دفاعا عن حياض الإسلام والمسلمين. وانظروا، كيف أن الله تعالى لم يذهب جهاد المجاهدين، والشهداء الذين قضوا، والعلماء العاملين، لم تذهب جهودهم في نصرة الدين، والأمة هباءً منثوراً.
وها نحن اليوم نرى مبشرات انتصار الأمة تهاوي وسقوط بعض أنظمة الاستبداد إثر اندلاع الثورات، وهبات الشعوب؛ حيث سقط حتى هذه اللحظة الراهنة أربعة من الطغاة المستبدين، ونحن نترقب عاجلاً الإطاحة بالخامس داعين الله تعالى أن يسقط سقوطاً مهيناً قبل حلول شهر رمضان المبارك بإذنه تعالى.
هؤلاء الطغاة الظالمون الذين كتموا على أنفاس شعوبهم، وأفقروا أوطانهم، وتآمروا على أمتهم، وتعاملوا مع أعدائها من أجل بقاء سلطانهم، والحفاظ على عروشهم، حتى جاءت اللحظة الحاسمة فهبت تلك الشعوب المظلومة بعد أن بلغ بها الظلم مبلغه، فتهيأت طلباً للحرية التي افتقدتها عقوداً طوال، وإن قيل ما قيل بأن هذه الثورات مفتعلة، مسبقة التخطيط من قبل أعداء الأمة؟!.. إلا أنها قد جرت بها المقادير، وأصبحت واقعاً سيتغير على إثرها - بإذن الله تعالى- مجريات الأحداث لصالح الأمة.
وعليه فإنه لا يمكن لتلك الشعوب التي ثارت وذاقت طعم الحرية أن تعود إلى الوراء فتقبل بالاستبداد وتبعاته مرة أُخرى؟! فلقد انكسرت قيود العبودية، وتبدد معها الخوف الذي كبلها وأفقدها القدرة على الحراك بغية التغيير.. وإنه يوم أن قررت التغيير نفضت عنها رداء الخوف، وانطلقت تهدر بقوة، وما هي إلا أيام حتى تهاوى الطغاة المستبدون الواحد تلو الآخر والبقية تأتي!!.. بعد أن اشتعلت جذوة الحرية والكرامة في القلوب فالتهبت بها النفوس؛ لكونها مطلبا شرعيا يأثم في عقيدتنا الاسلامية العظيمة التنازل عن شيء منها؟! ولنعلم أن المستبد لا يستبد إلا إذا تيقن أن الناس يستسلمون لاستبداده، فهل يقبل المسلم الحر ذلك بعد هذا؟!
من هنا وجب التغيير: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ» فأحوالنا وأوضاعنا بحاجة إلى التغيير، ولا يتأتى التغيير بالتذمر والاشمئزاز وكثرة الثرثرة الفارغة دونما أدنى عمل إيجابي صحيح نسعى من خلاله إلى ذلكم التغيير المنشود، الذي تظهر على إثره النتائج الإيجابية. فهل نمتلك العزيمة الصلبة، والهمة العالية، والإيمان الراسخ؛ لإحداث هذا التغيير؟! نقول بثبات: نعم رغم ما تمر به الأمة من الوهن والضعف والتخلف على جميع المستويات ومختلف الصعد؛ إلا أننا متفائلون بأن عجلة التغيير قد دارت. وأن الأفضل - بإذن الله تعالى- هو الآتي، فالشعوب الآن تعي وتدرك أنها إن لم تتحرك بإيجابية فاعلة لحماية دينها وأوطانها فإنها ستستعبد أو ستباد. وكأننا بأفعال العدو الإجرامية، ومؤامراته الماكرة، وما ينتج عنها من فظاعات، وما تخلفه من بشاعات ستكون دافعاً لهذه الأمة ؛ للتحرك بإيجابية نحو الدفاع عن كيانها.
ولعل اليوم قد تكشفت كثير من الأمور، وأصبح أعداء أمتنا يظهرون عداوتهم بكل وقاحة بعد أن بلغ بهم الغرور والصلف غايته؛ وإن كنا نعلم عداوتهم، غير أنهم اليوم يصرحون بها ويعلنونها على وسائل الإعلام المختلفة، بأن أخشى ما يخشونه هو أن يأتي إلى الحكم الإسلاميون، الذين سيقيمون الدولة الدينية، والتي ستحكم بالحق الإلهي؟!.. وهذا محض كذب وافتراء، فهم يُسقطون عقدتهم - التي عاشوها تحت وطأة ظلم وضلال الكنيسة بعقيدتها المحرفة- على ديننا الإسلامي العظيم؟!.. والعجيب أن يتبنى هذه المزاعم نفر من بني جلدتنا يقولون هذا القول الباطل ويتبنونه، إما عن جهل مطبق منهم بالإسلام - وهم لا يعذرون بجهلهم- وإما عن عمالة للأعداء ظاهرة.. ولهذا نراهم يحذرون ويخوفون من الدولة الدينية التي ستأتي مع وصول الإسلاميين الى الحكم، وإنهم في المقابل يطالبون بالدولة المدنية بحسب ما يزعمون! والدولة الدينية التي يقصدون هي التي تحكم بالحق الإلهي التي ليس للناس فيها إلا السمع والطاعة والخضوع لرجال الدين؛ من دون إبداء أي رأي، أو أي اعتراض؟! كما كانت الكنيسة تفعل في غابر أيامها؟! وهذا كله محض افتراء؛. لأن الاسلام يرفض الدولة الدينية بالمفهوم الكنسي المنحرف ذلك انه أعطى البشر الحق والإرادة في اختيار طريقة الحكم الذي يريدون، واختيار الحاكم الذي يرتضون، وجعل: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» إنها قمة الحرية التي سبقت ديمقراطيتهم المغشوشة؛ والتي فيها من الهنات والعوار ما فيها، وليس المقام مقام تفصيل وعلى هذا الأساس فالإسلاميون يرفضون الدولة الدينية ويؤكدون الدولة المدنية التي دعا إليها الإسلام قبل دعوة هؤلاء المدعين زوراً وبهتاناً للدولة المدنية؛ استناداً الى نصوص الكتاب الكريم، والسنة المشرفة، واهتداء بإدارة وتنظيم الدولة في عهد الخلفاء الراشدين؟! وانني أزعم بأنه لا توجد في الوقت الحاضر دولة مدنية حقيقية مكتملة؟! ذلك أن مصطلح المدنية لا ينطبق لا لغة ولا اصطلاحا على أي دولة في العالم؟ لان المدنية تعني الحضارة - والمعنيان مترادفان- بعيداً عن الجدل فيهما- وهي التكامل في معطيات الحياة كلها الروحية والمادية والأخلاقية، كل هذه الأصل فيها أن ترتقي بالإنسان إلى أعلى درجات الرقى؟! والدول القائمة اليوم التي تدعي التمدن والتقدم والحضارة لا تتمتع بهذا كله مجتمعا؛ لان المدنية في تصورهم القاصر، يقتصر على التقدم المادي فحسب؛ أما بالنسبة للروحي والأخلاقي والإنساني فهو ساقط في الحضيض، ولا يلتفت إليه إلا على سبيل المصلحة المحضة؟! فالسمو الروحي، والصلاح الأخلاقي، والإحساس الإنساني، أبعاد جوهرية في المدنية إذا فقدت فقدت معها المدنية؟!
فالدول التي تدعى المدنية والحضارة، وبسبب خوائها الروحي، وضعفها الأخلاقي، وتجردها من الشعور الإنساني في التعامل مع الانسان المخالف لها في عقيدتها وعرقها وجنسها؛ فإننا نجدها مدنية مفرقة من مضمونها؛ فأي مدنية تزعم بعد هذا؟! فلننظر فقط إلى المذابح التي يتعرض لها المسلمون في كل مكان وأبرزها المجازر التي ترتكب في حق الشعب السوري والتي بلغت الآلاف، والمجاز التي ترتكب بحق إخواننا أركان امسلمة من قبل البوذيين الحاقدين، بل في كل مكان يوجد فيه المسلمون؟! فأين الدول المدنية التي تدعى التمدن أليست هي المتآمرة على ذبح أهلنا هنا وهناك؟! أليست هي التي تمد الطغاة والظالمين بالعتاد والسلاح ليبدوا المسلمين الموحدين من أهل السنة؟!
لقد غاب العدل، واختفت المساواة، وانتهكت الحريات، وسلبت الحقوق، كل تلك الجرام ترتكب على مرأى ومسمع من دول المدنية والديمقراطية، وفي غيبة دولة الإسلام المدنية الحضارية الحقيقة؛ التي يُعمل على تغيبها ومحاربتها، ويسعى لعدم عودتها أعداء الإسلام المتربصين، وأذنابهم من المنافقين، الذين يعيشون بيننا ويتكلمون بألسنتنا، وقد يصلي البعض منهم معنا في مساجدنا، وهم في الحقيقة ألد أعداء الأمة، وإن كانوا لا يخفون علينا؛ فمنهم الذين يطلقون ألسنتهم، ويوجهون كتاباتهم تشويها لحملة الإسلام العاملين، ودعاته المخلصين؛ بينما يمجدون أهل الفسق والفجور والخيانة، ألا قاتلهم الله أنى يُؤفكون؟!
ولنا سؤال أخير؛ هل هناك مسلم صحيح الإسلام لا يرتضي أن يُحكم بحكم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم- وهو يقرأ قوله تعالى: «وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقنون).