الثقافي
قصةٌ قصيرةٌ
السـدومـيــــــــــــــــــون
تاريخ النشر : السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢
في أحد البلاد العربية توجد عائلةٌ ترجع أصولها الى شمال الجزيرة العربية وتحديدا من غور الأردن. يقال إن هذه العائلة التي اسمها «السدومي» يرجع أصلها الى مدينة سدوم وهم البقية الباقية لأسلاف الذين لم يطولهم عذاب وهلاك أهل مدينة سدوم وعمورة رغم ذكر الكتب المقدسة أن تينك المدينتين قد دمرتا بكاملهما وهلك كل أهلهما فيماعدا نبيهم وابنتيه ومعه طائفة من المؤمنين به.
كان سالم سالم السدومي هو عمدة عائلة السدومي التي كانت تعيش في سهول الشمال في منطقة وعرة حيث الجبال الشاهقة وكانت تلك العائلة تعمل في الزراعة وتجارة المواشي وكانت تعتبر من أثرى عوائل المنطقة بل في طول البلاد كلها. لم يكن هذا الثراء الفاحش راجعا تجارتهم بل هو مجرد غطاء لتجارة دولية كبيرة وخطيرة، تجارة السلاح والمخدرات.
ان وجود الجبال السامقة قد ساعد السدوميين علىئإخفاء تجارتهم الحقيقية فيما وفرت تجارتهم بالمواشي غطاء لتجارتهم المحرمة وثرائهم الفاحش ورغم ذلك كانوا لا يعيشون حياة مترفة لكي لا يلفتوا الأنظار وقد كانت تلك التجارة المحرمة بمثابة هواية لهم وللشرور المتأصلة فيهم التي ربما ورثوها من أسلافهم. لم يسبق لعائلة السدومي أن فشلت في عملية تهريب سلاح أو مخدرات واحدة رغم كل التطور التكنولوجي الذي كانت تتبعه أجهزة الأمن المختصة في ملاحقة المهربين والقبض عليهم وكان هذا يرجع الى سبب واحد هو أن عائلة السدومي لم تكن تستخدم أي أجهزة اتصالات أو أجهزة كمبيوتر محمولة أو هواتف خلوية خلال عمليات التهريب ولكن كيف يمكن لأفراد العائلة أن يتواصلوا خلال عملية التهريب الشاقة وسط الجبال العالية وكيف كانوا اذاً يتواصلون خلال عمليات التهريب؟ الأمر رغم أنه كان سرا على الجميع الا أن السبب هو تواصلهم عن طريق العقل فقد كانوا يتواصلون بين عقول بعضهم بعضا بنفس الطريقة التي يتواصل بها الناس في أحاديثهم الصوتية! أما كيف كانوا يفعلون ذلك فالإجابة هي أنهم كانوا يفعلون ما كان يفعل أسلافهم في مدينتي سدوم وعمورة أي أنهم كانوا يفعلون الفاحشة في بعضهم بعضا بطقوس معينة في نادٍ لهم يقع في أحد الجبال ونتيجة لذلك يبدأ التواصل العقلي الذي يمكنهم من الإفلات من الملاحقات الأمنية خلال عمليات التهريب. كانت عائلة السدومي، التي تتكون من خمسة عشر ألفا رجلا وامرأة، تساعد الناس البسطاء والفقراء والمساكين بأموال هي في الحقيقة يدفعونها من أرباح عمليات تهريب وبيع السلاح والسموم البيضاء الى مختلف الدول العربية الشرقية خاصة نجد والحجاز بالإضافة الى مصر وقد كانت تلك المساعدات غطاء آخر لهم ليبدوا انهم أناس خيرون ومحبون للآخرين في حين أنهم لا يتورعون عن فعل الفاحشة في أطفال الآخرين لكي يسمعوا أصواتهم من أجل التحكم فيهم والسيطرة عليهم ولإبعاد خطرهم عندما يكبرون في حالة علم أولئك شيئا عن تجارة السدوميين الحقيقية وهم قادرون على دفع هؤلاء للجنون والموت من خلال التواصل العقلي الذي ينهك العقل والجسد.
كان الرجل السدومي يتزوج في عمر صغير لا يتجاوز العشرين من العمر من فتاة سدومية من أقاربه بشرط ألا تكون صلة القرابة من الدرجة الأولى أو الثانية ويعود السبب في ذلك الى إشباعه الجنسي أولا ثم ثانياً الى عدم وجود عيوب وراثية في أطفاله ثم عند بلوغه الأربعين يتوقف تماماً عن المعاشرة الجنسية مع زوجته وتبدأ عضويته في نادي السدوميين حيث يتم فعل الفاحشة فيه تحت طقوس وتمتمات شيطانية توارثها السدوميون عن أسلافهم الناجين من الهلاك الإلهي ثم يبدأ الرجل السدومي رحلته في التهريب الى حين بلوغ أطفاله سن الأربعين وبهذا يتم خلق جيل سدومي بعد آخر.
يتمتع الرجل السدومي بقوة جسمانية وجنسية هائلة فتراه مفتول العضلات، قوي البنية، سريع الحركة وإن بلغ الستين من العمر ويرجع هذا في الحقيقة الى نقاء العرق السدومي وقوته ويتصف السدوميون بالوسامة الملفتة للأنظار رغم أن نساءهم لم تكن جميلات بل هن أقرب الى الجمال العادي وما دون العادي إن لم يوصفن بالقبح والدمامة ولكنهن يتزوجن السدوميين من أجل الإنجاب فقط ولم يجرؤ أي رجل سدومي واحد على مخالفة ذلك العرف السائد في مجتمعه بالزواج من غير السدومية.
يبلغ عدد الرجال السدوميون الذين يقومون بالتهريب ألفا وخمسمائة رجل يكونون خمسة فرق تهريب كل فرقة تتكون من ثلاثمئة رجل يرؤسها رجل واحد يسمى السدومي العظيم ويرؤس الفرق الخمسة عميد عائلة السدوميين وتقوم كل فرقة بتهريب نوع معين من المخدرات بالإضافة الى السلاح وتقوم كل فرقة بالتواصل العقلي بعيدا عن الفرق الأخرى حتى لا يحدث إجهاد عقلي للرجل السدومي فالفرقة الواحدة تتواصل عقليا في مهمتها دون ان تعلم الفرق الأخرى ذلك ويتم هذا بفعل الفاحشة فقط بين أفراد الفرقة الواحدة دون الفرق الأخرى.
كان مهند السدومي أحد رجال الفرقة الأولى الخاصة بتهريب السلاح والهيرويين الذي اشتهر بأنه أشد أنواع المخدرات وكان مهند السدومي هو السدومي العظيم لتلك الفرقة المسماة بالسدوميين الخالدين.
يتميز مهند بصفات نادرة أهلته ليكون العضو الأهم في عمليات التهريب حيث القدرة الجسمانية الهائلة التي تمكنه من حمل الأوزان الهائلة والقدرة الكبيرة على التواصل العقلي مع أفراد فرقته حيث انه يقوم بالدور الأساسي في عمليات التهريب التي قد تتواصل لعدة أيام دون أن يعرف خلالها مهند أو فرقته طعم النوم أو الراحة. ان من الغريب ان السدوميين لا يستخدمون المركبات في عمليات تهريبهم للسلاح والمخدرات بل كانوا يحملون بضائعهم على ظهور الحمير والجمال التي يعتنون بتربيتها تحت غطاء المتاجرة بها. كان السدوميون يستخدمون هذه الطريقة في الجبال الوعرة حيث كانوا ينقلون بضاعتهم من السلاح الخفيف والمخدرات على ظهور مواشيهم من شمال الجزيرة العربية ليقوموا بتخزينها في كهوف الجبال ثم ينقلونها ليلا الى مخازن لهم في جبال تهامة ليقوموا بتوزيعها على تجار المخدرات والسلاح في نجد والحجاز والذين يقومون بدورهم بتوزيعها هناكئأو تهريبها الى صحراء سيناء ومنها الى مصر وشمال أفريقيا.
كان مهند وفرقته يتسلمون البضاعة من منطقة ما في شمال الجزيرة العربية ثم تنفصل الفرقة الى خمس سرايا ثم تبدأ مسيرة كل سرية بماشيتها المحملة بالسلاح والمخدراتئالى الجبال حيث كانوا يتحركون بسرعة خرافية طوال الليل ويستريحون طوال النهار وكانوا يتواصلون عقليا عند ظهور أي نقطة تفتيش أو دوريات أمنية حيث كانوا يموهون عليها بأن يسلكوا طرقا أخرى أكثر وعورة.
تزوج مهند زوجته هنادي عند بلوغه التاسعة عشرة من العمر وعاش معها لمدة واحد وعشرين عاما حيث انجب منها خمسة أطفال كلهم من الذكور وقد علم بأمر عائلته منذ البداية عن طريق أبيه وعمه اللذين أسلماه لنادي العائلة لكي يفعل به الفاحشة ويتم تدريبه على ما ورثته عائلته من أمور التجارة المحرمة ولم يكن مهند يعرف شيئا عن هذا حتى بلوغه سن الخامسة والثلاثين وقد تقبل مهند الأمر على أنه قدر محتوم على كل رجل سدومي وعلم ان السدوميين لم يكونوا يفعلون الفاحشة لأجل الشهوة وقضاء الوطر كما فهم نبيهم في سالف الزمان آنذاك بل كانوا يفعلونها عن قصد لحماية قوافلهم في أثناء حروبهم وغزواتهم ضد القبائل الأخرى. تدرب مهند منذ نعومة أظفاره والى حين بلوغه سن الأربعينئعلى الركض السريع وبناء العضلات والفنون القتالية كما تدرب أيضاً على حمل الاثقال وقوة التحمل والجلد وتحمل الضغط النفسي الناتج عن التواصل العقلي حتى يتمكن من سماع وتمييز الأحاديث الصوتية العقلية من ثلثمائة رجل سدومي في فرقته. قام مهند بأول عملية لتهريب السلاح والهيرويين الى جبال تهامة عند بلوغه سن الآحديوالأربعين حيث قام هو وفرقته بنقل الأسلحة الخفيفة والهيرويين من شمال الجزيرة العربية الى جبال السروات بسرعة خارقة بلغت أربع ليال كاملة في حين ان هذا العمل يستغرق في العادة عشرة أيام بلياليها أو أكثر وقد كان هذا أقرب الى المعجزة منه الى الإنجاز الباهر. تسلم مهند قيادة سرية فرقته عند بلوغه الخامسة والأربعين واستطاع إعادة تنظيمها وتقسيمها الى ثلاث فصائل كل فصيلة تتكون من عشرين رجلا سدوميا وأجبر كل فصيلة على فعل الفاحشة بينهم حتى يتم تقوية التواصل العقلي الصوتي بشكل أكثر وضوحا وعمل كذلك على فعل الفاحشة في كل رجل سدومي من كل فصيلة حتى يتمكن من السيطرة عليهم جميعا. وفي احدى عمليات التهريب تمكنت قوى مكافحة المخدرات من الإمساك بأحد الرجال السدوميين مما أجبر مهندا الى دفع الرجل السدومي للجنون والهذيان ثم الموت انتحارا من خلال اجهاده عقليا وجسديا مما لم يمكن الجهات الأمنية من استجوابه لمعرفة باقي أفراد الشبكة.
مع مرور الأيام بدا الاشتياق والحنين على مهند لزوجته وأولاده شعر بالأسف لغيابه عن زوجته ومصير أولاده بعد بلوغهم الأربعين وتمنى أن لا يأتي اليوم الذي يرى فيه أحد أبنائه عضوا في نادي السدوميين وبدأ مهند يفكر جديا في الاعتزال لكنه كان يعلم ان هذا الأمر هو في عداد المستحيلات.
بدأ مهند يقرأ أكثر عن أسلافه الهالكين وكيف نصحهم نبيهم بأن يكفوا عن إتيان الفاحشة في نواديهم وكيف أنهم سخروا منه إذ كيف يتركون فعل الفاحشة وهم محاطون بالأعداء الذين يريدون غزوهم خاصة أثناء حلول ظلام الليل وكيف يحمون تجارتهم وقوافلهم دون تواصلهم العقلي فالمسألة اذا مسألة حياة أو موت بالنسبة للسدوميين إلا أن فعل الفاحشة كان له عواقب مهلكة لهم عندما فتك بهم الطاعون الذي يمكن أن يكون مرض نقص المناعة المكتسبة (الايدز) ثم حدوث هزات أرضية مصحوبة بثورات للبراكين التي مازال يوجد آثارها الى الآن في غور الأردن والبحر الميت الذي اكتسب ملوحته الشديدة من الصخور البركانية المتفجرة آنذاك.
كان مهند وهو في الخمسين من العمر يفكر جديا في ترك هذا الأمر والعودة الى زوجته وأولاده لكنه لم يجرؤ على مخاطبة عميد عائلة السدوميين في ذلك الأمر لذلك فكر في طريقة أخرى للهرب مع عائلته من منطقته في شمال الجزيرة العربية الى الحدود السورية ومنها الى جبال الأناضول عن طريق جبال لواء الإسكندرونة وقد راقت له الفكرة فعزم على أخذ الإذن لرؤية زوجته وأولاده ثم مفاتحتها في موضوع الهرب الى جبال تركيا حيث سيكونون بمأمن هناك وقد أعد العدة على أخذ أمواله الى هناك. بدأ مهند بالتفكير في طريقة الهرب فاشترى مركبة ذات دفع رباعي وحمل زوجته وأطفاله وانطلق مسرعا الى الحدود وعندما علم عميد السدوميين بذلك خاطبه عقليا وسأله عن وجهته فأجابه مهند بأنه لم يعد يطيق العمل معهم وانه ذاهب الى غير رجعة فغضب العميد وأمر هند رئيس فرقة السدوميين الخالدين بملاحقة مهند واجهاده عقليا فقام الرئيس هند بعمل جهنمي فقد أمر جميع الرجال السدوميين بفعل الفاحشة في بعضهم البعض فأصبح مهند يسمع أصوات ما يزيد على ألف وخمسمائة رجل سدومي يصيحون فيه ويتوعدونه بأن عد وإلا قتلناك وصاروا يشتمونه ويسبون أمه وأباه ويصفون زوجته وأولاده بألفاظ بذيئة فأصبح مهند غير قادر على التحمل وقد كان خائفا على زوجته وعياله ورغم كل الألم العقلي الذي يعانيه فإنه تمكن من الوصول الى الجبال ثم قام مهند بإعطاء زوجته كل ما لديه من أموال وأوصاها بالأطفال ثم توجه الى مكان بعيد حيث أخرج مسدسا كان يخبئه في أسفل مقعد المركبة ونظر إليه وأدرك الآن ان عذابه وشقاءه لا يختلفان كثيرا عما عاناه أسلافه في غابر الأزمان وأيقن مدى صدق الوعيد الإلهي لأسلافه وصدق نبيهم في نصحهم وإرشادهم الى طريق النجاة بعيدا عن طريق الفاحشة الذي اتخذوه حجة لتواصلهم العقلي والفكري مما زاد من الغضب والسخط الالهي عليهم ففكر قليلا ثم نظر الى السماء ورفع المسدس الى صدغه وأطلق الرصاص منهيا بذلك حياته وعذابه.