الجريدة اليومية الأولى في البحرين


الثقافي


فنانة ترفع زهورها بوجه الباحث عن الجمال

تاريخ النشر : السبت ١٤ يوليو ٢٠١٢



لوحات الفنانة «منى السادلي» في المعرض الجماعي الأخير في رواق المعارض لمؤسسة محمد السادس في الرباط الذي أفتتح في 8 آذار «مارس» واستمر مفتوحا إلى غاية بداية «أبريل» 2012 مع الفنانتين مريم السوعلي وبينخليف يشي بالنزعة الانطباعية لدى هذه الفنانة، فهي تنقل لنا الطبيعة كما تتراءى لعينيها، مذكرة بلوحات »كلود مونيه« الفنان الفرنسي الذي أوجد هذا اللون من الـتأثر الفني بالطبيعة، وبغيره من الانطباعيين، ونذكر هنا بلوحته الشهيرة «انطباع شروق الشمس tnavel l» التي رسمها عام 1872 وأحدثت وقتها ثورة في أساليب الرسم.
وعادة يعتني الفنان بهذا اللون التأثري من الرسم بنقل الطبيعة، كما تراها عينه المجردة من دون أن يشرك الخيال فيما يضيفه على الطبيعة من تغييرات يمليها ذوق الفنان أو أذواق الناس، لخلق التعاطف مع ما يعرض عليهم من فن، وكان الفنانون الذين تأثروا بهذا اللون الجديد يحرصون على الخروج إلى الطبيعة ورسمها بعد أن يقفوا تحت الشمس، وأمام البحر أو في الحقول لساعات كثيرة للنهل منها للوحاتهم، فأبدعوا في ذلك أيما إبداع، وكان من مبدعي هذا اللون الفني رسامون كبار كمونيه، وسيزلي، وبيسارو، وشارك فيها أيضا رينوار وديجا، وتأثر بها لفترة قصيرة فنان كبير آخر هو سيزان، ومن خضم هذه التجربة العملاقة في الرسم الفرنسي، والعالمي فيما بعد جاءت تجارب فنية عربية كثيرة تحاول نقل هذا اللون من خلال غنى فضاءاتنا العربية، المتسمة بتنوعها، ووحدة تضاريسها، التي تتباين بين طبيعة صحراوية وجبلية وسهلية واسعة، ومن خلال تنوع الحياة فوق أرضنا العربية وجد الفنان العربي ضالته، وإبدع أيما إبداع مستلهما ما تعلمه في الغرب، وخصوصا في فرنسا، ونجد ذلك لدى فنانين عرب ومغاربة كثيرين من العراق كمحمد غني حكمت، سعد الطائي، ضياء العزاوي، حافظ الدروبي، وخالد الجادر وهم من ضمن جماعة الانطباعيين في العراق وواحد من هؤلاء هو - خالد الجادر - الذي استقر في المغرب لسنوات كثيرة من عام 1980 ولغاية 1988 وعمل كأستاذ في المعهد العالي للإعلام والاتصال في مدينة الرباط، وأثر في أجيال كثيرة من الفنانين المغاربة، وقد رسم أكثر من 500 لوحة عن حياة المغاربة ومدنهم بعد أن زار مدنا مغربية كثيرة كفاس ومكناس وطنجة، وتطوان وبوزكورة، والرباط والدار البيضاء، وغيرها، وربما كانت منى السادلي احداهم قبل ان يرحل عام 1988 بعد عملية جراحية لقلبه في إحدى مستشفيات الرياض في المملكة العربية السعودية ويدفن في العراق، ومن الفنانين المغاربة حسن الكلاوي، محمد القاسمي، عبداللطيف الزين، وغيرهم، ومن مصر عادل السيوي، محمود بقشيش، وغيرهما.
الفنانة السادلي اهتمت بجعل ألوانها براقة، كما أن الورود والأغصان التي تنقلها من الطبيعة تذوب رقة وعذوبة إلى حد التلاشي في سماء اللوحة، وتندمج ألوانها بألوان الطيف الشمسي، ولوحاتها التي تنقل لنا أحساسا عميقا بعالم الطبيعة وألوانها، تذكرنا بثراء وشدة الألوان للوحات مشهورة كلوحة «زهور الأضاليا في إناء» لسيزان التي رسمها عام 1875 وصارت أيقونة الرسامين الانطباعيين، وإلى وقتنا الحاضر، وعلى الرغم من ان لوحاتها أتسمت بالكبر وتراوحت بين 1 م 2،1 ظم و 95سم 70 ظ سم، مع ميل لوضع روح الفنانة في نفثة الزيت التي تضعها من خلال فرشاتها على قماش لوحاتها، إلا ان تلك المقاييس الكبيرة لم تؤثر في رهافة ضربات فرشاتها كأنما الفنانة تحرص على أن لا توقظ الأزهار النائمة في لوحاتها، وربما تعدد موضوعات الفنانة ونقلها للطبيعة، ولوحاتها الأخرى التي اتسمت بنقل كامل لصور مدن من شمال المغرب كطنجة وتطوان وفاس، من خلال رؤية معمارية للمدينة، وأحساس عميق بحياة الناس في هذه المدن، ينقلنا إلى دراساتها المختلفة في التقنيات المختلفة للرسم وهندسة البناء المعماري من جامعات ومعاهد كجامعة التقنيات في مدينةَمٌُّولَى بهولندا، ومعهد الفنون التطبيقية في مدينة )elbonerG( في فرنسا، ودراستها للهندسة في مدرسة المحمدية للمهندسين في مدينة الرباط، ودراستها التخصصية في قسم الرياضيات، وهذا المزج بين دراسة الفنون ودراسة الرياضيات العالية والرسم الهندسي خلق لدى الفنانة السادلي روح البحث، والتقصي في هيلولات المدن وخرسانتها وحديدها، وزحمتها عن الحياة اللائذة من الزحمة بفرادتها وكينونتها الخاصة.
وعبر معارضها الجماعية والفردية الكثيرة ابتداء من عام 2003 في معرض المركز الثقافي بمدينة أكدال في الرباط، ومعرضها الجماعي في عام 2004 في جاليري أسيما بالرباط ومعرضها في معرض «حدائق التأقلم» في باريس عام 2005 وفي المركز الثقافي عام 2010 في أكدال بالرباط، وفي عام 2011 في معرض جماعي في مركز دار لونا بمدينة الرباط، اهتمت الفنانة بالجانب الروحي وعكست إحساسها العميق بجمال خلق الخالق سبحانه وتعالى، وكونية الخلق الجميل، وتابعت ذلك الخلق عبر مسارات عروق الأغصان والوريقات الصفراء والحمراء الذاوية أو التي في طريقها للانبثاق، كأنما تحدث المتطلع إلى لوحاتها عن قدرة الله تعالى وجليل صنعه، لكل هذا الجمال الذي نصادفه في أحيان كثيرة قرب جدار مهترئ أو على حائط أكلت أجزاء منه الرطوبة، أنها فنانة ترفع زهورها بوجه الباحث عن الجمال، لتقول له تطلع إلى جمال الخالق وقدرته، ويكفي أن تنظر لترى كمال الجمال وهمسه وتسبيحه، أنها بحق فنانة تحيي فينا محبة التطلع إلى الأشياء الهشة، المختفية عن اهتمامات الناس، لتعرضها لنا بكل حيويتها، ودفئها وتجعلنا نشعر بجمال الخلق وسحره.
* كاتب وصحفي
moc.liamtoh@nassahlassiaf