عالم يتغير
اتركوا "الوفاق" تتخبط في أزمتها وتحصد ما زرعته لنفسها
تاريخ النشر : الأحد ١٥ يوليو ٢٠١٢
فوزية رشيد
} لم يكن اعتباطا حين كتبنا في أكثر من مقال طوال الفترة الماضية أن ليس هناك أسس موضوعية وعلمية لدخول البحرين في أزمة حادة كالتي حدثت في فبراير ومارس 2011، وأن الحدث الحقيقي في كل ما حصل ويحصل هو أن من تسمي نفسها المعارضة، حاولت ولاتزال تحاول أن تعكس أزمتها الذاتية على الوطن، وعلى مكوناته كافة بمن فيهم الطائفة التي تنتمي إليها تلك الجمعيات القائدة ما بين المرخصة وغير المرخصة، وأن القيادات التي أسهمت وخاصة منذ بدء المشروع الاصلاحي في تأزيم الوضع تلو تأزيم، فلأنها للأسف تحمل أحلاما طوباوية طائفية وثيوقراطية تابعة لأجندة خارجية مهما جملت نفسا بالمطالب الاصلاحية، ومهما ادعت عكس ذلك، وعليه فان استمرار العنف وتحوله إلى ارهاب منظم هو اليوم جزء أساس من طرائق تنفيذ تلك الاوهام للاستحواذ على السلطة مثلما هي المسيرات اللانهائية أو التي لا تتوقف ليتحول أغلبها إلى أعمال ملحقة بالشغب والتخريب، هي جزء أساس آخر، ولأن كلا الأمرين يتنافى مع السلمية المدعاة، فانهما مع الوقت ومع عدم تحقق الأجندة الانقلابية (يتحولان إلى غاية في حد ذاتهما) لابقاء جذوة التمرد الطائفي مشتعلة في انتظار تحويلها مرة أخرى إلى نار كبيرة تأكل الأخضر واليابس، غير مكتفية بما تسببت به حتى الآن.
} اليوم ومع انكشاف الوجه الحقيقي للحراك الانقلابي الطائفي، ليس في الداخل فقط، وإنما في الخارج، وحيث بدأت "الوفاق" باعتبارها الغطاء الشرعي لذلك الحراك تتساقط أوراقها واحدة بعد الأخرى، حتى أصبح العديد من الدول يطالبها بالتخلي عن ورقة العنف، أو بتسجيل إدانة واضحة من دون التباس أو عموميات للعنف والإرهاب، وآخرها ما جاء على لسان السفير الفرنسي، فإنها بدأت التخبط، والبحث عن أي وسيلة تضعها على كرسي "المعارضة الوطنية السلمية" مجددا، وسواء ذلك بما يشاع حول توسلاتها المخفية عن أعضائها منذ شهور لاعادة باب الحوار بما يحفظ لها ماء وجهها الذي أراقته بالكامل، حتى الآن، أو حتى بالتودد الخجول لتجمع الوحدة الوطنية، باعتبار أن هناك توافقا بين ما تطرحه وبين ما طرحه مؤخرا التجمع في برنامجه السياسي وفي تقريره السياسي، رغم مآخذ كثيرين من أهل الفاتح عليهما، مما يجمل المهمة الوطنية الراهنة ليست رفض الحوار في أفقه المستديم والضروري لكل مجتمع، وإنما في (رفض الوجوه التي قادت الأزمة والتأزيم ولاتزال والقيادات الوفاقية التي تشرعن ذلك التأزيم هي على رأسها).
} نعلم أنه ليس ببساطة أن تتخلى القيادات الوفاقية والقيادات الانقلابية الأخرى عن (دورها الوظيفي) الذي بسببه عكست أزمتها الطائفية والذاتية والسياسية على مجمل الحياة البحرينية، واستخدمت لانجاح ذلك الدور كل ما يخطر ولا يخطر على بال، من أساليب وخطابات وتمويه وكذب وتأزيم ونكران للجمعيات السياسية الوطنية، بترويج أنها مجرد جمعيات موالية، أو أنها أوجدت نفسها فقط لتعارض المعارضة أو كما لا يمل كتابها بأنها "معارضة المعارضة"، رغم جزافية اطلاق هذا النعت عليها، الذي تدحضه عموما وقائع الحراك الوطني في البحرين طوال قرن بأكمله، وحيث انها جمعيات سياسية وطنية من حقها بل من واجبها أن تناهض أي حراك انقلابي طائفي، يعمل على تغيير وجه الحياة البحرينية، والاضرار بالوطن وبالمصالح الشعبية في كليتها، عبر الارتباط الطائفي بين قادة ذلك الحراك الانقلابي في الداخل ومعسكرات الطوائف في الخارج.
وهذا موقف وطني أصيل لا يمكن اجتزاؤه أو اختزال دوره، بأنه جاء ليعارض من يسمي نفسه المعارضة لأنها في الواقع ليست معارضة صحيحة، أو لكأن صفة المعارضة هي "شركة احتكارية" توزعت أسهمها بين الوفاق وأتباعها والجمعيات غير المرخصة من دون اسناد منطقي أو موضوعي أو علمي.
} اليوم يرتد كل سلوك وخطاب التأزيم على أصحابه، ولذلك فان الوفاق وهي تتخبط وتحصد الحصاد المر من البذور السامة التي زرعتها في البحرين، فيجب تركها لتأكل حصادها وحدها ومن كان معها، رغم أن الرياح وزعت بعض بذورها السامة في تربة المكونات الأخرى، ومستها بالأحقاد والكراهية وعناصر الغدر الخ.
وإذا كانت "الوفاق" تريد أن تلعب لعبة سياسية بعد فشل ما لعبته سابقا، فان أول شيء تحتاج إليه قبل أن تلعب مجددا كمثال هو مراجعة ذاتها، ومراجعة كل أوراقها، والقيام بنقد الذات والخروج من دائرة الأوهام وعقدة التأزيم المستمر للحياة البحرينية، والتخلي عن أهداف وغايات تبعيتها الطائفية للمرجعية الدينية - السياسية الداخلية والخارجية والاعتذار لجمهورها وللشعب البحريني، ولأن ذلك لن يحدث لأنه يعني "حل جمعيتها الراهنة" واعادة التأسيس من منطلق وطني مدني لا شبهة فيه، ولا ارتباطات خارجية أو تمويل خارجي أو تدريب ارهابي لبعض اتباعها الخ، فانها هي اليوم في أزمة ذاتية حقيقية، من المفترض تركها تتخبط فيها، من دون اسقاط قارب نجاة لها لتعاود الكرة من بدايتها مجددا، وسواء كان ذلك الانجاد من الدولة أو من أي جمعية سياسية وطنية فهذا ما جنته براقش على نفسها فلتحصد ما زرعته، ووحدها حتى تتغير قيادات ومنهجية الوفاق.