الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


بين قطبينِ اجتماعيين مختلفين

تاريخ النشر : الأحد ١٥ يوليو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



تعبرُ حالات تفتت صفوفِ البرجوازياتِ الصغيرة بين الاقطاعين السياسي والديني عن الموروثِ الشمولي في الاتجاهات السياسية العربية وعدم قدرتها على إيجادِ ثقافةٍ تنويريةٍ ديمقراطية داخلها خلال العقود السابقة.
حين يتقارب التصويت لمرسي وشفيق وينقسم المصوتون هذا الانقسام الكبير، يعبرُ ذلك عن هيمنةِ النظام السياسي على الجمهور خلال عقود، والمعارضة الوحيدة الممكنة عبر النصِ الديني التقليدي.
الدولُ غدتْ قطائعَ لمن يحكم، وكأن ذلك حدث من خلال القَدر الديني، أو بإرادة سماوية، بل من خلال أسباب اجتماعية، وهو موروثُ القرون الوسطى لم يتبدل.
ولهذا فإن النصَ على أن دين الدولة الإسلام هو تأكيد على هذه القَدرية وأن الحكمَ هو استمرار سلفي، وتغدو المادةُ مجردةً ضبابية لا تخصُ أناساً محددين، وتشملُ الفقهَ والعادات والتقاليد والتفسير وغير هذا، مما يحيلُ الدولَ إلى كائناتٍ غيبية مخصصة للبعض، ولا يكون للدول المختلفة تأثير حول هذه المادة الدستورية، والتي يمكن أن تُفسر من خلال ليبراليين يُحجّمون من التدخلات الدينية في الأحكام أو من خلال المتشددين الذين يرفضون الفنون ويحطمون التماثيل.
هذه المادةُ غدتْ عامةً مجردةً مطاطية يمكن أن تكون في نظامٍ دكتاتوري دموي أو في نظام ليبرالي محدود، مما يعبرُ عن هلامية التطور الاجتماعي السياسي، وعدم التوجه للحداثة الديمقراطية، والمادةُ كذلك تعبيرٌ عن عدم قدرة الأنظمة والحركات السياسية المختلفة خلال اثني عشر قرناً عن تحديد ما هو النظام السياسي في ظل الإسلام؟
كما أنها تعبيرٌ عن عدم تكون الطبقات الحديثة وهيمنة الطوائف، واستمرار المسلمين في العصور الوسطى، وهو لا ينطبق على الدول بل على المنظمات المعارضة لهذه الدول فهي لم تخرجْ عن نسيج العصور الوسطى.
من هنا لا يغدو للمعارضة تراث تراكمي ديمقراطي، فهي لا تعبر عن طبقة وسطى تمتلك مصانع وتجذر الديمقراطية والحداثة، وما الدول سوى مزرعة، كانت زراعيةً يسودها الخراجُ، والآن هي حِرفيةٌ استخراجية لمواد، وتُعطي فائضَ القيمة الأكبر للطبقة السائدة.
وتحويل فائض القيمة للصناعات الخاصة والعامة والثورة التقنية هو البرنامج المفقود. ولهذا فإن الفئات السياسية البرجوازية الصغيرة تتذبذبُ بين قطبين، قطب الحاكم وقطب المعارض الحاكم.
الأولُ يحكمُ عبر أدوات الدولة، والثاني يحكمُ عبرَ أدوات النص الديني.
الأولُ يحولُ المادةَ الأولى في الدساتير إلى أحكام واسعة متناثرة، متعددة، رجراجةٍ بين الماضي والحاضر، بين التراث والعصر، يشير إلى أن حقيقة الإسلام متنوعة، سمحة على ما يذكرون دائماً.
فيما المعارضُ الديني يحكم من خلال النصوص فيشددُ على معانٍ محددة نصوصية برامجية في العادات والتقاليد ويشدد على موروث مذهبي محافظ بعينه، وهو من خلال ذلك يسبب مواجهةً مع الدول (المنحرفة)عن النص الذي يملك هو تفسيره فقط.
لقد اشتغلتْ الاتجاهاتُ السياسيةُ العربية (الثورية) الشمولية على وهم الخروج عن هذه الثنائية، فهي رفضتْ القرونَ الوسطى خيالاً، وهي جاثمةٌ فيها، وانطلقتْ مثل الصواريخ في الفضاء السياسي السحري، ثم تفتت، لكونها لم تشتغل على تغيير هذه الثنائية القطبية السابقة الذكر بل القفز عليها ووضع مهمات نضالية خيالية.
وهذه الثنائية الاستقطابية على المستوى الإسلامي العام وعلى مستوى الدول والمجتمعات الداخلية، لا تتغير إلا حين يتحول بئرُ الماء والمزرعة وحقل النفط ومنجم الفوسفات ليغدو رأسمالاً وطنياً وليس فقط رأس مال طبقة، حينئذٍ من خلال البرلمان والسوق وتداول السلطة يحققُ حداثةً ديمقراطية، لتغيير طابع القرون الوسطى.
إن الفئات السابقة المتوجهة للشعارات الكبيرة انقسمت بين فريقين، كل فريق يؤيد قطباً من القطبين.
لهذا تستعمل مفردات التشنج والحدة والانتقائية ويغيبُ المنهجُ التاريخي في تحليل القطبين وجذورهما وكيفية تغييرهما معاً نحو الحداثة. القطبان في انفصالهما لا يكوّنان ثروة وطنية متكاملة ولا حداثة، بل من خلال انصهارهما وتكوين دولة حديثة.
لكن القوى الاجتماعية السياسية الكبيرة جاءت من هذين القطبين: الإقطاع السياسي والإقطاع الديني، حيث تمكن القطبان من خلق الجماهيرية لهما عبر الموارد والنصوص المهيمنة معاً. ومن هنا هذه الحالات من تكرار التخلف المستمر، وغياب نشوء القوى الوسيطة المعتدلة التي تقرب وتلغي الاستقطاب سياسياً واجتماعياً.