الحوار الوطني بعد الاعتذار وبعيدا عن العمالة للخارج
 تاريخ النشر : الاثنين ١٦ يوليو ٢٠١٢
بقلم: د. نبيل العسومي
عندما يكثر الحديث عن وجود بوادر للحوار الوطني ولم الشمل، أو بوادر حول بدايات للحوار، نشعر ببعض التفاؤل لزحزحة ملف الأزمة التي تعصف ببلادنا منذ أكثر من عام والتي طال أمدها، ولكن بقدر ما نستبشر بهذه البوادر بقدر ما نشعر بعدم التفاؤل لأسباب عديدة منها على وجه الخصوص أن المعارضة وأتباعها مازالوا يكررون الخرافات نفسها والادعاءات عينها والطلبات نفسها، بل لا يبدو أنهم يفهمون المعنى الحقيقي لأي حوار وطني جاد، فنجدهم يجلسون حول طاولة الحوار مع الأمريكان في السفارة الأمريكية بدلا من أن يجلسوا إلى طاولة الحوار مع شركائهم في الوطن من دون شروط، وهذه مفارقة عجيبة غريبة!
السبب الثاني الذي لا يدعو إلى التفاؤل أن هذه المعارضة إلى حد الآن مازالت تعيش حلم الثورة، وفي أجواء الانقلاب السياسي الذي يؤدي إلى فرض شروطها التي فشلت في فرضها في شهر مارس من العام الماضي وهي في أوج اندفاعها وغرورها آنذاك، والدليل على ذلك أنها مازالت تغني أغنية وثيقة المنامة التي لا تمثل إلا بعض عناصر المعارضة ولا قيمة لها لا شرعية ولا قانونية أو دستورية أو حتى شعبية، كما أنها مازالت تتحدث بلا خجل عن مبادرة سمو ولي العهد التي رفضتها في حينها وسخرت منها ووضعت كل العراقيل أمام تنفيذها هم اليوم يستعيدونها إلى الواجهة كأنما عجلة التاريخ لم تتحرك، وكأنما الوضع على الأرض لم يتغير وهذا وجه آخر من وجوه الخرافة في عقلية هذه المعارضة السطحية التي لا يبدو أنها تفهم في السياسة ولا في التاريخ شيئا، وإنما تفهم فقط في فن العمالة في الداخل والخارج، ولذلك لا تجد إلا السفارة الأمريكية ملجأ تستجدي فيه الحكومات بعد ان قطعت أواصر العلاقة والتواصل والاتصال مع أبناء شعب البحرين بجميع فئاتهم، وبعد ان شوهت سمعتها في الداخل، وهذا مصير كل من يبحث عن حلول غير وطنية أو خارج الإطار الوطني.
إن المعارضة تطالب بالتفاوض لا الحوار مع الحكومة لأنها تعتقد بأسلوب الابتزاز على طريقة حزب الله في لبنان وكتائب المهدي في العراق واستخدام الإجرام والتعدي على المحرمات وعلى أمن المواطنين والمقيمين وعلى استقرار البلد والعباد كنوع من الابتزاز للحكومة وإجبارها على الخضوع، وهذه نظرية فاشلة جربت عدة مرات وفشلت، وخصوصا بعد ان تبين أن استخدام المولوتوف والتفجيرات والحرق التي يقوم بها مأجورون وبمقابل مادي عدا ونقدا ينفذونها في جنح الظلام من أموال الفقراء والمساكين أو المحصلة من وراء البحار، وليس الأمر مرتبطا بقضية أو بمطالب بل بإجرام منظم ومحترف ومدفوع الأجر، وعليه فلا أمل أن يؤدي الابتزاز إلى تركيع المجتمع البحريني حكومة وشعبا، بل لعل المعارضة الهزلية لم تدرك بعد أن السلطة اليوم لم يعد بإمكانها إجراء تفاوض مع المبتزين حتى إن رغبت في ذلك لأن مكونات شعب البحرين لن ترضى بالابتزاز وبأخذ البلاد رهينة.
آخر ملاحظة نهمس بها في اذن من تبقى في هذه المعارضة والعقلاء منها الذين لديهم إدراك سياسي هي إذا اردتم الحوار صادقين فلابد أولا أن تراجعوا أخطاءكم الكارثية وأن تعتذروا للشعب البحريني الطيب المسالم عن الجرائم التي ارتكبت باسم النضال وباسم المطالب وباسم السلمية، وعن كل الكوارث التي عشناها خلال الفترة الماضية والتي كانت بسببكم وعن كل الخسائر التي دفعناها من اقتصادنا ومن أمننا بسببكم.
إنكم لا تدفعون الفاتورة بل نحن من يدفع الفاتورة فأنتم تنعمون بالسفر المجاني على الدرجة الأولى على حساب الفقراء والمساكين وتطوفون العواصم الأوروبية والأمريكية، وأنتم الذين ترفلون في أحلى حللكم أمام الفضائيات العالمية تشتمون في بلدانكم حكام هذا الشعب الكرام الذين بنوا الدولة ونشروا العدل والأمن ووفروا أساس الحياة العصرية للجميع.
وكلمة نهمس بها أيضا إذا اردتم صادقين ومازال لكم بعض الوطنية اعترفوا بأخطائكم واعتذروا عنها وعودوا إلى جادة الصواب، إلى حوار وطني يشارك فيه الجميع بلا وثيقة المنامة و"بلا بطيخ"، اجلسوا مع مكونات شعب البحرين بعيدا عن الأجندات والتعليمات والتوصيات الخارجية ورتبوا المطالب وقيموا الأوضاع لتصلوا إلى ما يمكن الاتفاق حوله وتحقيقه من مكاسب إضافية من دون غرور وتزييف، ومن دون عمالة للخارج خصوصا.
.