المال و الاقتصاد
"فوركس" تؤكد في تقرير حديث استمرار هشاشة النمو الاقتصادي العالمي
تاريخ النشر : الاثنين ١٦ يوليو ٢٠١٢
كانت الأسواق في الربع الأخير أكثر تفاؤلا بشأن الاقتصاد العالمي، ولكن هذا التفاؤل سرعان ما تلاشى، أما بالنسبة إلى توقعات النمو، والتي تم وضعها في البداية بنسب أعلى، فما لبثت أن قلصت مرة أخرى. من السهولة أن تتملكنا مشاعر الحماسة أو اليأس وأن نقوم بإطلاق التخمينات صعوداً وهبوطاً.
فعلى سبيل المثال في الولايات المتحدة، والتي تعد الاقتصاد الأكبر في العالم، ثمت مراجعة توقعات نمو إجمالي الناتج المحلي لها لهذا العام، ثم تقررت زيادتها في إبريل لتبلغ 2.4-2.9% بدلاً من النسب السابقة والبالغة 2.2-2.7%، ومن المرجح جداً أن ذلك سوف يقلص من حجم هذه التوقعات نظراً لبيانات التدهور في الآونة الأخيرة، والتي تضمنت بعض التراجع في بيانات الوظائفي مايو ويونيو.
ويتبدى لنا أن التقلبات قد زادت، ليس في الأسواق المالية فقط وإنما أيضا في النشاطات الاقتصادية.
ولاحظت البنوك المركزية الانخفاض الحاصل في النشاط الاقتصادي وتصرفت أو كررت التزامها بالعمل إن لزم الأمر. وفي الصين - ثاني أكبر اقتصاد في العالم - تم خفض سعر الفائدة للمرة الاولى منذ يونيو عام 2008، وقد تبع ذلك تخفيض ثان في يوليو تم الإعلان في نفس اليوم الذي أعلن فيه البنك المركزي الأوربي وبنك إنجلترا عن تدابير تسهيلات جديدة.
ولم يكن ذلك مؤشراً على أن المسؤولين الصينيين قد أقروا بالتراجع فقط، لكنه كان مؤشراً على استعدادهم للعمل من أجل دعم النمو، بعد أن بدأ التضخم بالتراجع بوتيرة سريعة نسبياً. وتراجعت أسعار المستهلك بنسبة 2.2% في يونيو مقارنة مع 3% في مايو.
ومن المرجح أن يقوم بنك الشعب الصينى (البنك المركزى) بتسهيل السياسة النقدية في الأشهر المقبلة ما قد يؤدي إلى إحداث تأثير إيجابي على الاقتصاد. وفي حين أننا لا نعتقد أن ذلك سوف يشهد تحولا حاداً في النمو، فمن الممكن أن يخفف من وتيرة التباطؤ ويشهد هبوطاً أكثر أماناً في الاقتصاد الآسيوي الكبير.
ومع إجمالي ناتج محلي بلغ في آخر تسجيل 8.1%، في حين هدفت الحكومة إلى بلوغ نسبة 7.5% في عام 2012، ثمة مجال لمزيد من التباطؤ في الاقتصاد.
ومن الأمثلة الإضافية على التباطؤ الملحوظ هو مؤشرات PMI التي انخفضت إلى فوق عتبة 50 المحورية مع قراءة بلغت 50,2 ما يشير إلى توسع في حين تواصل الأرقام غير الرسمية الانخفاض بشكل كبير في المقاطعات المنكمشة مع قراءة أخيرة بلغت 48,2.
وتجنبت أوروبا بشكل ضيق الركود الفني حيث حافظت أرقام إجمالي الناتج المحلي على معدلاتها من دون تغيير في الربع الأول. (يحتسب الركود الفني من خلال الجمع بين ربعين متتاليين لنمو إجمالي الناتج المحلي السلبي).
وساعد أكبر اقتصاد في أوروبا، والمتمثل بألمانيا، المنطقة للنجاة من الانكماش،ومن غير المحتمل أنها سوف تكون قادرة على القيام بذلك في الربع القادم. وتشير المؤشرات الرئيسية إلى تراجع مؤشرات PMI لأقل من 50، وقد أقحم معظمها في مسح ZEW منذ عام 1998، كما أن قراءات IFO تتناقص باضطراد.
وتم تسجيل معدلات البطالة في منطقة اليورو بحيث بلغت نسبة عالية بلغت 11.1%، وطلب رابع أكبر اقتصاد في المنطقة - إسبانيا - المساعدة لقطاعها المصرفي المضطرب. ويواصل الساسة مناقشة آليات حل الأزمة في اجتماعات تنتج عناوين رئيسية تؤدي إلى تقلبات في الأسعار. كما يشكل التقشف، الذي فرض في جميع أنحاء أوروبا، ثقلاً على آفاق النمو، وانخفاض الثقة، وزيادة الاضطرابات السياسية التي تؤثر سلباً على تكاليف الاقتراض.
وتتوقع المؤسسات الرسمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي نمواً سلبياً لإجمالي الناتج المحلي في أوروبا هذا العام، ونحن نشاطرهم وجهة نظرهم هذه، ما يشير إلى استمرار تقدم الانكماش مما قد يؤثر على الميول العامة، وكذلك الأمر على العملة الموحدة. ولا يزال اليورو دولار ضمن قناة هابطة طويلة الأجل حيث تبلغ قمة القناة حالياً حوالي 1.40 كأكبر رقم. وقد شكل هذا أيضاً تقاطعات SMA لمئة يوم، وSMA لواحد وعشرين أسبوعاً.
وفي الولايات المتحدة، تباطأ نمو العمالة بشكل ملحوظ، حيث ارتفع معدل البطالة، وانخفضت مبيعات التجزئة مدة شهرين متتاليين. ومع التراجع الأخير في مبيعات التجزئة انخفضت مبيعات السيارات لأكبر معدل منذ عامين.
ونظراً لأن الاستهلاك يشكل غالبية اقتصاد الولايات المتحدة، فإن البيانات لا تبشر بالخير بالنسبة لأرقام النمو في الربع الثاني التي ستصدر في الأشهر المقبلة.
ومنذ بعض الوقت، كان الانتعاش الاقتصادي يبدو وكأنه يلتقط أنفاسه، إلا أن التقدم قد توقف وفقد الزخم نتيجة لتجدد التوترات في أوروبا وبرامج تقشف الحكومات التي أثرت على النمو. ومع محاولات العديد من الدول للحد من نسب الديون المرتفعة، أدت عملية تقليص المديونية إلى تخفيض الإنفاق الحكومي الذي يعد أحد المكونات الرئيسية لنمو إجمالي الناتج المحلي.
بدلاً من إنفاق المال للعمل في الاقتصاد، فقد أدى تزايد الشكوك إلى التشجيع على محاولة إيجاد بر الأمان حيث لاذ المستثمرون بالفرار إلى أماكن أكثر أمناً. وقد بلغت عوائد السندات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا مستويات قياسية في الأسابيع الاخيرة مع تدفقات رأس المال في الأوراق المالية الحكومية. ونتوقع أن تستمر حالة الشك في سيطرتها ما سيؤدي إلى نفور المستثمرين من المخاطرة وترددهم في وضع رأس المال في الشركات والإنفاق.
ونتوقع أن نشهد نمواً ضعيفاً حيث يواصل الاتحاد الأوروبي التعامل مع أزمة الديون الجارية، إضافة لاستمرار حالة عدم اليقين السياسي. ومن المرجح للنشاط الاقتصادي أن يتباطأ أكثر في الصين، ليقترب من هدف الحكومة والبالغ 7.5%، وقد تقع منطقة اليورو في الركود، وقد تؤدي السياسات المالية التقييدية إلى عرقلة النمو.
ويكمن الخطر في الاتجاه التصاعدي في حال أطلقت البنوك المركزية مطابعها لتوفير المزيد من الحوافز لدعم النمو. ومع ذلك، فعادة يحتاج الأمر لوقت طويل ليتمكن النشاط الاقتصادي الحقيقي من أن يعكس السياسة النقدية التوسعية، وقد أبدى حكام البنوك المركزية تردداً أكبر لاتخاذ إجراءات دون أن يقوم نظراؤهم السياسيون ببذل المزيد من الجهد على الجبهة المالية.