الجريدة اليومية الأولى في البحرين


أفق


المقارباتُ الديمقراطيةُ مطلوبةٌ

تاريخ النشر : الاثنين ١٦ يوليو ٢٠١٢

عبدالله خليفة



يعبرُ المذهبيون السياسيون المؤدلجونَ للإسلامِ عن مواقف الارتباط بالدول رغم أنهم ينتمون إلى فئاتٍ اجتماعية صغيرة وإلى طبقات عاملة شعبية.
لم يستطع هؤلاء خلال قرون من التعبير عن الجمهور العربي والمسلم، فارتباطهم بالدول التقليدية جعلهم جزءًا من نسيج الوعي التقليدي، الذي هزمَ التيارات المعارضة في العصر الوسيط التي عجزتْ عن إنتاجِ وعي ديمقراطي داخل الإسلام.
ومع ضخامة التجارب المعاصرة في نشوء الدول والحركات المستمدة من هذه المذهبيات السياسية انتعشت هذه التيارات بأشكال مختلفة.
إن التيارات السنية السياسية ظلت مرتبطة بالأنظمة المتعددة في العالم العربي، وظلتْ مرواحةً بين الحالة المدنية الديمقراطية في مصر غير المنتصرة وبين محافظة الجزيرة العربية، وإذ أيدتْ الجوانبَ السياسية الشعارية في الديمقراطية لكنها عجزتْ عن تحويلها لنظرةٍ ديمقراطية عميقة، تساوي بين حقوق الرجال والنساء، بين حقوق الطوائف والأديان، ولم تعارض الأشكال الاستغلالية المتطرفة كالإقطاع الزراعي، ولم تقرأ التراث الإسلامي قراءة موضوعية تاريخية عصرية.
ارتباطها ببعض الدول السنية تاريخياً وفي الزمن المعاصر ميزها عن التيارات المذهبية السياسية الشيعية التي تمركزتْ تبعيتُها للنظام الإيراني وحده.
لكن المسائلَ الفقهية المختلفة لا تغير من الجوهر الاجتماعي الطبقي التقليدي لهذه التيارات كذلك، فهي مجرد اختلافات صغيرة لا تبدلُ الموقفَ الاجتماعي السياسي المحافظ.
ولهذا فإن حراك فبراير البحريني لسنة 2011 كان حراكاً مذهبياً ولم يتحول إلى حراك وطني ديمقراطي، وكانت التيارات المُسيّسة للمذهبيةِ الشيعية قد أصرت خلال عقدين على التفردِ بالهيمنةِ على الحركة الاجتماعية السياسية، ولم تقدر على التحول لوعي ديمقراطي بحريني، بسبب الاعتماد على استيراد المواد السياسية الإيرانية التي سادت بعد فترة من التأثر بحزب الدعوة العراقي، وهي صورتْ نفسها بخلاف ذلك للجمهور الشعبي المطالب بتطوير أوضاعه الاجتماعية والاقتصادية التي هي كلها ظروف شعب بحريني واحد وليس ظروف طائفة، وإن كانت ثمة ظروف تمييز تمت لكنها تمت بعد تحول إيران لنظام شمولي مُصدّر لأزماته.
لم تستطع القيادات السياسية هذه أن تطور نفسها وتستقل وتنتج وعياً بحرينياً وطنياً، مصرة على بقاء خيوط الحركة السياسية المعارضة كلها في يدها، وقد بيّن الشعبُ البحريني أنه لا يقبلُ الحراكَ المذهبي السياسي أياً كان طابعه وقد فشلت كل المحاولات خلال ربع قرن من هذا التجريب.
أما الجماعات المُسيّسة للمذهب السني فإنها كانت متعاونة دائماً مع النظام ولم تنتج كذلك وعياً ديمقراطياً، يحفر في تحليل مشكلات الناس وعلاقاتها بالدين والعصر، وما سُمي بصحوة الفاتح كانت حركة عفوية ليست ذات جذور فكرية سياسية .
ولهذا فإن الحديث عن (انتفاضة) التسعينيات وما بعدها من حراكٍ سياسي هو أمرٌ يظلُ دائماً مشكوكاً في مصداقيته، لأن التحركات الفئوية المسيّسة للمذاهب، واجهت دائماً الفشل وعرقلت تطورَ الشعب الديمقراطي، لكونها اعتمدت على مصادر خارجيةٍ لا تمتلكُ هي نفسها دوراً في تغييرها، فاعتمدتْ على المغامرات وغيّبتْ التراكمَ الديمقراطي داخل صفوف المواطنين وفي البرلمان والنقابات والمجالس البلدية، ولم تقاربْ بين نسيجِ الناس، بل زادتْ من تفككهِ وقربتهُ من لحظاتٍ شديدة الخطورة على سلامة الوطن والشعب.
أن أي مقاربات بين المذهبيين السياسيين لابد لها من إرادة المراجعة الموضوعية وإرادة الاستقلال الوطني، وقراءة تاريخ الإسلام قراءة أخرى غير محافظة وغير منتمية للقوى الاستغلالية عبر التاريخ، والنأي بالذوات عن التقوقع المذهبي واستغلال جهل البسطاء ومشكلاتهم، والنمو داخل النضال الديمقراطي الوطني بأدواته المشروعة وتطويرها بشكلٍ يعبرُ عن مصالح الناس.
إن معايير الحداثة والديمقراطية والوطنية تطرح نفسها بقوة أمام هذه القوى المتشبثة بإرثٍ تقليدي لا تستطيع أن تقرأه قراءات منفتحة رحبة منتقلة به من إسلام الطوائف إلى إسلام الحضارة والتقدم.