هوامش
القضية الفلسطينية تدفع ثمن الربيع
تاريخ النشر : الاثنين ١٦ يوليو ٢٠١٢
عبدالله الأيوبي
يمكن القول: إن القضية الفلسطينية تعتبر أكبر الخاسرين من الأوضاع غير المستقرة التي تمر بها المنطقة العربية والتي بدأت مع انطلاقة الثورة الشعبية في تونس وانتقال عدواها إلى دول عربية أخرى أدت إلى إسقاط أنظمة الحكم فيها مثل مصر، وإزاحة علي عبدالله صالح من رئاسة الجمهورية اليمنية، فيما تتجه الأوضاع في سوريا إلى منحى غير معلومة نتائجه النهائية، كل هذه الخضات العنيفة التي تجتاح المنطقة العربية تسببت في الرمي بالقضية الفلسطينية خارج اهتمام المجتمعين العربي والدولي، وفي الوقت نفسه وفرت مناخا ملائما للكيان الصهيوني للسير بهدوء نحو تنفيذ برنامج القضم التدريجي للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وتهويد ما تبقى من الأراضي المحتلة وخاصة مدينة القدس التي تشكل لب الحقوق الوطنية غير القابلة للمساومة.
فالعدو الصهيوني استغل المناخ السائد حاليا في المنطقة العربية وانشغال العالم بما يجري في العديد من الدول العربية مثل ليبيا ومصر وسوريا للإسراع في تنفيذ الأجندات التي رسمها قادة العدو، فالمناخ السائد في المنطقة لن يدوم طويلا ولن يتكرر خلال عدة عقود من الزمن، وهذه الحقيقة يعرفها قادة العدو جيدا وبالتالي فإنهم دخلوا في سباق حقيقي مع الزمن لاستغلال الظرف الحالي بما يخدم تلك الأجندات، فعمليات الاستيطان التي كانت تشكل احدى أهم القضايا اهتماما لدى المجتمع الدولي، تسارعت وتيرتها أكثر بعد تفجر الثورات الشعبية في العديد من الدول العربية.
لا أحد يتحدث الآن عن القضية الفلسطينية وعن الانتهاكات الخطرة التي تتعرض لها الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وهو ما يخدم مشاريع الكيان الصهيوني، فالقضية الفلسطينية ليست خارج اهتمام دول العالم بحسب بل خارج اهتمام الدول والشعوب العربية، رغم أن سياسة العدو لم تتغير وأعمال التنكيل بالمواطنين الفلسطينيين تسير على قدم وساق، بل تصاعدت في الآونة الأخيرة أكثر مما كانت عليه من قبل، في الوقت نفسه فإن الكيان الصهيوني أدخل العملية "السلمية" في ثلاجة النسيان مع صمت دولي غير معقول.
ولا تلوح في الأفق أي مؤشرات على تغيير المناخ الحالي في المحيط العربي، فالأوضاع فيما تسمى دول الربيع العربي لم تستقر بعد ولم تتضح صورها الكاملة، باستثناء تونس التي لا تمثل أي ثقل بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، أما مصر فإن سفينتها لاتزال في بحر متلاطم وهي معرضة في أي وقت للانتكاسة، الأمر الذي يجعل من دورها في الوقت الحالي شبه مشلول، فيما سوريا تعيش وضعا أمنيا وسياسيا خطرا يهدد الدولة السورية برمتها، وبالتالي فإن المستفيد الأكبر من المناخ السائد في المنطقة العربية هو الكيان الصهيوني.
كان الأمل يحدو الشعب الفلسطيني بعد الثورة المصرية، وخاصة سكان قطاع غزة الذين يعانون حصارا جائرا مستمر لأكثر من أربع سنوات مصحوبا بحروب همجية متكررة من جانب قوات العدو، لكن هذه الآمال سرعان ما تبددت بعد إعلان مصر الإخوانية التزامها بجميع المعاهدات الدولية، وأهمها بالطبع اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر نهائيا من ساحة الصراع مع العدو، فمصر الإخوانية ليس مطلوبا منها أن تلغي هذه الاتفاقية في مثل هذه الظروف التي تمر بها، وإنما كان مطلوبا منها أن تغير العلاقة مع سكان القطاع وتكسر الحصار المفروض عليه من جانب العدو الصهيوني، وخاصة أن هذا الحصار يلقى إدانة واسعة من المنظمات الإنسانية والعديد من دول العالم كونه حصارا غير مشروع.
كانت جماعة الإخوان المسلمين المصرية، قبل وصولها إلى السلطة في مصر تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية غير القابلة للمساومة، ولكنها الآن وصلت إلى السلطة فإنها لم تتخذ أي خطوة تشير إلى مصداقية هذين القول والموقف، فالموقف المصري من الحصار الصهيوني على قطاع غزة بقي على حاله ولم يتغير عما كان عليه أيام الرئيس المصري السابق حسني مبارك والعدو الصهيوني لم يغير من سياسته تجاه سكان القطاع وتجاه القضية الفلسطينية برمتها، وبالتالي فإن مصر الجديدة مطالبة بتغيير سياستها تجاه قضية الشعب الفلسطيني باعتبار مصر تمثل الثقل العربي وتملك من الأوراق ما يكفي للضغط على العدو.
لا أحد يريد من مصر الآن أن تنقض على معاهدة كامب ديفيد أو تدخل في صدام سياسي كبير مع الكيان الصهيوني، فمصر بعد الثورة غير مؤهلة وغير قادرة على الإقدام على مثل هذه الخطوات، ولكن ذلك لا يعني أن تغل الأيادي المصرية تجاه القضية الفلسطينية، فبإمكان مصر بما تتمتع به من ثقل دولي أن تباشر تحريك المياه الراكدة في البحيرة الفلسطينية من خلال حث المجتمع الدولي على عدم نسيان وإهمال القضية الفلسطينية التي ستبقى آجلا أم عاجلا مفتاح الاستقرار وعدمه في المنطقة.